على هامش الوباء

الرئيسية » خواطر تربوية » على هامش الوباء
coronavirus_covid-19_pandemic_cio_technology_5073359_by_geralt_pixabay_cc0_2400x1600-100841726-large

أيام طويلة رأينا العالم فيها شبه عاجز في التعامل مع جائحة جديدة سببها مخلوق صغير لا يُرى بالعين المجردة، ليثبُت، من دون شك، أن نظام الخالق فوق قدرات المخلوق، لعل الناس، في زمن تأليه العلم، يتعلمون الأدب.

وبغض النظر عن سبب نشوء هذا الفايروس أو تطوره أو انتقاله، وبغض النظر عن نظرية المؤامرة أو حقيقة المؤامرة، وبغض النظر عن المواقف السياسية التي تتباين كثيرًا من إنسان لإنسان، فسنحلل الموقف من خلال النقاط التالية:

أولًا: من المشاهد المعلوم: أن الدّوَل تقوم وتزول، وأنّ دوامَ الحال من المحال، وأن الله إذا أراد شيئًا هيّأ له أسبابه وقدّر له أوقاته. وليست هناك مرحلة حاسمة في التاريخ إلا كانت قدرةُ الله حاضرة وإرادتُه نافذة، كما هي دائمًا.

كيف لا؟ والله خالق كل شيء! كيف لا؟ وهو المدبر والمصرّف لشؤون هذا الكون! كيف لا؟ وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا!

هذه عقيدة لا بد من استقرارها في القلوب، والانطلاقِ في الحياة على أساسها، والاستعدادِ بها للقاء الله يوم القيامة.

{قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83)} [سورة الشعراء].

ثانيًا: بينت هذه الجائحة أهمية وجود الدولة، ممثلة بالحكومة التي تمتلك أسباب القوة المادية لتسيير دفة المجتمع، وكيف أن الناس لا يضبطهم شيء مثل السلطان. وقد رأينا انهيار قطاعات اقتصادية واجتماعية وصحية كاملة، بل وضياع حيوات كثيرة، في كثير من بلدان العالم؛ بسبب ضعف الحكومات أو سوء إدارتها أو فساد أهلها.

على أن أية حكومة تريد أن تستمر، يجب أن تعي جيدًا أسباب هذا الاستمرار، وعلى رأس هذه الأسباب: العدل والحرية؛ فالعدل وقاية من الفساد، والحرية وقاية من الاستبداد .

ثالثًا: يكثر الناس، الآن، من الحديث عن الوعي الذي يجب أن يتمتع به الإنسان في ظل تفاعله مع الجماعة، فما الوعي؟ وما أسباب حدوثه؟

الوعي: يتمثل في قدرة الإنسان على رعاية المصلحة، وتقدير عواقب الأمور، وفهم معطيات الحياة، وسلامة الإدراك للأشياء. وهو من النتائج المنطقية للتعلم.

والتعلم لا يقتصر على القراءة والكتابة؛ فهو يشمُل سلامة أدوات المعرفة: كالتمكن اللغوي، والصحة العقلية، والقدرة على التعامل مع وسائل التقنية .

والتعلم بهذا المعنى الواسع لا يتحقق إلا إذا كان الإنسان موفورًا، مرتاحًا من الأعباء الإضافية التي تثقل حياته بتفاصيلها، فلا يجد وقتًا للرفاهية الفكرية.

والرفاه الاقتصادي للإنسان لا يتحقق إلا من خلال العدالة الاجتماعية التي تقلل الفجوة بين طبقات المجتمع، وتتيح توزيعًا مناسبًا للثروة، بحيث يشعر الجميع بالانتماء للجماعة.

والعدالة الاجتماعية لا تتحقق إلا من خلال سلطة سياسية قليلة الفساد، يختارها الناس، حتمًا، على أساس البرنامج السياسي فقط، في جو من الحرية الإيجابية.

كل ذلك لا يعني أن الإنسان الغني ماديًّا سيتمتع بالوعي بمجرد أنه غني؛ فالإنسان الغافل في ظل الطبقية المادية فاقدٌ للإحساس المرهف الذي لا يعرفه إلا من يتنشق أنسام الحرية.

رابعًا: مع كل حدث صغير أو كبير، يظهر عمق الفجوة بين كثير من الناس وبين المنهجية العلمية المعتمِدة على دقة الدليل، وعمق التجرِبة، وغزارة المعطيات. كما يظهر حجم الفوضى المعرفية التي ترتع فيها أسماء وشخصيات تتزعم دفة التوجيه، وتمارس الوصاية على العقول في مِنصات التواصل الاجتماعي الافتراضي. ويتسابق البعض في تلميع أنفسهم من خلال تصيّد المواقف، وافتعال المشاكل.

ومما يثير الاستغراب كثيرًا: أن بعض من يحملون شهادات في الدراسات العليا ينسون المنهج العلمي الذي ارتقوا على أساسه في سلم العلم والمعرفة، وتنطلي عليهم الخزعبلات والخرافات المبثوثة في ثنايا المقالات والصور ومقاطع الفيديو، بل وينشرونها بين الناس دون أدنى تساؤل فلسفي عن مدى صدقها ودقتها.

وفي الختام لا بد من التأكيد: أن من الأمور المشتركة في ظل انتشار الأوبئة عبر التاريخ: صعوبة التبليغ عن الحالات المصابة بشكل موثوق، والتوترات السياسية بين الدول، وتأثر الأوضاع الاقتصادية لقطاعات واسعة، وانتشار المعلومات الكاذبة والمضللة بين الناس، والتشكيك بمصدر الوباء، والإيمان بنظرية المؤامرة، والتوظيف السياسي والاقتصادي للحدث.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب من الأردن

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …