تمر علينا هذه الذكرى، وهي تجمع بين ثناياها العديد من المآسي التي عانى منها شعبنا، بدءاً من المجازر التي ارتكبت بحقه، وانتهاء بإجبارهم على الخروج من أرضهم وديارهم ليصبحوا لاجئين في شتى بقاع الأرض، وليؤسس المحتل "كياناً" على أرضنا، وتتسابق الدول للاعتراف به والتعامل معه.
هذا ملخص القصة التي جرت قبل اثنتين وسبعين سنة، إلا أنها ما تزال مستمرة؛ فالقتل موجود، والإبعاد والإجبار على الرحيل مستمر، ومصادرة الأراضي والبيوت تتجدد كل وقت وحين، فالمشهد لم يتغير حتى هذه اللحظة من حيث معالمه الرئيسة!
ما يزال أغلب الفلسطينيين بعد اثنتين وسبعين سنة لا يتمكنون من العودة إلى ديارهم وأراضيهم، مع أنه حق مكفول قانونياً ودولياً ، بل ويظل حلم العودة يراودهم حتى توفي الكثير منهم بينما لا يزال يحتفظ بمفتاح بيته، و"كوشان" أرضه.هذه الذكرى الأليمة، التي لم تزل آثارها حتى اليوم؛ فالفلسطينيون ما زالوا يعيشون متباعدين متفرقين، وتجد الكثير من العائلات قد فرقت بينهم الحدود والحواجز، فلا لقاء إلا لمن أتيحت لهم الفرصة، في حين يبقى الآخرون محرومون إما بسبب المنع من السفر، أو لأمور أخرى.
شعبنا الفلسطيني ما يزال يكتوي بنار الاحتلال، بين قتل وسجن وحصار، وبين حرب اقتصادية وغلاء معيشي، وبين رفض لـ"طرف" للوحدة ولم الشمل أثر على القرار الوطني ومشروعه التحرري، لكن ما يزيد الطين بلة، أن تصبح قضيتهم محل تشكيك من قبل البعض، حتى تثار إشاعات بيع الأرض، والتقليل من تضحيات أبنائها، وصمود أهلها.
شعبنا الفلسطيني قد اصطفاه الله ليكون في أقدس البقاع، ليواجه أشد الناس عداوة للذين آمنوا، بصموده ومقاومته وبقائه في أرضه ، وثباته برغم كل خطط تهجيره، ورفضه لكل صور التنازل عن الثوابت برغم كل المخططات والمؤامرات التي تستهدفه.شعبنا الفلسطيني ما يزال يكتوي بنار الاحتلال، بين قتل وسجن وحصار، وبين حرب اقتصادية وغلاء معيشي، وبين رفض لـ"طرف" للوحدة ولم الشمل أثر على القرار الوطني ومشروعه التحرري
فلسطين... التي لا يكاد يخلو بيت فيها من شهيد أو معتقل أو جريح أو مغترب.
فلسطين... التي باتت تضيق بأبنائها نتيجة تردي الظروف الأمنية والاقتصادية التي صنعها الاحتلال وأعوانه، فاضطر الكثير منهم للخروج طلباً للرزق، بدل الاقتصار على القروض والديون وما تجود به أيادي المحسنين!
فلسطين... التي يعيش جزء كبير من أبنائها تحت الحصار منذ أكثر من أربع عشرة سنة، ويعانون الأمرّين نتيجة نقص كل شيء، ويصبح خبر موت الناس بسبب الحصار خبراً عادياً، لا يكترث له الكثيرون.
فلسطين... التي يتعرض فيها أحد أقدس المساجد الثلاثة للأمة الإسلامية للتدنيس بشكل يومي، ويغلق أمام المصلين، ويحرم الفلسطينيون من الصلاة فيه بشكل دائم، بدون أدنى اعتبار وبدون أي تحرك جاد تجاهه، ولولا الله، ثم صمود أولئك المرابطين الأبطال في باحته، لبات المسجد الأقصى من الماضي!
