كيف تعرف أنك من أصحاب المبادئ؟

الرئيسية » بصائر تربوية » كيف تعرف أنك من أصحاب المبادئ؟
red-question-mark-165419798-100265543-large

قال تعالى: {قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى * قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 71، 72، 73].

إن سحرة فرعون أصبحوا وهم بالله مُشركين، وأضحوا وهم به مُسلمين، وأمسوا وهم في سبيل الله شُهداء.

إن طعم التمسك بالمبادئ والثبات عليها والتضحية من أجلها لا يُسأل عنه إلا من تذوقه، وهذا ما يحمل أصحاب المبادئ على العض عليها بنواجذهم، فلا هم من بطش يخافون، ولا هم بتهديد يأبهون .

لك أن تتخيل ضعيفاً مسكيناً لا يملك من أمر نفسه شيئاً يتحدى ظلوماً غشوماً وسط قوته وحاشيته، وقد تلمظ الظلوم الغشوم غيظاً، وانتفخت أوداجه، وازداد حنقه، وصاحب المبادئ أمامه ثابت لا يتحرك عن مبادئه قيد أنملة. وكما قيل: "يُمكنك أن تجر حصاناً إلى الماء ولكن لا يُمكنك أن تجبره على أن يشرب".

الإنسان بلا مبادئ كالشجرة بلا جذور، وكالريشة في مهب الريح، وإن شئت فقل كالمرء بلا عقل ولا قلب ولا مشاعر ولا هويَّة .

فالمبادئ هي البوصلة التي توجه العقل، وتُحيي مَوات القلب، وتُهذب المشاعر، وتؤصِّل هويَّة صاحبها.

إن المبادئ لا تتجزأ ولا تتجمل ولا تحابي ولا تداهن، ولنا الأسوة الحسنة في النبي ﷺ حين قال: "والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لو أنَّ فاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها" (صحيح البخاري).

وصاحب المبادئ يرضى أن يُذبح من الوريد إلى الوريد ولا يرضى أن يُعطي الدنية من مبادئه، ولا أن يكون سبباً في فتنة وإضلال غيره، ولا أن يكون سبباً في التمكين لظلم تنتهك به الحرمات.

مما نُسب للشيخ الشعراوي -رحمه الله- قوله: "قل لجلادي العالم إن السِّياط لا تلغي القيم، وإن المشانق لا تقتل المبادئ وأن التعذيب لا يُميت الحقوق، واقرأ في شموخ وصدق (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) كما قرأها بلال بن رباح، فعاش عليها ومات عليها، وقد بقي صوته ينقل حياً على هواء القلوب عبر أثير الصدق والصمود والإصرار والصلاح والصبر".

المبادئ هي البوصلة التي توجه العقل، وتُحيي مَوات القلب، وتُهذب المشاعر، وتؤصِّل هويَّة صاحبها

من صفات أصحاب المبادئ

لكي يعرف المرء منا إذا كان من أصحاب المبادئ أم لا، فعليه أن يقيس نفسه على صفات أصحاب المبادئ، وبقدر ما به من صفاتهم بقدر ما يحمل بين جنبيه من مبادئ.

• قابضة أكفهم على جمر مبادئهم، لا يُداهنون طاغية، ولا يقفون على باب ظلوم غشوم، ولا يفعلون مثلما يفعل العبيد الذين إذا نفق لهم سيد أتوا بسيد غيره.

• لا تحولهم لقمة، ولا تغيّرهم نعمة أو نقمة. ولا يُصعِّرُون خدودهم لجبار عنيد ولا لكفار عتيد.

• شامخة أنوفهم، تعرف في وجوههم الأنفة والإباء، لا ينحازون إلا للحق ولا يناصرون إلا الذين استضعفوا في الأرض.

• وجوههم بشوشة تسر الناظرين، ومجالستهم زاد للمتقين، تبكيهم دمعة الأرملة واليتيم، ولا تهز فيهم شعرة تهديدات السلاطين ولا سياط الزنازين.

• هم الرافضون حين يوافق القطيع. الصارمون الصارخون بلا، حين يؤمِّن الجميع. ليس كبراً ولا مخالفة ولا عناداً، بل حقًّاً ويقيناً ومعرفة.

• لا تعرفهم منصات التتويج؛ لأن إنجازاتهم أكبر من أن تقدرها جهة مانحة، ومن أن تحويها حفلة تتصدرها جرزان كالحة.

• لا تنسيهم الأيام قضاياهم، ولا تثنيهم الإغراءات عن مبادئهم التي يعضون عليها بقلوبهم وأكبادهم قبل نواجذهم.

• لا يفت من عزمهم ظلم ظالم ولا سجن متجبر غاشم فمهما هدَّد الطاغية بسجنه الذي وراء الشمس، لن يكون قادراً على إطفاء شموس قلوبهم، ولن يكون قادراً على أن ينال من عزة نفوسهم ولا من ثقتهم بربهم، فأنى للظالم من قوة تمكنه من أن يغيِّب شموساً وراء الشمس.

• لا يُسعدهم منح ولا مدح ولا يغضبهم منع ولا قدح، فهم يتساوى عندهم التراب والتبر، كما تتساوى عندهم فسحة الميادين وضيق الزنازين.

• من الله الحيِّ القيومِ تبدأُ مسيرتهم، وإلى الله الملكِ القدوسِ ينتهي مَسْراهم.

• لا يلوون على شيءٍ من حطام الدنيا، يُيممون وجوههم شطرَ الطريقَ المُفضي إلى سِدرة المنتهى، يغوصون في بحارَ الابتلاءاتِ بغير تردد، ويتسلِّقون جبالَ الشدائدِ والمحن وكلهم يقين أن إلى الله المنقلب والرجعى.

• كل يقينهم أنهم مسافرون إلى الله وأن زادهم في سيرهم هو تقوى الله.

• هم من نسل سلسلة طويلة في أول حلقاتها أصحاب الأخدود، وماشطة ابنة فرعون، ومؤمن آل فرعون، وسحرة فرعون، ونبي الله يوسف، ومن بين حلقاتها بلال، وآل ياسر، وسعيد ابن جبير، وأحمد بن حنبل، والعز بن عبد السلام، ومن بين حلقاتها كذلك عمر المختار، وحسن البنا، وسيد قطب... وما تزال السلسلة ممتدة بامتداد الزمان وستظل حلقاتها متواصلة وموصولة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

هذه بعض صفات أصحاب المبادئ التي لا يمكن أن تحويها الكتب والمجلدات، فما بالك بسطور مثل هذه وكليمات، سطرها عُبيد فقير لم يبلغ من العلم قدر نقير ولا قطمير، فماذا لو كتب عنهم من هو بهم خبير!

إن هذه الصفات قد لا تجتمع في شخص واحد، ومن الصعب أن تجتمع في شخص واحد، ولكن من أراد أن يكون من أصحاب المبادئ فلابد وأن يُعد العدة لذلك من إيمان قوي وعزم فتي، حتى إذا لاح في الأفق ما يختبر صدق إيمانه وفتوة عزمه قال "ها أنا ذا"!

من أراد أن يكون من أصحاب المبادئ فلابد وأن يُعد العدة لذلك من إيمان قوي وعزم فتي، حتى إذا لاح في الأفق ما يختبر صدق إيمانه وفتوة عزمه قال "ها أنا ذا"!

نماذج من مواقف أصحاب المبادئ

1. عن عقيل بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: "جاءت قريشٌ إلى أبي طالبٍ فقالوا أرأيتَ أحمدَ يُؤذينا في نادِينا وفي مسجدِنا فانهَهُ عن أذَانا فقال يا عَقيلُ ائتِني بمحمدٍ فذهبتُ فأتيتُه به فقال يا ابنَ أخي إنَّ بني عمِّك زعموا أنك تُؤذِيهم في ناديهم وفي مسجدِهم فانتَهِ عن ذلك، قال فلحَظ رسولُ اللهِ ﷺ ببصرِه وفي روايةٍ فحلقَ رسولُ اللهِ ﷺ ببصرِه فقال ما أنا بأقدرُ على أن أدعَ لكم ذلك على أن تُشعلوا لي منها شُعلةً يعني الشَّمسَ قال فقال أبو طالبٍ ما كذب ابنُ أخي فارجِعوا" (السلسلة الصحيحة).

2. عن خباب بن الأرت - رضي الله عنه - قال: "شَكَوْنا إلى رَسولِ اللَّهِ ﷺ وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكَعْبَةِ فَقُلْنا: ألا تَسْتَنْصِرُ لنا، ألا تَدْعُو لَنا؟ فقالَ: قدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، ويُمْشَطُ بأَمْشاطِ الحَدِيدِ، ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ، فَما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ" (صحيح البخاري).

3. وفي عصرنا الحديث، استدعى المندوب السامي الفرنسي في سوريا الشيخ عبد الحميد الجزائري وقال له: "إما أن تقلعَ عن تلقين تلاميذك هذه الأفكار، وإلا أرسلت جنوداً لإغلاق المسجد الذي تنفُثُ فيه هذه السموم ضدنا، وإخماد أصواتك المنكرة، فأجاب الشيخ عبد الحميد: أيها الحاكم، إنك لا تستطيع ذلك، واستشاط الحاكم غضباً: كيف لا أستطيع؟ قال الشيخ: إذا كنتُ في عُرسٍ هنأت وعلمت المُحتفلين، وإذا كنتُ في مأتمٍ وعظت المُعزين، وإن جلستُ في قطارٍ علَّمت المُسافرين، وإن دخلت السجن أرشدت المسجونين، وإن قتلتموني ألهبت مشاعر المواطنين، وخيرٌ لك أيها الحاكم ألا تتعرَّض للأمة في دِينها ولغتها" (كتاب: أقباس روحانية).

