في ذكرى رحيل الرئيس محمد مرسي

الرئيسية » خواطر تربوية » في ذكرى رحيل الرئيس محمد مرسي
مرسي-1

عبر التاريخ، تجود الأقدار على البشر برجال يجددون كافة المعاني الطيبة والقيم السامية والمبادئ الثابتة، لا تزيدهم المحن إلا صقلا وثباتا، ولا تضيف لهم التضحيات إلا علوا وتمكينا، منهم من يكتب التاريخ عنه، ومنهم من يسطر بدمه أعظم صفحات التاريخ حتى لا تفقد الأجيال تلو الأجيال هويتها وبوصلتها، ولا تحسب أن الأرض بغير أبطال، وأن للقيم والمبادئ من يضحي بأيامه في سبيل الحفاظ عليها.

تراوحت حياة الدكتور محمد مرسي -رحمه الله- أستاذ الهندسة بين تلقي الدراسة في الجامعات المصرية، ثم الحصول على درجة الدكتوراة في الولايات المتحدة الأمريكية ليرفض العمل بها عائدا للنضال في بلاده من أجل الحرية، ومن أجل إعادة الحقوق لأهلها البسطاء، ولمكافحة الفساد الجاثم على صدور الناس، كل هذا تحت شعارات إسلامية، ينجح في الدخول لمجلس الشعب ليكون البرلماني الأفضل أداء في العالم في استجواباته القوية ضد الوزراء والتي لم تشهدها البلاد قبله منذ يوليو 1952، ثم يكون أول رئيس لحزب منبثق عن جماعة الإخوان المسلمين وهو حزب الحرية والعدالة، ثم يكون أول رئيس مدني في تاريخ مصر، وذلك بعد ثورة عظيمة هي ثورة الخامس والعشرين من يناير.

كان أداء الرئيس محمد مرسي متميزاً في سياساته الخارجية التي أعادت لبلاد العرب هيبتها ومكانتها في المحافل الدولية، فهو الرئيس الوحيد الذي يترحم على الصحابة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم- في إيران، ويجبر العالم على سماعه.

ثم هو الرئيس الذي يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأمم المتحدة ويجبر العالم على سماعه كذلك.

يحترم العرب بالخارج في عهده خاصة المصريين، يتحدث اللغة العربية بطلاقة وبدون ورق يقرأ منه، يحفظ القرآن كاملا، يقابل البسطاء من شعبه، دخل القصر الرئاسي ليقابل أسر شهداء ثورة يناير في اليوم الأول لتوليه الحكم، ثم يأمر بفتح كافة ملفات يناير، وإعادة المحاكمات الهزلية التي برأت مجرميها، للبحث عن الأدلة التي تم طمسها رجال الطاغية السابق.

ثم واجه بقوة الدولة العميقة فأقال النائب العام الذي انحاز للنظام ضد مصالح الشعب، والذي هو من المفروض أن يكون محامي هذا الشعب، ثم أقال وزير الدفاع الذي كان يدير المشهد كله من الأساس، والذي أمر بحل أول مجلس شعب منتخب بإرادة شعبية حرة، في انتخابات شهد لها العالم بالنزاهة والديمقراطية.

تسامح الرئيس محمد مرسي في حقه فلم يعاقب إعلاميا تطاول عليه، ولم يسجن صحفيا، ولم يصادر قلما، ولم يوقف برنامجا، مما أعطى فرصة كبيرة ليتصرف الخونة بحرية، فلملمت الدولة العميقة نفسها، واستخدمت أذرعها في محاربته ليبدو فاشلا، وهو الذي حمى مياه النيل من نقصان قطرة ماء واحدة من الضياع، فلم تجرؤ دولة أن تبني سدا، ولم يتنازل عن جزيرة، ولم يقتل في عهده جنديا بعدما وقف مخاطبا شعبه قائلا: "أنا خايف على الخاطف والمخطوف" وهو يعلم بحجم الجريمة، وحجم المؤامرة.

أعلن أنه سوف يكتفي ذاتيا من القمح، ومن السلاح، ومن الدواء، وأن كل دولة تشتري غذاءها فهي دولة ليست حرة، وبالفعل استغنت البلاد عن شراء مليار طن من القمح في عهده، وزاد الإنتاج بنسبة ثمانين بالمائة من احتياجات البلاد، وسافر شرقا وغربا للتعرف على تجارب الدول التي بنت نفسها لتكون السنة التي حكم البلاد فيها هي عام الخير على مصر وجيرانها، فكان لا بد من الخلاص منه، ليس لفشله في الحكم، وإنما لنجاحه المبهر رغم الحصار الفعلي عليه، ورغم محاولات الإفشال الداخلية، ورغم الإعلام القبيح، إلا أنه ينجح فيما لم ينجح فيه غيره عشرات السنوات وذلك في سنة واحدة.

فظهرت تمرد على الساحة بدعم خارجي، ورعاية خارجية، وتجمع التوقيعات، وتزور الأعداد ليعلنوها مليونية، ثم تتم المؤامرة في أسوأ انقلاب عرفه التاريخ الحديث، ويساق الرئيس الحر إلى المعتقل، ويحرم من أدنى مقومات الحياة، ومن زيارة أهله إلا مرات معدودة في ست سنوات عجاف، يتعرض الرجل فيها لأقسى أنواع المساومات ليتنازل عن رئاسته ولو بكلمة كي يهبهم مشروعية لانقلابهم فيأبى، يساوم على خروجه من البلاد ويختار المكان الذي يريد ويعيش حياة الملوك فيأبى، ويصمد الرجل رافضا الإفصاح بكلمة تنازل، ويقول فيصدق، سنثبت، حتى تعلم الأجيال القادمة أن آباءهم وأجدادهم كانوا رجالاً، لا يقبلون الضيم، ولا ينزلون أبدا على رأي الفسدة، ولا يقبلون الدنية في دينهم أو شرعيتهم أو وطنهم.

وفي ذلك اليوم الأسود في تاريخ البلاد، تتم المؤامرة وتختم في قاعة المحكمة، حيث يسقط الرجل مرددا بلادي وإن جارت عليّ عزيزة، وأهلي وإن ضنوا عليّ كرام، ولمدة نصف ساعة يصرخ من بالقفص من زملائه الأحرار مطالبين بطبيب، أو يسمحوا للأطباء منهم للكشف عليه وإسعافه، ويرفض القاضي حتى يأتي الإسعاف بعد نصف ساعة، وبعد أن لفظ أنفاسه الأخيرة ثابتا، صامدا، راجيا ربه، صادقا في كل حياته، رحم الله الرئيس الشهيد محمد مرسي، في الذكرى الأولى لوفاته رحمه الله.

معلومات الموضوع

الوسوم

  • محمد مرسي
  • مصر
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
    كاتبة مصرية، مهتمة بالشأن الإسلامي العام، حاصلة على بكالوريوس إعلام من جامعة القاهرة، وكاتبة في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية، لها العديد من المؤلفات المنشورة، مثل: المنهاج في الدروس المسجدية للنساء، معالم على طريق التمكين الحضاري، وأبجديات الثورة الحضارية وغيرها.

    شاهد أيضاً

    مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

    ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …