لا شك أن العالم بأسره - خاصة في تلك الأيام - يعيش وضعاً كئيباً مُظلماً، قد يدفع لليأس والقنوط، وأحياناً قد يذهب البعض بعيداً فيفكر في الانتحار؛ خوفاً من أن يصاب بكورونا فيتلاشاه ويتحاشاه الأحباب والأصدقاء، وقد كنت أعتقد بتمام اليقين أن فرار المرء من أخيه وأمه وأبيه، سيكون يوم القيامة فقط -كما قال ربنا في كتابه- حتى جاءت هذه الجائحة فرأينا بأم أعيننا الفراق والفرار من الأهل في حياتهم وهم مصابون ومرضى، والفرار من حمل جثامينهم بعد استراد صاحب الأمانة لأمانته.
ويقيناً... هذا الواقع محزن ويدفع باتجاه المرض النفسي، ونحن ثقتنا في الله عظيمة وقوية ويقيننا بأنه ما رفعت قدم على قدم إلا بقدر مكتوب، وعليه فإن القنوط والحزن باب فرح للشيطان؛ لأنه يثبط المرء عن طريقه، ويجعله منطوياً منعزلاً، وهذا لا يليق بالإنسان، فالحياة كد وتعب وطريق شاق للوصول، وعليه فإننا ومن باب نشر روح الأمل نكتب هذا المقال.
ماهو التفاؤل؟
#التفاؤل في سياقه العام هو: "استعداد داخلي لحب الحياة والهدوء والسكينة المتشبعين بالأمل في قادم مبشر بلا أحزان أو هموم".
وهذا المعنى في نظري شمولي جيد يتماشى مع الواقع الذي نحياه جميعاً؛ فالكل يتمنى الخير ويحب الاطمئنان ويسعد بالأمل ويحلم بمستقبل مشرق.
أهمية التفاؤل في حياتنا؟
الأمر ليس مجرد كلمات تكتب على لوحة المفاتيح بقدر ما هي حياة نحياها فنسعد بأفراحها، ونئن لأحزانها، ونتعاطف مع أمراضها، فهي حياة شاملة ما بين الأفراح والأتراح، لذلك فكلما كان المرء متفائلاً كلما كانت قوته على مواجهة الصعاب بشتى أنواعها أقوى ، فلا خير في التشاؤم، فضلاً عن أثاره السلبية لكن هناك خيرات في التفاؤل فضلا عن أثاره الإيجابية.
وعليه... فالمرء - أولاً/ - يكتسب بتفاؤله حياته، بل يكتشف معنى جديداً لهذه الحياة بتعزيزه لثقته بذاته، وقدرته على الصمود والجلد في مواجهة التحديات.
ثانياً/ التفاؤل -على المستوى الصحي- قد يعجل بالشفاء؛ فـ "نصف الدواء في الطمأنينة، ونصف الداء في الوهم" -كما قال ابن سينا- فحب الحياة والتطلع للأمل ونشر البشريات والتركيز على الجوانب المضيئة كل هذا من معجلات تمام العافية وإلا لما قال نبينا -صلى الله عليه وسلم- في حديثه: "بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا".
فكل شيء له مرده، وله ما بعده، وفطانة القائد الأعظم في نشر ثقافة البشرى والتخفيف وعدم التنفير -يقيناً- كان الهدف منها نشر الأمل والطمأنينة وحب الحياة والعمل.
إن التفاؤل وإن بدا في مجتمع يقتات على التشاؤم والأحزان أمر صعب، إلا أنه واقع لا محالة، بل حتمي الحدوث؛ فنحن كمسلمين نقرأ يومياً في كتاب ربنا: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:5، 6] عسر وحيد أمام يُسرين، ولن يغلب عسر يسرين أبداً؛ فهذا توجيه بالتفاؤل، بل بالعمل من أجل إحداثه واقعاً نسعد به وتطمئن به نفوسنا وعقولنا وقلوبنا، ثم نخرج كل طاقات الإبداع والنور في حياتنا وأعمالنا، فضلاً عن تطوير أنفسنا والهمة العالية في ذلك الخصوص.
