قلنا مرارًا وتكرارًا إن #الأسرة هي المحضِّن التربوي الأول، ومنه وإليه يصلح البنيان أو يكبر كِبرًا غير لائق، وأبناؤنا هم مقلة العيون، وثمرة الفؤاد، وفي نفس الوقت نعيش جميعنا في المجتمعات وما تحمله من مكارم الأخلاق أحيانًا ومفاسدها في أحايين كثيرة، وعليه فدور الأسرة كمحضِّن ومؤسسة تربوية أولى في غرس القيم في أولادها هو دور ومسؤولية غاية في الخطورة، والأمر لم يعد ثانويًا أو يقدم وقت الفراغ بل له كامل الأولويات والتقديم.
ونحن اليوم سنتحدث عن هذا الدور وهذه المسؤولية حديثًا يلبي طموحات القارئ مع علمنا المسبق بأن الموضوع أكبر من مقال أو بحث.
أولًا/ العلاقة والتواصل:
إن العلاقة دومًا في حياتنا عبارة عن تواصل، ولها شقّان: علاقة داخلية، وعلاقة خارجية.
الأولى بين أبناء البيت الواحد والأسرة الواحدة، والثانية مع المجتمع بما فيه من جيران، وزملاء تعليم، وزملاء عمل، وكل واحدة منهما لها قواعد وأصول، وقوانين أسرية، ومجتمعية.
وعلاقة الوالدين بأبنائهما من أجمل العلاقات؛ فهما المحضِّن كما قلنا، فضلًا عن كمية الفوائد العظيمة في تواصل الأبناء مع آباءهم والعكس، وما يترتب عليه من نمو وذكاء الطفل، والراحة النفسية التي يشعر بها، لذلك فعلى الوالدين الحرص والإصرار على أن تظل العلاقة متصلة بعيدًا عن الروتين بل تسودها الدعابة والمرح داخل جدران البيت، وبعيدًا عن أوامر الشاويش، أو روتينية موظفة القطاع العام.
ثانيًا/ القدوة:
إن القدوة والحديث عنها يحتاج إلى الكثير من الكتب والدارسات؛ وذلك لأثرها الطيب، ونتائجها الممتازة، وكم سمعنا من الراحلين الكثير من الأقوال والمواقف لشخص ما من أجل التحفيز؛ لكي يصير المرء مثله في حياته وإن كان الأمر صعبًا فالتأسي أمرٌ خطير، ومن كان منكم متأسيًا فليتأس بمن مات؛ فإن الأحياء لا تؤمن عليهم الفتنة.
لكن الأمر مختلف هنا في شرح القدوة للأبناء من أجل غرس القيم فيهم، والأصل أن يكون الوالدان فاعلين، لا منظّرين؛ فمن غير المقبول أن تحدث أبناءك عن حب صلة الأرحام وأنت لها قاطع، أو حب الصلاة وأنت لها تارك، أو التصدق وأنت شحيح بخيل؛ لذلك فالقيمة التي تسعى أنت لغرسها في أبنائك يجب أن يروها فيك واقعًا عمليًا أولًا؛ كي تثبت القيم في نفوس وعقول وقلوب أبنائك.
القيمة التي تسعى أنت لغرسها في أبنائك يجب أن يروها فيك واقعًا عمليًا أولًا؛ كي تثبت القيم في نفوس وعقول وقلوب أبنائك
ثالثًا/ القصص:
إن القصص كانت ولا تزال من أهم الطرق النافذة في تعديل سلوك الأطفال وتثبيت الأفكار لديهم، المهم ما هي القصص التي تود أن يعرفوها، وما طريقتك أنت للوصول إلى عقولهم فضلًا عن لغة جسدك، وتفاعلك مع ما تقول؟ فبالرغم من كون القصص وسيلة تربوية ناجحة إلا أن الأهم هو التربوي الذي يقص.
والأمر بسيط، لكنَّه يحتاج مهارات على الأب أن يكتسبها أو يعرضها في أثناء عرضه للقصص: كالتشويق، ونبرات الصوت، والتحفيز، والمسابقات أيضًا، هذا إن أراد أن تكون القيمة راسخةً، ولا مانع من أن تطلب من أبنائك تأليف قصةٍ مشابهة، وساعدهم بتذليل العقبات، وكافئ المهتم وامتدحه واحتضنه كثيرًا فهو لن ينسى هذا الأمر، وتلك العاطفة الجياشة.
رابعًا/ الألعاب:
إنَّ الكثير من ألعاب الأطفال بها مميزات كبيرة، ودورها عميق في توصيل القيمة بشيء يألفه الطفل ويحبه، ويميل إليه، ولا مجال هنا للحصر، لكن لا بأس أن نذكر بعض الألعاب -كلعبة الصلصال مثلًا- وأنا كثيرًا ما ألعبها مع أطفالي، وأرى الفرح في أعينهم، وأستمتع بمشاركتهم خصوصًا أن الطفل يشكل ما يحب من قطارات وسيارات وعقارات وأشخاص، ويطلق لسانه وهو يلهو، وهي ترجمة لفرحه وراحة باله بما في يده، والأروع من كل ذلك أن يستغلَ الأب هذا الفرح ويزيد من توصيته لأبنائه ببساطة ويسر لكل خير، ويأمرهم بالبعد عن كل شر.
خامسًا/ توظيف الطاقات:
الأمر هنا للآباء أكثر منه للأبناء، فالوالدان عليهما أن يحسنا توظيف طاقاتهما وملكاتهما بشكل احترافي للوصول إلى غرس القيمة عند أبنائهما ، ولا مجال هنا للكسل او التقصير؛ فالمجتمع يعج بالذئاب وإن لم تغرس أنت وتتفرغ لولدك لا تنس وجود أشخاص متفرغين على مدار الساعة للنيل من أطفالك وتخريب عقولهم مبكرًا.
والطاقات المهمة في توصيل القيمة وغرسها كثيرة، كالأسلوب الشائق، والبعد عن الروتين، والإكثار من الاحتضان، والإحاطة العاطفية، و يا لها من أثر كبير في نفوس الأبناء.
ختامًا:
أدعو كل أب وكل أم أن يجعلوا أولادهم في قلوبهم وعقولهم، وأن يستشعروا المسؤولية بصدق في جعلهم أبناءً صالحين إن أرادوا ألَّا يتوقف رصيد أعمالهم حتى بعد مماتهم، وفي هذا فليتنافس المتنافسون.