دروس وعبر من معركة “العصف المأكول” في ذكراها السادسة

الرئيسية » تحقيقات وحوارات خاصة » دروس وعبر من معركة “العصف المأكول” في ذكراها السادسة
5edf77d90a108

أبو زبيدة: إدارة المُقاوَمَة لحرب غَزَّة 2014م، شكّلت دورًا مهمًا في نتائج الحرب على الأرض، وتمثلت إدارتها للحرب في جوانب رئيسة هي: قرار الحرب، وتحديد أهدافها، وإعداد المُقاوَمَة نفسها وإعداد مرافق قطاع غَزَّة لهذه الحرب، وأخيرًا اختيارها لاستراتيجيات القتال.

الهباش: بالرغم من قدرات الاحتلال والمعدات العسكرية الكبيرة إلاّ أنه احتاج للإمدادات من حلفائه وأثبت عدم قدرته على تأمين خطوط الإمداد والتموين وفشِل في تحقيق هدف الحرب الذي قامت من أجله وهو القضاء على حركة حماس وجناحها العسكري.

ستة أعوام مرّت على معركة "العصف المأكول" التي بدأت في السابع من تموز/ يوليو من العام 2014، واستمرت 51 يومًا، ارتقى خلالها آلاف الشهداء والجرحى، المعركة التي خاضتها المقاومة الفلسطينية في قطاع #غزة وكانت الجحيم لقادة العدو وجيشهم المهزوم ستظل نقطة فارقة في تاريخ الشعب الفلسطيني، كونها أفشلت أهداف الاحتلال وحطمت أحلام قادته، وجعلت من جنوده قتيلًا وجريحًا وأسيرًا، فحققت انتصارًا للشعب الفلسطيني، ومنحت أملًا للأسرى في سجون الاحتلال، وهزت منظومته الأمنية، حتى بات الاحتلال اليوم يتحدث عن تمكن المقاومة من ترميم ترسانتها العسكرية بأكبر مما مضى، وأنها على جاهزية لأية مواجهة محتملة.

فما هي أبرز الدروس والعبر المستفادة من معركة "العصف المأكول"؟ وكيف يمكن للمقاومة أن تحافظ على الإنجازات التي حققتها؟ وما هي العوامل التي أعانت المقاومة على تحقيق الانتصارات في هذه الحرب؟

إدارة المقاومة للمعركة

من جهته، قال رامي أبو زبيدة -الكاتب والباحث في الشأن العسكري والأمني- لـ "بصائر": "إنّ حرب العصف المأكول أظهرت أن المُقاوَمَة الفلسطينية في غَزَّة -على اختلاف فصائلها- أعدت نفسها على كل الأصعدة للمواجهة الشاملة مع "إسرائيل" منذ زمن، ويبدو أنها أخذت العِبَر من الحربين السابقتين 2008 و2012، واستعدت لجولة حتمية قادمة مع الاحْتِلال، فلما فُرِضَتْ عليها الحرب في تموز/ يوليو 2014 تعاملت معها بجاهزية عالية".

رامي أبو زبيدة: اقتضت خطة المُقاوَمَة أن القوات الإِسْرائيليّة تتفوق عليها في العديد من عناصر القوة العسكرية وخاصة سلاح الطيران، فبدأت المُقاوَمَة الفلسطينية بوضع أفضل أساليب القوة العسكرية في مسرح العمليات

وأضاف أنّ: "إدارة المُقاوَمَة لحرب غَزَّة 2014م، شكّلت دورًا مهمًا في نتائج الحرب على الأرض، وتمثلت إدارتها للحرب في جوانب رئيسة هي: قرار الحرب، وتحديد أهدافها، وإعداد المُقاوَمَة نفسها وإعداد مرافق قطاع غَزَّة لهذه الحرب، وأخيرًا اختيارها لاستراتيجيات القتال".

وتابع: "ومن ضمن هذه الاستراتيجيات، استِراتيجِيَّة الأَنْفاق التي تعد التهديد الاستراتيجي الأبرز؛ فقد ساهمت عمليًا في إضعاف تأثير كل من سلاح الجو والمدرعات الإِسْرائيليّة، وحولتهما من تهديد استراتيجي إلى مشكلة تكتيكية بالإمكان تقليص تأثيرها عبر توظيف مبادئ الحرب: التمويه والاستتار، المفاجأة، الردع، المناورة، تقليل القوات".

الدروس والعبر المستفادة من "العصف المأكول"

ونوه أبو زبيدة إلى أنه: "بالرغم من سنوات الحصار الخانق وضعف الإمكانات، إلاّ أن المُقاوَمَة نجحت في تطوير البنية العسكرية لقواتها لتصبح نظامًا متكاملًا في القيادة والسيطرة والأدوات والتنظيمات العملياتية واللوجستية الداعمة ، وكذلك في البنى التحتية اللوجستية والدفاعية والهجومية، سيّما بناء شبكة الأَنْفاق، إضافة لبناء أنظمة دفاعية استخبارية وأنظمة اتصال وتكنولوجيا معلومات".

وذكر أنّ المُقاوَمَة الفلسطينية أعدّت خطتها في حرب غَزَّة 2014م، مستفيدة من دروس الحروب السابقة وخاصة 2008م، 2012م؛ فقد أعدت دراسات مستفيضة في عدة مجالات على مستوى التكتيك العسكري، والأرضي، وقوات المُقاوَمَة ووسائلها، بغرض تحديد أوجه القصور، والخروج بالدروس المستفادة.

