باتت الحاجة لإنشاء قناة فضائية تعبر عن المنهج الوسطي للإسلام، أمرا ملحا وضروريا، حيث خلت الساحة الآن من مثل هذه القناة للأسف، فقد وجدت قنوات تعبر عن الخط السياسي المعبر عن الشعوب، والمؤيد للربيع العربي، وقد عنيت بالجانب السياسي، والتغطية الإخبارية والإعلامية للأحداث، ولكن الملاحظ الآن: هو غياب قناة تملأ هذا الفراغ الديني الموجود حاليا.
لقد كان لقناة مثل قناة: "الرسالة" في فترة إدارة دكتور طارق سويدان لها، وجودا وحضورا مهما، بسلاسة خطابها، وتنوعه، ووسطيته، في خطاب جمع بين الحرفية في الشكل، والوسطية في المضمون، وتنوع الضيوف، وكذلك البرامج، في خط كان يمثل تجربة مهمة من حيث الخطاب الإسلامي الوسطي.
ولكن جاءت الثورات المضادة، لتجرف كل هذه التجارب، ولتبدأ في التنكيل بكل من وقف ضد مشروعها، فتارة بمنع القائمين على هذه المشاريع من إدارتها، وتغيير كامل أطقمها، من مديرها إلى أصغر موظف فيها، يجدون فيه رمق التدين الوسطي، أو الفهم الوسطي للإسلام.
الشيء الذي يلفت نظر أي مطلع على الميديا، أنك الآن، إذا كتبت سؤالا، أو فتوى دينية، لا تجد في أول عشر نتائج أي موقع لأي عالم من علماء الوسطية
ومن قبل قناة "الرسالة"، كانت هناك تجربة رائدة ومهمة في واقع الإنترنت، والمواقع الكبرى الإسلامية، وهو موقع: "إسلام أون لاين"، والذي أسسه ودعمه بكل ما أوتي من جهد شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، مع عدد من تلامذته، المؤمنين بالفكر الوسطي للإسلام.
وقد بدأ الموقع صغيرا، ثم شيئا فشيئا كبر، حتى صار بوابة إلكترونية كبرى، كان يقصده الكثيرون، سواء من يرغب في التحليل السياسي لبعض الموضوعات، أو من يرغب في الاطلاع على موضوعات فكرية إسلامية كقضايا معاصرة، والذي كان يحرره الدكتور معتز الخطيب، وطرح فيه موضوعات لا شك كانت ستفيد الثورات العربية في الخبرة المعرفية. أو من يريد الاطلاع على الحركات الإسلامية، وأفكارها وخريطتها، والذي كان يشرف عليه صديقنا الراحل المرحوم حسام تمام.
وكان اللافت للنظر أنه صار قبلة للفتوى، والبحث الشرعي الوسطي، فهو يضع فتاوى المشايخ التي تحرم والمشايخ الذين يجيزون، ثم يميل للتيسير، في أمانة علمية لافتة للنظر، وصار لديه بنك فتوى تجاوز الآلاف، بل ربما الملايين. وكان الموقع مهتما كذلك بالمشكلات الشبابية، سواء مراحل المراهقة، وما يصاحبها من مشكلات، أو مشكلات دينية كالإلحاد، أو مشكلات عاطفية، ثم مشكلات الزواج، والمعاونة في حلها، كل ذلك بالعودة للخبراء في الشأن.
ولكن فجأة أغلق الموقع، لأسباب لا تبدو منطقية ولا معلومة حتى الآن، تحت زعم من أخذوه وقتها، أنهم يسعون لتطويره، ثم فجأة يغلق الموقع، ويحذف من عليه محتواه العلمي، فلا جديد فيه، ولا قديم كذلك!!
الشيء الذي يلفت نظر أي مطلع على الميديا، أنك الآن، إذا كتبت سؤالا، أو فتوى دينية، لا تجد في أول عشر نتائج أي موقع لأي عالم من علماء الوسطية، حتى القرضاوي نفسه، وهو أحد أهم رواد المنهج الوسطي، لا تجد اسم موقعه بين أول عشرة ولا عشرين، حتى مجلس الإفتاء الأوروبي، لو كتب سائل يعيش في أوروبا سؤالا على غوغل، سيخرج له في أول مواقع البحث مواقع لا علاقة له بواقعه الأوروبي، وأغلب أهلها من أتباع المنهج السلفي أو الوهابي، مع تقديرنا لهم، ودعواتنا لهم بالتوفيق والسداد.
حتى إن أشهر فتوى منسوبة لمجلس الإفتاء الأوروبي، وهو فتوى جواز شراء البيوت بالقروض الربوية في أوروبا، لا تجد في النتائج الأولية للبحث موقع مجلس الإفتاء نفسه، وهو صاحب الفتوى، بل تجد مواقع تناقشه لترفض فتواه، أو مواقع تؤيه فتنقل الفتوى.
هناك حالة تعطش لمنابر دينية سواء مواقع أو فضائيات، تلبي حاجة الناس، فالملاحظ كثرة الطلب، وقلة المعروض، وقلة من يلبي الرغبة، أو يشبع القلب، أو يقنع العقل بما لديه.
لا أريد الإسهاب في هذه الشواهد، والتي لا مجال للإسهاب فيها الآن، من غياب هذا الصوت الوسطي، في الفتوى والدعوة، والنقاش حول قضايا الشباب، في وقت يأكل الإلحاد في شبابنا، ويغزو أفكارهم، ولا توجد منابر لدعاة وفقهاء يعرضون الإسلام العرض الوسطي، بلا إفراط أو تفريط، بدون تصنيف للمتكلم مع من يقف في موقفه السياسي، هل مع النظام الفلاني، أم ضده؟
أتلقى يوميا مئات الرسائل والاتصالات، في برنامجي المخصص للفتوى، وأسأل بقية البرامج المشابهة في قنوات أخرى فيخبروني بنفس الأمر، هناك حالة تعطش لمنابر دينية سواء مواقع أو فضائيات، تلبي حاجة الناس، فالملاحظ كثرة الطلب، وقلة المعروض، وقلة من يلبي الرغبة، أو يشبع القلب، أو يقنع العقل بما لديه.
يستطيع كل أب الآن مثلا، أن يكتب سؤالا يشغل بال ابنه، أو ابنته، وسيفاجأ بالنتائج، سواء مواقع إنترنت، أو مقاطع فيديو، سيجد القليل جدا منه، ما يمكن أن يقنع ابنه أو ابنته، بل ربما لم يقتنع هو بهذا الخطاب القديم جدا، وربما السطحي كذلك، هناك جهود مشكورة نعم، لكنها قليلة وليست كافية، ولا تصمد أمام كم الباطل الذي يملأ الدنيا حولنا.
خلاصة الأمر: نحن بحاجة شديدة الآن، من ذوي الكفاءات والقدرات، لفضائية، وموقع، يعبر بوضوح عن الوسطية الإسلامية، بعد أن حوربت من أنظمة رأت في وجودها خطرا عليها، لأنها تؤيد الربيع العربي، يكون هم هذه القناة، والموقع، هو الخطاب الشرعي، والهم الإسلامي الديني، يجد فيه الناس بغيتهم الدينية، بعيدا عن خطاب السلاطين، وخطاب الفارغين التافهين، ولن تعدم الأمة ولا أهل الخير فيها من إمكانية فعل ذلك.
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- عربي 21