التعلق القلبي (3): تجاه نفس الجنس

الرئيسية » بصائر تربوية » التعلق القلبي (3): تجاه نفس الجنس
KONICA MINOLTA DIGITAL CAMERA

التعلق القلبي وعلائق القلب من أكبر مداخل تكدير نفس صاحبها وبعث الفوضى في أنحائه، والكلام فيها يطول ويتشعّب، ويختلف باختلاف جنس المُخاطب وعمره وطبيعة عَلَقته، لكن أود فيما يلي أن أشارك خلاصات موجزة اتضحت لي نظراً وثبتت تجربة، وأخصّ البنات بالخطاب في غالب البنود لكونهن غالب المتواصلات معي في هذا الشأن، لكن هذا لا يمنع الانتفاع العام، وقد بدأنا هذه السلسلة بالجزء الأول، وفيه خلاصات عامة، ثم الجزء الثاني عن التعلق تجاه الجنس الآخر، وفي الجزء الثالث والأخير نتناول العَلَقة الواقعة في نفس الجنس.

إذا كنتِ متعلقة بواحدة من جنسك:

1) اعلمي أن ثمّة حدّاً ينتهي عنده التواصل السويّ بين أفراد نفس الجنس مهما تقاربت الأواصر، وتبدأ عنده مختلف أشكال ودرجات التواصل المُشكلة والمُتلِفة لأطرافها، وفي ظل جهل المسلمين القادح بكل علم نافع من شؤون الدين والدنيا، ينشأ الغالب غير مدركين لمثل تلك الحدود، ولا فاهمين ابتداء لطبيعة جنسهم وحاجاته وسبل تصريفها المحمودة والمذمومة، وبالتالي لا تشتدي في توبيخ نفسك وتعنيفها على ما قام فيها من شعور، ولا تنطوي على نفسك فزعاً مما يجول فيها، أو تبغضيها وتكرهيها حتى تتمني الخلاص منها... بل كل تلك الصور تزيد المشكلة إشكالاً والعقدة استعصاء ولا تحلّ شيئاً، ورُبّ عِوَج هيّن لا يتطلب إلا يسير تقويم، يصير جرحاً نازفاً أو ندبة غائرة بسبب سوء التعامل والتوجيه ، ويكفي مبدئياً عامة أن تشعري بعدم ارتياح لما تعايشينه، يدفعك لطلب الفهم والحل من أهله.

اعلمي أن ثمّة حدّاً ينتهي عنده التواصل السويّ بين أفراد نفس الجنس مهما تقاربت الأواصر، وتبدأ عنده مختلف أشكال ودرجات التواصل المُشكلة والمُتلِفة لأطرافها

2) إذا كانت من تتعلقين بها لا تبادلك بالمثل: اقطعي من جهتك التواصل بنوعيه، خاصة غير المباشر، ثمّ راجعي ما سبق من الخلاصات العامة في الجزء الأول، والتفتي لسبل إشغال نفسك بما يصلحها وتصلح له.

3) وإذا كانت تبادلك التعلق: لا بد أن تتفقا على استشعاركما لإشكال يتطلب تقويماً، وأنْ تَعِيا أنّ العلقة بينكما قد تصل لمرحلة لا تعود ترتوي بالتبادل المعنوي، ثم تطلبان معاً أسباب التقويم، وتوقفان التواصل بينكما أثناء ذلك لمصلحتكما، فإن كانت واحدة تشعر بعدم الارتياح للعلاقة دون الأخرى، فعليها بمسؤولية نفسها (وهي بهذا تنفع الأخرى)، وتراجع ما سبق من الخلاصات العامة في الجزء الأول، وتلتفت لسبل إشغال نفسها بما يصلحها وتصلح له.

