خُلق المسلم

الرئيسية » كتاب ومؤلف » خُلق المسلم
كتاب-خلق-المسلم

المتأمل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" (سنن البيهقي) يدرك بأن رسول الإسلام حدد الغاية الأولى من بعثته ورسالته -صلى الله عليه وسلم- وأنّ #الأخلاق الإسلامية إنما هي جزء لا يتجزأ من عقيدة الإسلام؛ إذ هي ليست نفلاً (للمرء حرية الاختيار بين التزامها وتركها) بل إن المتتبع للنصوص الشرعية يدرك أهمية الأخلاق للمسلم بل للأمة بأسرها وأن العبادات التي شرعها الإسلام ليست حركات مبهمة أو طقوس جامدة بل جاءت لتربي وتعود المسلم بتكرارها على أخلاق معينة يحيا بها ثابتة لا تقبل المساومة عليها بل هي راسخة مهما اختلفت الظروف وتغيرت الأحوال.

كتاب خُلق المسلم حري على كل مسلم يبتغي العزة في الدنيا والفلاح والفوز بالأخرى أن يقف عنده -لا قارئاً فقط بل- متفكراً متدبراً مطبقاً لكل خلق على نفسه وواقع حياته، لا سيما والناس اليوم يستمسكون بظواهر الأمور فتجدهم يحرصون على أداء العبادات لكنها عبادات جامدة خالية من روحها وهل روح العبادات إلا الأخلاق فتجد كل عبادة مشروعة في الإسلام ترنو وتهدف إلى غرس خُلق من الأخلاق الفاضلة في نفس وقلب المسلم فخذ مثلا قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت:45] وكم من مسلم أدى صلاته بوقتها دون انقطاع لكنه أداها كحركات منفصلة عن روحها فخرج من مصلاه بذيء القول والفعل فلم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر.

لذا جاء هذا الكتاب ليوضح معالم الطريق للمسلم ويرسم له خارطة خُلقية لا يكتمل إسلامه إلا بها فإن كان المسلم يفهم أن الإسلام شريعة وعقيدة فإن هذا الكتاب جاء ليذكره بركن ثالث لا يتجزأ عن الشريعة والعقيدة وهو المنظومة الخُلقية التي كاد المسلم المعاصر أن ينساها في سعار المادية التي تسيطر على الساحة اليوم.

مع الكتاب:

ابتدأ المؤلف كتابه بمقدمة تناول فيها العلاقة بين أركان الإسلام ومبادئ الأخلاق، ووضح أن كل ركن من أركان الإسلام له صلة متينة بالأخلاق وكأن العبادات شجرة ثمارها الأخلاق، ثم وضح العلاقة بين الخُلق والإيمان وأن ضعف الخُلق إن دل على شيء فإنما يدل على ضعف إيمان صاحبه، ثم بيّن المؤلف أن الإسلام جاء لينتقل بالبشر خطوات واسعة وفسيحة إلى حياة مشرقة بالأخلاق والآداب والفضائل وبذلك نستطيع السعي نحو عالم أفضل.

وتناول المؤلف مسألة الحدود على الجرائم الخُلقية، لأن الإنسان مفطور على الخير وقد تصاب الفطرة وتمرض فالإسلام بهذه الحالة ينظر له على أنه مريض ويقدم له أسباب الشفاء، فإذا ظل هذا المرء مصراً على لوثة فطرته وأصبح مصدر عدوان على المجتمع أقام الإسلام عليه الحد والذي هو وقاية للفرد والمجتمع ولكن لا يقام عليه حد إلا بعد أن يكون قد كفل له ضروراته فإن أبى إلا أن يكون معتدياً وقتها أقيم الحد عليه ولكن بعد تثبت شديد.
دائرة الأخلاق تشمل الجميع وهو ما تناوله المؤلف منبهاً عليه من قصور للفهم قد يطرأ على أفهام بعضنا، فإن كان لكل دين شعائر خاصة به فكذلك الإسلام له طاعات ألزم بها أتباعه، غير أن الأخلاق ليست كذلك إذ إن المسلم عليه أن يتحلى ويتخلق بالآداب والأخلاق الفاضلة مع الجميع بغض النظر عن دينهم وهويتهم وشرعتهم فهو مطالب بالصدق مع المسلم وغير المسلم وكذلك الوفاء بالوعد والعهد والعدل وذلك في سائر الأخلاق كلها.

تناول المؤلف مجموعة من الأخلاق الضرورية في حياة كل فرد منها وما ينبغي أن ننفك عنها في جل ظروفنا على اختلافها وقد ابتدأها بالصدق ثم تبع الصدق مجموعة من الأخلاق التي على المسلم أن يتحلى ويتخلق بها وهي: الأمانة، الوفاء، الإخلاص، أدب الحديث، سلامة الصدر من الأحقاد، القوة، الحلم والصفح، الجود والكرم، الصبر، القصد والعفاف، النظافة والتجمّل والصحة، الحياء، الإخاء، الاتحاد، اختيار الأصدقاء، العزة، الرحمة، العلم والعقل، الانتفاع بالوقت والاتعاظ بالزمن.

