"ما تحاول هذه الدراسة توضيحه هو نقاط التشابه بين النموذجين التاريخيين الأمريكي والصهيوني، بإلقاء النظرة على تاريخ السابقة الأمريكية التي حلت بالسكان الأصليين، فمارست ضدهم كثيراً من السياسات التي مارسها الصهاينة ضد العرب".
بهذه الكلمات قدم الكاتب سفره الذي بين أيدينا، موضحاً أن الجريمة الصهيونية التي عانت منها فلسطين، ليست سوى نموذج مصغر من جريمة استيطانية أكبر اتخذت من القارة الأمريكية مسرحاً لها على مدى 4 قرون، سعى المجرمون في كل حالة منهما لامتلاك أرض يقطنها شعب آخر، مستمدين المثل من التوراة اليهودية المكرسة لسرد حكاية شعب احتل أرضاً غريبة وطرد منها أهلها.
ويؤكد الكاتب ان الهدف الحضاري لا تتضمنه خطط المستعمر لذلك، فليس هناك أي معنى لتقديم التنازلات الفكرية والدينية، لإثبات مدى تقدم الشعب المحتل وتماهيه مع المجتمع الدولي ثقافياً أو حضارياً، بما يجعله يفقد هويته.
مع الكتاب
ينقسم الكتاب الذي بين أيدينا إلى ثلاثة أقسام؛ يعنون الأول فيها بـ(حروب المستعمرين قبل الاستقلال)، ويتكون من 10 فصول، أما الثاني فعنوانه: (حروب الديمقراطية الأمريكية)، ويتكون من ثمانية فصول، أما الثالث والأخير، عنوانه (الخلاصات والعبر من قراءة التاريخ الأمريكي)، ويتكون من 11 فصلاً.
ويشير الكاتب إلى أن التشابه بين الإجرام الأمريكي والصهيوني في احتلال أراضي شعوب أخرى، بيّن وواضح، ولو في معاوني الاحتلال أنفسهم، فبعد هزيمة بريطانيا في حرب الاستقلال تخلت عن حلفائها من الهنود الحمر، كما فعلت فرنسا من قبل، وبقي الهنود يواجهون القتل والتدمير وسلب الأراضي، والقمع، الذي لم يسلم منه من كان منهم معاوناً للاحتلال.
كما تشابهت سياسات التوسع الاستيطاني، والفصل العنصري، ومخالفة المواثيق الدولية، وحصار سكان الأرض الأصليين في مساحات ضيقة، ثم محاولة تهجيرهم إلى أراض بديلة.
وتمثلت تبريرات الرجل الأبيض لإجرامه ضد الهنود الحمر، فيما يلي: التطهير الإيماني (البروتستانتي الكالفيني)، والهيمنة الثقافية بادعاء احتكار الحضارة والتقدم، وهي كلها تبريرات لهجرة الرجل الأمريكي إلى أرض الهنود الحمر، ومبادئ شكلية لإقامة دولة خاصة به تبقيه في صراع مع السكان الأصليين إلى أن يتخلص منهم.
ويوضح الكاتب أن بعض الهنود حاولوا التماهي مع التحضر الثقافي الذي فرضه الرجل الأبيض المحتل، لإثبات أحقيته في العيش على تلك الأراضي الغنية كما الرجل الأبيض، إلا أن ذلك لم يحل دون استمرار سياسة الفصل العنصري، ومحاولة اجتثاث الجنس الهندي الأحمر تماماً.
كما كانت المؤن والمساعدات التي يساوم عليها الأمريكي الهندي، ليحصل على الأرض، غالباً غير كافية، ولا تؤمن لهم العيش، فضلاً عن العيش باستقلالية.
ويوضح الكاتب الصورة الأخرى من الوحشية الأمريكية، والمتمثلة في الاحتلال الصهيوني الذي اتبع السياسة ذاتها، من نقض للمعاهدات، واستغلال للمجتمع الدولي، والمبالغة في التمدن، واعتبار كل ما يؤدي إلى إبادة الجنس العربي، هو الحل.
وقد اضطر السكان الأصليون، إلى اتباع أساليب المقاومة القانونية عبر المحاكم الدولية إلا أن ذلك لم يجد نفعاً في استرداد الحق؛ إذ أصبح الاحتلال أمراً واقعاً؛ بل استغل الدين لتبرير الاحتلال، وتشير الرواية الإنجليزية لبعض الشركات إلى أن الأمريكيين في حل عن التبشير لهداية الرجل الهندي، فلو شاء الله لهداه في الوقت المناسب، وبذلك تصبح أرضه ملكاً للرجل الأبيض، بدون أي حقوق اعتبارية للهنود.
ويوضح الكاتب، أن التشابه في الوسائل والأهداف، بين الاحتلال الأمريكي لأراضي الهنود الحمر، والاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية، يجب ألا يقابل بأساليب المقاومة نفسها، وينبغي إدراك أن الغطاء الديني والثقافي ما هو إلا مطية لتحقيق المنافع، والمصالح الاحتلالية ليس إلا.
وبالرغم من ضيق المجال لسرد تفاصيل الكتاب، وأفكاره الفرعية، إلا أن رسالته الأساسية تتلخص في إظهار التشابه، في الأهداف بين الاحتلال الأمريكي، والاحتلال الصهيوني، ووحشية الجانبين في التأصيل لاجتثاث شعب من أرضه والتواجد مكانه.
مع المؤلف:
هو محمد شعبان صوان، مؤلف ومؤرخ فلسطيني، من أبناء قطاع غزة، ذاع صيته في عام 2017، بعد انتشار بحثه "أمريكا الإسرائيلية وفلسطين الهندية الحمراء"، والذي يعد تجميعاً لأربعة دراسات تاريخية، وسياسية.
وقد عني بقراءة وتحليل تاريخ الأمة وخصوصاً مرحلة الحكم العثماني، الذي تناوله في كتابه: (السلطان والتاريخ... لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟)، المنشور في 2016م، وكتابه (السلطان والمنزل)، المنشور في 2013م.
بيانات الكتاب:
ـ العنوان: أمريكا الإسرائيلية وفلسطين الهندية الحمراء (تاريخ السوابق الأمريكية للجرائم الإسرائيلية).
ـ المؤلف: محمد شعبان صوان.
ـ الحجم: 768 صفحة.
ـ جهة النشر: ابن النديم للنشر والتوزيع.
ـ سنة النشر: 2016م.