إن المبادئ تعلي من شأن صاحبها، فبلال - العبد الحبشي - حين دخل الإسلام وثبت على مبدئه برغم ما لاقاه من تعذيب في بطحاء مكة رفعه الله تعالى بذلك فكان الأذان ينساب من حنجرته ليكون أندى الناس صوتاً في الدنيا وأطولهم عنقاً يوم القيامة، وليغيظ المشركين بكلمة التوحيد في الأذان كما أغاظهم بقوله "أحد، أحد" وهو تحت سياط التعذيب.

وبلال - رضي الله عنه - نموذج من نماذج أصحاب المبادئ تحدّى بتوحيده الحجارة الملتهبة، وتحدى بحنجرته أندية صناديد قريش، وتحدى بحبشيته قرشية أمية بن خلف، إنه شرف ما بعده شرف كافأه الله تعالى به بعد أن امتحن صدق إيمانه وصفاء سريرته وثباته على مبدئه.

وإن صدق بلال - رضي الله عنه - وثباته على المبدأ جعل الفاروق عمر - رضي الله عنه - يقول: "أبو بَكْرٍ سَيِّدُنَا، وأَعْتَقَ سَيِّدَنَا يَعْنِي بلالاً" (صحيح البخاري).

إن المبادئ تعلي من شأن صاحبها، فبلال - العبد الحبشي - حين دخل الإسلام وثبت على مبدئه برغم ما لاقاه من تعذيب في بطحاء مكة رفعه الله تعالى بذلك فكان الأذان ينساب من حنجرته ليكون أندى الناس صوتاً في الدنيا وأطولهم عنقاً يوم القيامة، وليغيظ المشركين بكلمة التوحيد في الأذان كما أغاظهم بقوله "أحد، أحد" وهو تحت سياط التعذيب

نماذج ممن تخلوا عن مبادئهم

إن الأضداد يُظهر بعضها بعضاً، لذا سنذكر نموذجين ممن تخلوا عن المبادئ وانبطحوا أذلاء في وحل الخيانة لنرى كيف كان مصيرهم.

1. جاء جيش أبرهة من اليمن لهدم الكعبة، وكان الأحباش لا يعرفون مكان الكعبة، وكلما جاؤوا بدليل من العرب ليدلهم على طريق الكعبة يرفض مهما عرضوا عليه من مال، ولم يقبل هذا العمل سوى أبو رغال فكان جزاؤه من جنس عمله أن نعت كل خائن للعرب بعده بأبي رغال.

وكان للعرب قبل الإسلام شعيرة تتمثل في رجم قبر أبي رغال بعد الحج. وظلت هذه الشعيرة حتى ظهور الإسلام.

قال ابن إسحاق‏‏‏:‏‏‏ فبعثوا معه أبا رغال يدله على الطريق إلى مكة، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال حتى أنزله المغمس؛ فلما أنزله به مات أبو رغال هنالك، فرجمت قبره العرب، فهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمس.

2. يُذكر أن أحد الخونة أراد يوماً أن ينافق نابليون بونابرت - قائد الحملة الفرنسية على مصر - فنقل إليه أسراراً عسكرية عن جيش مصر، وبعد أن حقق نابليون انتصاره أساء نابليون استقبال ذلك الرجل وعامله بحدة وغلظة ثم أعطاه مبلغاً من المال، فقال له المنافق الذليل: "لا حاجة بي إلى المال، وأمنيتي هي أن أصافح الإمبراطور"، فقال له نابليون: "من يخون وطنه وينافق أعداءه على حساب شعبه له المال فقط، أما يد الإمبراطور فإنها لا تصافح إلا الأشراف المخلصين".

إن الذين يتخلون عن المبادئ يعيشون مُهانين أذلاء، ليس لهم بين الناس مكانة مهما انتفشوا وانتفخت أوداجهم فهم لا يرتفعون إلا كما ترتفع الجيفة على سطح الماء.  

وأخيراً أقول

إن المبادئ يظل لها أدعياء إلى أن تأتي المواقف، حينها تظهر المعادن وتتمايز النفوس؛ لأن ميدان القول غير ميدان العمل.

إن أصحاب المبادئ لا يترددون أن يضحوا بأرواحهم من أجل هدف نبيل، بينما من يتخلون عن مبادئهم قد يضحوا بأعراضهم من أجل شيء من حطام الدنيا يسير.

إن أصحاب المبادئ يعيشون إلى أبد الآبدين، بينما من يتخلون عن مبادئهم يموتون في كل وقت وحين .

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
خبير تربوي وكاتب في بعض المواقع المصرية والعربية المهتمة بالشأن التربوي والسياسي، قام بتأليف مجموعة من الكتب من بينها (منظومة التكافل في الإسلام– أخلاق الجاهلية كما صورها القرآن الكريم– خير أمة).

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …