د. زياد مقداد: طريقة الصلة مرهونة بتعليمات المختصين
كفاية بركة: صلة الرحم ليست بالزيارات فقط
تبادل الزيارات والدعوة لولائم الإفطار من أبرز أشكال صلة الرحم في شهر رمضان، لكنهما طريقتان تتناقضان مع فكرة التباعد الاجتماعي التي يدعو لها المختصون من أجل الوقوف في وجه جائحة كورونا، وأمام هذا الواقع، علينا أن نتذكر أن التباعد يجب أن يكون جسدياً فقط، وأن صلة الرحم ممكنة دون اللقاء وجهاً لوجه...
لا ضرر ولا ضرار
يقول الأستاذ المشارك في الفقه وأصوله بالجامعة الإسلامية الدكتور زياد مقداد: "لصلة الرحم في الإسلام مكانة عظيمة، هي من الواجبات الشرعية التي أمرنا بها ربنا ونبينا صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع".
ويضيف أن من أول الأدلة، قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} [الإسراء: 23]، فالوالدان هما أولى الأرحام بالصلة، يليهما الإخوة والأخوات وغيرهم من الأقارب بالتدرج حسب درجة القرب، وقد أوجبت علينا الشريعة وصلهم بمختلف الطرق وحسب طبيعة الظرف والإمكانيات الموجودة".
يتابع: "وقد بيّن لنا النبي -صلى الله عليه وسلم - أن لمن يصل رحمه أجراً عظيماً في الدنيا والآخرة، حيث يزيد الرزق وتتحقق البركة في العمر، وذلك في الحديث الشريف: "من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه".
ويذكّر بما ورد في الحديث القدسي، عن الله تبارك وتعالى: "أَنَا الرَّحْمَنُ وَهِيَ الرَّحِمُ شَقَقْتُ لَهَا اسْماً مِنَ اسْمِي فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ"، وفي مقابل الترغيب بصلة الرحم وأجرها، فإن قطعها خطرٌ على فاعله، ففي الحديث الشريف: "لا يدخل الجنة قاطع".
يوضح مقداد: "يزداد الترغيب بصلة الرحم في شهر رمضان، ذلك أن هذا الشهر شهر الخير والبركة وتتفتح فيه أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران وهو شهر التراحم والتواصل، وأولى الناس بذلك هم الأرحام".
ويبين: "لرمضان الحالي ظروف خاصة في العالم كله، وعلينا الالتزام بالتدابير التي تنصحنا بها الجهات المختصة، ومن ذلك الحجر والتباعد الجسدي، لكي نساهم في القضاء على الفيروس، لكن علينا أن ننتبه أن هذا ليس مبررا لقطع الأرحام".
ويؤكد: "علينا أن نصل الرحم بالقدر المتاح الذي لا يخالف التدابير المُوصى بها، مثل تقنين الزيارات وضبطها من خلال تقليل عدد الزائرين والتعقيم، ولو وصلت التوصيات إلى حد المنع من الخروج من البيت إلا للضرورة، فلا ضير في عدم زيارة الرحم" موضحاً: "نستعيض عن الزيارات بالاتصال، وما أكثر طرقه اليوم، هذا يحل محل الزيارة، ولك أجرها، وأكثر من ذلك أن لك أجر الحفاظ على نفسك وعلى من تحب وعلى أهل بلدك".
ويشدد مقداد على أهمية النية في هذا السياق، فمن ينوي صلة أرحامه بالفعل لكنه يمتنع بفعل الجائحة، يختلف عمّن يتنقل من مكان لآخر ويلتقي من أراد من الناس، ثم يمتنع عن زيارة أرحامه بذريعة الحجر.
وعن الخلافات التي قد تنشأ عن عدم قناعة البعض بالحجر، وغضبهم على من يمتنع عن زيارتهم في هذه الظروف، يقول مقداد: "القاعدة الشرعية هي (لا ضرر ولا ضرار) و (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، لذا علينا أن نلتزم بما تمليه علينا الجهات المسؤولة".
ويضيف: "الأمر بحاجة لذكاء في التعامل مع المُعاتب، ومحاولة إقناعه، لكن إن لم يقتنع فلا إثم على الملتزم بالحجر".
لا تشعر بالذنب
من جانبها، تقول الأخصائية النفسية كفاية بركة: "من أكثر ما يسعد الناس في شهر رمضان، الأجواء والطقوس التي اعتادوا عليها خلاله، فهي تترك أثراً إيجابياً في النفس لا يزول أبداً، وهذا الأثر يتجدد كلما استرجع وتحدث الناس عنه، ومن أبرز تلك الطقوس صلة الرحم، من خلال تبادل الزيارات وتنظيم ولائم الإفطار".
وتضيف: "صلة الرحم تنعكس بشكل إيجابي على أفراد من المجتمع، فهي تعزز العلاقات الاجتماعية، وتقوّي الإحساس بالآخرين، من خلال التواصل معهم ومشاركتهم في مناسباتهم ومساعدتهم في حل مشكلاتهم، كما أنها تحقق نوعاً من السعادة لدى الفرد نتيجة شعوره بأنه مقبول ومحبوب من الآخرين ولديه دائرة من العلاقات الاجتماعية التي يستند عليها ويتواصل معها".
وتواصل: "صلة الرحم تعود على القائم بها بالراحة والطمأنينة، عندما يلمس سعادة الآخرين بوصله لهم"، وتستدرك: "لكن رمضان هذا العام يأتي على غير المعتاد؛ لأن جائحة كورونا تسببت في حرمان الناس من ممارسة طقوسهم بما فيها صلة الرحم، وغياب هذه الطقوس من شأنه أن يترك أثراً سلبياً على الجانب النفسي لدى أفراد المجتمع، خاصة عندما نقارن رمضاننا هذا بأشهر رمضان في الأعوام السابقة".
بدلاً من تلك المقارنة والتفكير في تنظيم الاجتماعات العائلية، علينا أن نهتم باتخاذ الإجراءات الوقائية لمواجهة فيروس كورونا وزيادة مستوى الوعي الذاتي وتحديد مشاعرنا تجاه المواقف والأحداث والتعامل معها بطرق إيجابية وضبط ردود أفعالنا، بحسب بركة.
وتوضح: "صلة الرحم التي لا تقتصر على الزيارات، بل تشمل الاتصال بالأرحام والاطمئنان عليهم، وتهنئتهم بالشهر الفضيل، فإذا حُرمنا من الزيارات، بإمكاننا إيجاد بدائل للتواصل وتعزيز العلاقات الاجتماعية، وخاصة أننا في عصر التطور التكنولوجي؛ فقد أصبح بإمكان الناس التواصل مع بعضهم البعض دون الالتقاء المباشر".
وتؤكد: "بالتالي، فإن التباعد الجسدي لا يسبب التقصير في صلة الرحم، وبالطبع لا يبرره ولا يمكن اتخاذه ذريعة لقطع الأرحام".
وفي حال التزم طرف بالحجر، وغضب عليه آخر، تنصح بركة: "على الملتزم أن يحاول إقناع الغاضب بأهمية الالتزام بالتدابير الوقائية، وليوضح له أن التباعد الجسدي جزء من المحبة والحرص، ولكي يثبت له ذلك عليه أن يستمر في التواصل معه وأن يعبر له عن مشاعره وشوقه للقاء".
وتبين: "أمام هذه الحالة، لا داعي للشعور بالذنب، فالملتزم بالحجر ليس مخطئاً، وتقليص الزيارات ليس قراراً نابعاً من رغبة ذاتية بل هو قرار جماعي يهدف لحماية كافة أفراد المجتمع، والالتزام به واجب على الفرد، ولو مع أقرب الناس، وبمرور الوقت وعلى المدى البعيد سيدرك الآخرون أن الالتزام كان بدافع الحب والخوف عليهم".