وماذا بعد؟
بعد كل ما تقدم، من نكبات متوالية، تواجه شعبنا بشكل متجدد، هل ما يزال هناك أمل في التحرير، وإعادة كل الفلسطينيين إلى ديارهم وأرضهم؟
شخصياً، لا أشك في ذلك البتة، لكن الأمور لا تدرك بالتمني، والأهداف لا تتحقق بالأحلام، والتحرير لا يتحقق فقط بالمشاعر والسخط!
نحتاج إلى أن نقف مع أنفسنا وقفة جادة، ونسأل أنفسنا العديد من الأسئلة:
1- على المستوى الشخصي: هل ترى أن الوجود الصهيوني على أرض فلسطين هو احتلال أم غير ذلك؟ وهل تقبل بأن تتعايش مع من قتل أهلك وشرّدهم من أرضهم وجعلك لاجئاً في مكان آخر ولو كان ذلك داخل فلسطين؟ هل خصصت لوطنك جزءاً من دعائك في هذا الشهر الفضيل، ودعوت أن يحرره الله من براثن الاحتلال؟ هل تغضب لما يجري في القدس من تدنيس، وفي غزة من حصار، وفي الضفة من اعتقال وأسر وإبعاد؟ ألا يراودك شعور المشاركة في تحرير فلسطين ولو قليلاً؟
2- على المستوى الأسري: هل تحدثت مع أبنائك عن وطنهم؟ عن بلدتهم التي ينتمون إليها؟ هل أخبرتهم عن اليهود وما ارتكبوه من جرائم بحق شعبنا؟ هل أخبرتهم عن دير ياسين وكفر قاسم، وعصابات الهاجاناه والأرغون؟ وهل أخبرتهم عن عز الدين القسام، وعبد القادر الحسيني، والثورات الفلسطينية حتى حروب غزة الأخيرة التي أذلت فيها هذا الكيان الهش؟
3- على المستوى الاجتماعي: هل تحرص على أن تعرّف بقضيتك أمام من تصاحبهم وتختلط معهم اجتماعياً؟ وإذا كنت تحمل جوازاً أجنبياً أو جنسية أخرى هل تخجل من أن تعلن أنك فلسطيني وإن لم تحمل الجواز؟ وهل تحرص على أن تعكس صورة حسنة عن نفسك ووطنك، فيصبح الآخرون مهيؤون للاستماع عن قضيتك ومشاركتك تبنيها وتأييدك فيها؟
4- على المستوى الوطني: ماذا فعلت لدعم صمود أهلك في فلسطين؟ إن كنت فلسطينياً موسراً هل تتلمس احتياجات الآخرين ممن أثقل كواهلهم الفقر وقلة ما في اليد نتيجة الحصار والفساد الإداري والتخبط الاقتصادي وسوء الأوضاع؟ وإن كنت من خارج فلسطين فهل أنت راضٍ عما قدمته تجاه قضيتك، هل دعمت أي نشاط للتعريف بقضيتك أو شاركت به؟ وهل فكرت بأن تفيد قضيتك بمجال اختصاصك فتدعمها بشكل مختلف؟
إن نكبتنا لن تزول بحمل السلاح فقط، وفلسطين لن تتحرر إلا بتضافر كافة الجهود، وبوجود إرادة حقيقية للتحرر وطرد أولئك المجرمين من أرضنا .هل أنت راضٍ عما قدمته تجاه قضيتك، هل دعمت أي نشاط للتعريف بقضيتك أو شاركت به؟ وهل فكرت بأن تفيد قضيتك بمجال اختصاصك فتدعمها بشكل مختلف؟
إننا نحتاج إلى أن نجمع بين قوة الإيمان وتجديده في نفوسنا، وبين الإعداد المادي المتعلق بكل الجوانب، بدءاً من الأمور التربوية وانتهاء بالمواجهة المباشرة.
إنني أرى أن مسألة زوال هذا الكيان هي مسألة وقت لا أكثر، لكننا نحن الذين يقع على عاتقنا أن نحدد ذلك،فحينما تكون فكرة الحرية فكرة مركزية، ندور في فلكها، فإن جميع وسائلنا ستؤدي إليها ، وإن الكثير ممن خدعوا بالاحتلال ودعوا للتعايش معه ما زالوا يتلقون الصفعة تلو الصفعة منه حتى يوقنوا أنه الأسلوب الوحيد للتعامل معه هو المواجهة والطرد من أرضنا!