والتفاؤل ينير حياة الزوج مع أسرته، ويجعل منها أسرة سعيدة قوية، لديها مناعة فولاذية لمقاومة الأحزان ، مستمدة كل ذلك من كتاب ربنا وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- ومن فهم الزوجين لطبيعة الحياة وعثراتها، وكم هي مؤلمة وقاسية لو كان التشاؤم سمتنا، وكم هي هينة ويسيرة في حال كون التفاؤل نبراساً، وكان الأمل شعاع نور يزيل كل أوجاع الضيق والحزن.
إن التفاؤل مهم وحتمي في حياتنا وخاصة في أعمالنا -سواء كانت إدارية أو غير ذلك- فلو ركن العامل والموظف والمهندس والمحاسب والطبيب لحالة اليأس والحزن من هول ما يسمع من أوجاع وأحزان ستنتشر كالنار في الهشيم، فإنه يقيناً سيصبح مصيره مؤلماً؛ فقد يجلس في بيته لا رغبة لديه في مخالطة الناس، بل في الحياة كلها، وتلك طامة كبرى ومأساة حقيقية، فالبيوت اليوم تكتوي بنار الغلاء المعيشي، وتكاليف تربية الأولاد كبيرة وعظيمة، والجميع يسعى ليكفي أهله السؤال من اللئام في مجتمع الذئاب، وعليه فالتشبع بالأمل والطمأنينة وروح التفاؤل يدفع كل موجوع أن يتحول حاله لما فيه خير له نفسياً ومعنوياً، وحال أسرته مادياً وحياتياً. وكلنا في مشقة الحياة نسعى، يقول تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} [النجم:39، 40].
لذا فالتفاؤل -وإن رأى فيه البعض هماً أو حلماً- فإن عواقب غيابه أكبر بكثير من التسليم الكامل بالأحزان والتأقلم معها تماماً، كشخص أحب المحن وتأقلم معها وهو يظن أنه صابر محتسب بدون أن يسعى جاهداً لتغيير حاله ووضعه، وهذا ليس من الفهم في شيء؛ فالمرء مطالب بالسعي لحياة أفضل وواقع أجمل له ولمن يعول ولن يتأتى ذلك إلا بالطمأنينة والسعي وبث روح الأمل بداخله ومن يحب.
فما فائدة أن تتحول الحياة لمجتمع كئيب أحزانه أكثر من أفراحه، وهمومه وغمومه أكثر من آماله وبشرياته وراحة باله.
إن التفاؤل لا يزال ترجمة لحياة صحية ونفسية واجتماعية سليمة مكللة بالنجاح ؛ فالله عز وجل بشّر بأن بعد العسر يسراً، وبأن الفائزين في نهاية المطاف هم العاملون المبشرون الميسرون وليس المنفرون المعسرون لحياتهم.والتفاؤل في حياتنا ليس أمراً ثانوياً، بل هو شيء أساسي لمن يعي ويفهم ويريد أن يحيا حياة بلا متاعب وصعاب، فهو طاقة نور، وشمس مضيئة تدفع لمزيد من الإنتاج وحب الحياة ومن ثم العمل الدؤوب للوصول لمستقبل باهر ومشرق بغير معوقات داخلية نفسية، أو الوقوف كثيراً في خانة العطالة والجمود، فهو يدفع بالمرء لتغيير نمط حياته، فضلاً عن استبشاره الدائم وتبسمه واستشرافه لمستقبل يضيف إليه ومن معه.
ختاماً
إن الحديث عن التفاؤل اليوم أصبح حتمياً، ولعله من باب إدخال السرور على قلوب المسلمين والتخفيف من وطأة التفكير في الأحزان، وسعياً في عدم تهويل الأوجاع.
وإضافة شيء من البساطة والتفكير في أهمية أن يحيا المرء حياة طبيعية بلا إجهاد عقلي وذهني له ولمن يحبهم في الهزات والأوبئة التي تصيب العالم وتصيبنا جميعاً.
وأن نعمق بداخلنا التسليم الكامل بالقدر الإلهي والرضا مع السعي الحثيث للأخذ بكامل الأسباب، لكن المهم أن لا تقودنا الصعاب لحالة تشاؤمية تدفعنا للانتحار أو الاعتراض على أقدار الله بقدر ما يقودنا التسليم للقدر بالتفاؤل بأن الله لطيف بعباده.