إذا كنتِ مادّة تعلق واحدة من جنسك:

1) عامليها بوصفك مسؤولة عنها، بما أنها قُدِّرَت عليك وقُدِّرت لها، خاصة إذا كنت في موضع ولاية كأستاذة أو أخت كبرى، ولا يكن همّكِ صرفها عنك كما تصرفين ذبابة مزعجة، بل اصرفيها عنك صرفَكِ لطفل عن أمر ضارٍّ به لغيره مما هو أصلح له، فاحرصي على مصارحتها بما تلمسينه من إشكال، والتوصيف الواضح لطبيعة العلاقة بينكما، وطبيعة شعورك تجاهها وما ينبغي أن يكون شعورها تجاهك، وحاوريها لفهم مكامن الخلل أو الحاجات العاطفية، وبذلك يمكنك توجيهها لما يصلحها وينفعها حقيقة بصورة سويّة.

لا يكن همّكِ صرف المتعلّقة بك عنك كما تصرفين ذبابة مزعجة، بل اصرفيها عنك صرفَكِ لطفل عن أمر ضارٍّ به لغيره مما هو أصلح له

2) عامليها كذلك بوصفها ذات عِلّة، فلا تغدقي عليها العطف والحنان والشفقة معنويّاً أو فيزيائيّاً كما تفعلين مع غيرها، ثم تتعجبين حين يكون مردودهم عليها خلاف غيرها! بل كوني أكثر احترازاً معها، وأحكم انضباطاً، واجمعي بين الرفق والحزم بحسب ما تجدين منها من تجاوب.

3) وانتبهي إلى أنّ معاملة ذي العِلّة غير معاملة الجمل الأجرب! وما منا إلا وهو ذو عِلّة، وإن اختلفت العلل.

4) وفي مرحلة ما – يختلف تقديرها – قد تكونين بحاجة لمشاركة مشكلتها مع طرف ثالث، فإن كان ذلك الطرف من جهتها، يلزم أن تبلغيها وتستشيرها أولاً فيمن تدخلانه بينكما؛ كي لا تفضحيها فضيحة تلحقها وصمتها أبد الدهر إذا استُعملت تلك المشكلة كورقة ضدّها، وعواقب ذلك وخيمة عليكما معاً، أو كان ذلك الطرف من جهتك، فاشرحي الوضع دون تسمية أو تعيين طالما لا داعي ولا حاجة.

5) واعلمي أن مثل هذا النوع من التعلق وارد في مراحل عمرية بعينها (غالباً 12- 16 سنة)، وفي سياقات تعامل أكثر من غيرها (كسياق التعليم والأستاذية، أو الصداقة التي يكون أحد طرفاها أنضج أو أكبر أو أجرأ بحيث يحتوي الآخر)، فإن واجهتك حالة من أيهما فاهتمي بالتعرف على خصائص العمر وطبيعة السياق؛ لأنه يعين في التوجيه من جهة، ويطمئنك في معاملتها من جهة أخرى دون فزع مهول أو تبسيط مستهين.

6) وإذا استعصى عليك التعامل برمّته أو ضاق صبرك عنها، فلا أقل من أن تجلسي معها جلسة واحدة تطبقي فيها ما ورد في البند الأول، كحد أدنى لمسؤوليتك عنها وعن سياق معاملتكما.

7) واستمرار الطرد الجاف لمثل تلك القلوب مِن كلّ مَن تتعلق به، دون عناية بالسماع أو الفهم، ولا استشعار لمسؤولية تنوير وتوجيه، ستجعلهن عرضة لما هو أنكى وأفجع ، وعلى كلٍّ نصيب مما اكتسب، واللامبالاة الأنانية من الاكتساب.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة ومحاضِرة في الأدب والفكر وعُمران الذات. محرّرة لغوية ومترجِمة. مصممة مناهج تعليمية، ومقدّمة دورات تربوية، وورش تدريب للمهارات اللغوية. حاصلة على ليسانس ألسن بامتياز، قسم اللغة الإنجليزية وآدابها.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …