يمكننا أن نصف هذا العام الدراسي بأنه الأصعب على الجميع، نظراً لكثرة التحديات التي واجهت المنظومة التعليمية في عالمنا العربي على وجه الخصوص، واللجوء -اضطراراً- إلى خيار "التعلم عن بعد" وما رافقه من تحديات عديدة تمثلت بالأمور التالية:
1- قولبة المناهج وكيفية تدريسها بما يتناسب مع منصات "التعليم عن بعد".
2- قدرة المعلم على استخدام كافة الخصائص المتوفرة على هذه المنصات، سواء أكانت من خلال الحصص المباشرة، أو المسجلة، أو حتى من خلال متابعة أعمال الطلاب وتقييمهم.
3- قدرة الطالب على التعامل مع هذه المنصات الجديدة باحترافية، بما يحقق الأهداف المتوخاة من كل درس.
4- جودة المادة المقدمة للطلاب، والتي تجعلها جاذبة بعيدة عن الملل.
5- قدرة الأهل على دعم الطالب فيما يتعلق بهذه المنصات التعليمية، ومساعدته على تجاوز المشكلات حال ظهورها.
6- فاعلية التقييمات والاختبارات المعطاة للطلاب، بما يعين على وضع تقييم عادل للطالب، ويعكس مدى تحقيقه للأهداف المرجوة.
هذه ببساطة، أبرز التحديات التي طرأت خلال الفترة الماضية، ونظراً للظروف الصحية المتعلقة بجائحة كورونا، والغموض المصاحب لها سواء من حيث الانتشار أو العلاج، فإن ما يظهر أن هذه التحديات ستستمر في العام المقبل ، وبالتالي ستختلف حدتها بناء على كيفية التعامل معها سابقاً.
وهذه التحديات لا تقتصر على #التعليم المدرسي فحسب، بل هي تشمل التعليم الجامعي أيضاً، وإن كانت تختلف نسبتها بين نقطة وأخرى، إلا أنها تحتاج إلى تخطيط وإدارة جيدة.
فرص متاحة
برأيي الشخصي لقد كشف "التعليم عن بعد" عن الضعف الذي يعتري منظومتنا التعليمية، والتي تركز في الأساس على حفظ الطالب للمادة، بغض النظر عن مدى فهمه لها وتطبيقها على أرض الواقع. إضافة لإغفال أهمية التكنولوجيا في تحسين جودة التعليم.
لقد كشف "التعليم عن بعد" الضعف الذي يعتري منظومتنا التعليمية، والتي تركز في الأساس على حفظ الطالب للمادة، بغض النظر عن مدى فهمه لها وتطبيقها على أرض الواقع، إضافة لإغفال أهمية التكنولوجيا في تحسين جودة التعليم.
وأذكر حينما كنت طالباً في المدرسة، كيف كنت أسعى لحفظ بعض المواد -بالحرف- خصوصاً في امتحان الثاني عشر، وكان المدرسون يخبروننا أننا كلما استعملنا كلمات الكتاب، كلما كانت فرصتنا أكبر في الحصول على علامة كاملة!
وكذلك الحال حينما أصبحت مدرساً، ولحرصي على أن يحصل طلابي -للصف الثاني عشر- على أعلى العلامات، كنت أسعى لتطبيق نفس الأسلوب، فالطالب لا يهمه إن فهم أم لا، المهم أن يحفظ المحتوى، ويستطيع الإجابة عن السؤال بشكل صحيح، حتى أن بعض الطلبة كانوا يتركون بعض الأسئلة للحظ، تماماً كلعبة الروليت (المسدس) الروسي، بحيث إن جاء منها سؤال في الامتحان أصيبت علامته في مقتل!
وهذا الحال نفسه يحصل في جامعاتنا، فبغض النظر عن دراسة طلابنا لبعض "الوريقات" لهذه المادة أو تلك -فقط لأجل النجاح في الامتحان- فإن الكل يدرك أن ما يتعلمه الطالب في الجامعة شيء، وما يواجهه في الشارع وفي سوق العمل شيء آخر، حتى في العلوم الشرعية!
وهذا برأيي هو السبب الحقيقي في وجود فجوة كبيرة، بين ما يتعلمه طلابنا، وبين ما هو مطلوب منهم في مجال عملهم، فمن الطبيعي أن تجد طالباً للغة العربية يخطئ في إعراب جمل سهلة، وطالباً آخر درس الفقه يخطئ في فتوى حول مبطلات الوضوء والصلاة!