مجموعة خُلقية في نظمها واتحادها وتآلفها تخرج لنا جوهرة نفسية وليس هناك أثمن من نفس مسلمة زكية التزمت بها فأخرجت لنا الإنسان المسلم كما يحب الله ويرضى قولاً وفعلاً فكانت أخلاقه ترجمان هويته ومعتقده الذي يعتقد، مجموعة من الأخلاق لا يقل أهمية أحدها عن الآخر غير أنه لا بد من التوقف عند بعضها لشدة خطورة انفصالها عن سلوك المسلم ولو لدقائق محدودة.

• الصدق: إذ إن الحيرة التي يقع بها البشر ترجع إلى ذهولهم عن هذا الخلق الأصيل وتسلط الأكاذيب على أنفسهم وأفكارهم فبعدوا بذلك عن الصراط المستقيم، لذلك يجب على المجتمع محاربة الظنون والإشاعات وأن يتمسك المسلم بالصدق فيكون الصبغة الثابتة في سلوكه والدعامة الركينة في أقواله وأفعاله.

• الأمانة: وهي مفهوم واسع الدلالة وهي في دين الله أثقل وأضخم مما يظن البعض اقتصارها على مفهوم حفظ الودائع، فمن معانيها وضع الشيء في المكان الجدير به فلا يسند منصب إلا لصاحبه الجدير به ومن معانيها أن يحرص المرء على أداء واجبه كاملا فيما أنيط به من عمل، وألا يستغل المرء منصبه لجر منفعة إلى جهة بغير حق، وأن تنظر لحواسك التي أنعم الله عليك بها فلا تستخدمها إلا بما يحب الله ويرضى وأن تحفظ حقوق المجالس فلا تفشي سرها ولا تسرد أخبارها.

• الإخلاص: على المسلم أن يهتم بالبواعث الذي تدفعه لعمل ما؛ إذ إن صلاح النية وإخلاص القلب لله يرتفعان بالعمل الدنيوي ليصبح عبادة متقبلة كما أن خبث الطوية يهبط بالطاعة المحضة إلى معصية لا ينال المرء منها إلا التعب والفشل والخسارة.

• سلامة الصدر من الأحقاد: ليس هناك أنفع للمرء من أن يكون قلبه سليماً معافىً نقياً من الأحقاد، فنظرة الإسلام للقلب خطيرة؛ فالقلب الأسود يفسد الأعمال الصالحة والقلب السليم المشرق يبارك الله في قليله، وتأمل وصية نبيك الكريم: "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام" (صحيح البخاري).

• الانتفاع بالوقت والاتعاظ بالزمن: الوقت الذي هو رأس مال الإنسان وأنفس ما يملك الإنسان ووقت الإنسان وزمانه إنما هو مزرعته لدار خلده وبقائه فبقدر اهتمامه بوقته وحرصه عليه فلا يضيعه ولا يهدره يكون فلاحه وفوزه.

مع المؤلف:

الشيخ محمد الغزالي، عالم ومفكر مصري يعد أحد دعاة الفكر الإسلامي في العصر الحديث، عُرف عنه تجديده في الفكر الإسلامي وكونه من "المناهضين للتشدد والغلو في الدين"، كما عُرف بأسلوبه الأدبي في الكتابة واشتهر بلقب أديب الدعوة. من مؤلفاته: "هموم داعية"، "عقيدة المسلم"، "الإسلام المفترى عليه" "الإسلام والاستبداد السياسي" "فقه السيرة" وغيرها.
توفي رحمه الله عام 1996 ودفن في مقبرة البقيع في المدينة المنورة.

بطاقة الكتاب:

اسم الكتاب: خُلق المسلم
المؤلف: محمد الغزالي
عدد الصفحات: 248

كتب ذات صلة بالموضوع

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة حاصلة على الدكتوراة في العقيدة والفلسفة الإسلامية من جامعة العلوم الإسلامية العالمية في الأردن. و محاضرة في جامعة القدس المفتوحة في فلسطين. كتبت عدة مقالات في مجلة دواوين الإلكترونية، وفلسطين نت، وشاركت في المؤتمر الدولي السادس في جامعة النجاح الوطنية حول تعاطي المخدرات. مهتمة بالقضايا التربوية والفكرية، وتكتب في مجال الروحانيات والخواطر والقصة القصيرة.

شاهد أيضاً

تراث القدس.. سلوة النفس

يعد هذا الكتاب القيّم تراثًا مقدسيًّا فلسطينيًّا مبسّطًا - إلى حد ما - ومجمّعًا بطريقة …