يقول د. طه حسين في "مستقبل الثقافة في مصر" (١٩٣٧): "… لن أومن ولن أستطيع أن أومن بأن للغة العامية من الخصائص والمميزات ما يجعلها خليقة بأن تسمى لغة وإنما رأيتها وسأراها دائمًا لهجة من اللهجات قد أدركها الفساد في كثير من أوضاعها وأشكالها".
للغة العربية لهجات عامية كثيرة ربما كانت هي اللغة الوحيدة التي تنطق بأكثر من لهجة والسبب في ذلك أن القبائل العربية كانت تختلف لهجاتها وطبائعها ومفرداتها المستعملة وإنما وحدّها الإسلام ديناً ولغة فنطقت جميعها بلسان واحد ولما انحسر استعمال اللغة العربية ظهرت لهجات عامية ارتبط من جديد بالقبيلة او البلد لكن مرجعها الرئيس كان هو اللغة الأم.
وهناك هامش لاستخدام لغة وسطى بين الفصحى والعامية يُطلق عليها عادةً "اللغة البيضاء" تظهر كثيرا في اللقاءات والحوارات والقصص الإعلامية في حين تحرص برامج إذاعية وتلفزيونية على استخدام الفصحى في برامجها خاصة تلك التي تتعلق بالثقافة والسياسة وما شابهها.
في مصر على سبيل المثال ليس هناك إجماع على تحديد الفترة الزمنية التي ظهرت فيها اللهجة العامية لكن غالب القول أن بداية ظهورها كان في عصر الضعف أيام دولة المماليك .. وفي العصر الحديث ظهرت دعوات لإحلال اللغة العامية مكان اللغة العربية الفصحى وهي الدعوات التي سماها أنصار اللغة بالدعوات الهدامة ومع هذا فإننا نجد أن معظم الألفاظ في العامية إما عربية فصيحة وإما محرفة تحريفا قليلا أو ألفاظ من بقايا اللهجات أو اللغات الأخرى التي تغلبت عليها اللغة العربية وبذلك من اليسير تصحيحها وردها إلى أصلها الفصيح.
تتضمن العامية المصرية العديد من الألفاظ الأجنبية من لغات متعددة إذ إن هناك نحو 13 لغة أجنبية تشكّل أصول أكثر من 1500 كلمة في عامية المصريين تتصدرها اللغة الفارسية التي تشكل أكثر من 30% من الألفاظ الأجنبية المستخدمة تليها اللغة التركية التي تشكل ما بين 3 - 4% من تلك الألفاظ ثم اللغات الأخرى كالإنجليزية والفرنسية والإيطالية حسبما أشار الدكتور عبد الوهاب علوب في مؤلفه (معجم الدخيل في العامية المصرية) الصادر عن المركز القومي للترجمة.
وفيما اعتبر أهل اللغة ان انتشار العامية هو تدهور للغة الأم إلا أن المضحك المبكي أن العامية الآن تعاني من انحدار شديد له ارتباط وثيق بالانحدار الأخلاقي الحاد الذي نعيشه ونراه ونلمسه في كل دقيقة من اليوم هذا الانحدار خلق مفردات غريبة وقبيحة جداً حولت اللغة الرصينة إلى تلوث سمعي يكسر كل قواعد اللغة والكلام ومما ساعد على شيوع هذا القبح هي قناعة بعض الاشخاص التي ارتبطت بأن التمدن والتحضر يكون بادياً بتغيير اللهجة واللباس معاً لذا لم يعد مستغرباً ان " تخترع " مفردات تناسب الأجواء السائدة وتحل محل مفردات اللغة الفصحى بل والعامية الأولى أيضاً فكلمة جدا ًمثلا استبدلت على مراحل زمنية بكلمات مثل " خالص" و "طحن" و"فحت" و"بس" وصولاً إلى تعبير قبيح مبتذل غير أخلاقي أُجلُّ عين القارئ عن ذكره ولعل هذا الانحدار " غير الأخلاقي" للغة هو ما دفع شركة ديزني العالمية إلى إلغاء اعتماد اللهجة المصرية في الدبلجة واعتماد العربية الفصحى حتى لا يتأثر الأطفال سلباً بأفلام الشركة العريقة.
المفردات الركيكة والقبيحة باتت أمرا واقعا في التواصل بين الناس ومع انحدار اللغة العربية وغياب المدافعين عنها باتت الخطورة الكبيرة تكمن في وصول هذه الألفاظ الفجة والمبتذلة إلى المؤسسات التربوية والتعليمية وممارستها من قبل البعض ما يؤثر على اللغة بشكل كبير والأخطر كذلك ما أصبح يتعلمه الأطفال من خلال ما يعبر بهم من مواد فيلمية ومقاطع مصورة فظهرت ألفاظ غريبة على اللغة وطارئة عليها شوهت من صورتها ومهدت الطريق للهجة ركيكة وضعيفة لذا بات واجباً على المؤسسات التربوية والإعلامية المحافظة على اللغة الفصحى وعدم السماح بالحديث بغيرها في القطاعات التعليمية والإعلامية والإخبارية والتنويه دوماً إلى خطورة استعمال المفردات المستهجنة واهتمام ذوي الاطفال بتنبيههم إلى عدم استعمال مثل تلك الألفاظ واستبدالها بكلمات عربية رصينة.