وقد يستدرك البعض ويقول: ما الرابط بين هذا ومنظومة التعليم عن بعد؟
أقول أن "التعليم عن بعد" هو فرصة حقيقية للتطوير وكسر الجمود الذي فرضته المناهج علينا ، أدرك أن الصفوف التي لها امتحان وزاري قد تكون مستثناة من حديثي -نظراً لأن التقييم هو خارج عن إرادتنا- لكن باقي المراحل -بما فيها الجامعية- تحتاج إلى ثورة حقيقية والمعلم بإمكانه تحقيقها دون انتظار إذن من الوزارة أو دائرة المناهج!
الأمر المطلوب تحقيقه هو التركيز على حل المشكلات بدل الحفظ، وإعطاء الطالب القدرة على التعبير عن فهمه وتحليل ما يتعلمه، بالإضافة إلى ربط ما يتعلمه الطالب بواقع حياته بدل الاقتصار على تعداد النقاط والنتائج، بحيث ترتبط المادة بواقع الطالب، وننمي فيه ملكة التفكير والمعرفة والنقد، مع مراعاة الفروق الفردية بينهم، فما يصلح لطالب قد لا يصلح لغيره بالضرورة ، فيكون هناك أدنى حد من تحصيل المعرفة وتحقيق الأهداف، وآخر أعلى يدعم التفكير والإبداع ويبني علماء حقيقيين، بدل إيجاد نسخ كربونية -مؤقتة- لما نعلمه لهم.
الأمر المطلوب تحقيقه هو التركيز على حل المشكلات بدل الحفظ، وإعطاء الطالب القدرة على التعبير عن فهمه وتحليل ما يتعلمه، بالإضافة إلى ربط ما يتعلمه الطالب بواقع حياته بدل الاقتصار على تعداد النقاط والنتائج، بحيث ترتبط المادة بواقع الطالب، وننمي فيه ملكة التفكير والمعرفة والنقد
وهذا الأمر ليس جديداً، بل لنا في بعض سلفنا الصالح قدوة فيه.
فالرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يستخدم العديد من الأساليب في حث الصحابة على التفكير وتطبيق ما تعلموه، كطرحه بعض الأسئلة مثل (أتدرون من المفلس؟) (إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وهي مثل المسلم، حدثوني ما هي؟..).
وقد فهم الصحابة رضي الله عنهم، أن الحفظ يجب أن لا يتم بمعزل عن الفهم والتطبيق، فروي عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه قال: "حدثنا الذين كانوا يُقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي ﷺ عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل"، قالوا: "فتعلمنا القرآن، والعلم، والعمل جميعاً" (رواه البخاري).
وأخرج الطبري عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه- قال: (كنا لا نتجاوز عشر آيات من القرآن حتى نتعلم ما فيها من العلم والعمل فتعلمنا العلم والعمل معا).
وهذا الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- اتخذ طريقة التشاور والتحاور والنقاش في حلقة العلم، بل وكان يزرع في نفوس طلابه الثقة بأنفسهم لطرح آرائهم والأدلة والاستدراك على ما طرح، وكان يقول رحمه الله: (لا يحل لأحد أن يفتي بقولنا ما لم يعلم من أين قلنا).
ولهذا ظهر في حياته بعض أصحابه ممن برعوا في الاجتهاد وساعدوا الإمام في تأسيس المذهب، كأبي يوسف ومحمد بن الحسن، وزفر والحسن بن زياد وغيرهم، حتى أن بعض محققي المذهب كانوا يقدمون رأي تلامذة أبي حنيفة على رأيه في بعض المسائل ويعتبرونه المعتمد في المذهب!
خلاصة القول.. أن الفرصة باتت مواتية أكثر من أي وقت مضى للعمل على ذلك، ولابد أن تكون لدينا رؤية واضحة للعام المقبل تجمع بين جودة التعليم بالتركيز على التطبيق وحل المشكلات، وجودة الأسلوب بالتدرب على الوسائل التكنولوجية المتاحة المجانية في أغلبها ، والتقليل من تلقين الطلاب وإتاحة المجال لهم للتحليل والاستنتاج والمقارنة لتكون رسالتنا التعليمية أفضل وأرقى.