كما درست مواطن القوة التي تمتع بها الجيش الإِسْرائيليّ، واقتضت خطة المُقاوَمَة أن القوات الإِسْرائيليّة تتفوق عليها في العديد من عناصر القوة العسكرية وخاصة سلاح الطيران، فبدأت المُقاوَمَة الفلسطينية بوضع أفضل أساليب القوة العسكرية في مسرح العمليات.

وأشار أبو زبيدة إلى أنّ #المقاومة الفلسطينية استخدمت في قتالها استراتيجية "حرب العصابات" بشكل متقدم ومتطور جدًا، أدخل فيه مختلف التكتيكات القتالية الحديثة التي أعانت المقاومة على تحقيق إنجازات واضحة؛ فقد اتسم تكتيك المقاومة بالمميزات التالية:

- استخدام تكتيك ضرب الصواريخ القريبة والبعيدة، ومفاجأة الجيش الإسرائيلي، والتمويه الجيد لمنصات الصواريخ داخل الأرض وتخزينها وإطلاقها في كل الأوقات، رغم ظروف الحرب الدائرة ليلًا ونهارًا وفي كل الأوقات.

- استخدام المقاومة تكتيك القتال خلف خطوط قتال العدو كما حدث في قاعدة زكيم.

- تنفيذ قتال والتحام مباشر مع قوات الجيش الإسرائيلي على كافة المحاور المختلفة لتقدم العدو بهدف إصابتها بأكبر قدر ممكن من الخسائر البشرية والمادية.

- شن غارات ونصب الكمائن على الخطوط الخلفية للقوات الإسرائيلية وإيقاع الخسائر في صفوفها ونقل المعركة لمسرح عمليات العدو.

- اعتمدت المقاومة في قطاع غزة في مواجهتها مع الاحتلال العمل من تحت الأرض، وقد تبنت المقاومة هذا الأسلوب في غزة كي تواجه بما لديّها من إمكانيات متواضعة القوة العسكرية الإسرائيلية الهائلة.

وأوضح أبو زبيدة أنّ "بعد كل مواجهة مع الاحتلال ترتقي المقاومة الفلسطينية وتتطور؛ لأنها تكون قد استوعبت الدروس الماضية، لذلك تعمد إلى تغيير تكتيكاتها في المواجهة، كما تُراكم نجاحاتها واكتسابها الخبرة التي تُمكنها من تغيير قواعد المواجهة من خلال: جعل ميدان العدو الأمني والاستراتيجي ساحة قتال، وإطالة أمدها، الأمر الذي يستنزف قوات العدو في أرض المعركة، وعدم قدرة مجتمعه الداخلي على الصمود والثبات".

المرتكزات التي اعتمدت عليها المقاومة

من ناحيته، قال إبراهيم الهباش -الباحث في إدارة الأزمات والكوارث- لـ "بصائر": "إنّ المقاومة الفلسطينية استطاعت أن تقدم نموذجًا فريدًا خلال حرب غزة 2014م والتي أسمتها بمعركة "العصف المأكول"، ويرجع ذلك إلى المعارك السابقة التي خاضتها مع الاحتلال الإسرائيلي حيث استخلصت الدروس والعبر وحولت ذلك إلى سياسات وعقيدة وأساليب تدريب".

إبراهيم الهباش: ركزت المقاومة على استخدام الحرب النفسية ضد العدو، وذلك من خلال تفوق رواية المقاومة على رواية العدو وتوجيه ضرباتٍ معنويةً إليه عبر الصورة، وفضحه أمام جمهوره والعالم، وفي المقابل الحفاظ على روح معنوية عالية لدى جبهتنا الداخلية

وأوضح الهباش أن من أهم المرتكزات التي اعتمدت عليها المقاومة في إدارة المعركة هي منظومة قيادة وسيطرة متكاملة (وذلك من خلال بناء منظومة اتصالات آمنة بعيدة عن قدرات العدو التقنية مما أتاح للمجلس العسكري إدارة كافة شئون المعركة بكافة تفاصيلها)، والإعداد الجيد للمعركة (من خلال التخطيط المحكم ثم دراسة كافة السيناريوهات المحتملة بما فيها أكثرها صعوبة وتعقيدًا مما مكّن الوحدات المختلفة من تأدية مهامها الدفاعية والهجومية على حدٍّ سواء في البر والبحر والجو وفوق الأرض وتحتها إضافة إلى التدريب العالي للقوات).

وأردف: "كما ركزت المقاومة على استخدام الحرب النفسية ضد العدو (وذلك من خلال تفوق رواية المقاومة على رواية العدو وتوجيه ضرباتٍ معنويةً إليه عبر الصورة، وفضحه أمام جمهوره والعالم، وفي المقابل الحفاظ على روح معنوية عالية لدى جبهتنا الداخلية)، والإدارة المدروسة للنيران، وتحييد قدرات العدو وضربه في نقاط ضعفه، والحفاظ على الجبهة الداخلية متماسكة وحاضنة للمقاومة".

ضعف الجبهة الداخلية للعدو

وأكد الهباش على أنّ قدرة جبهة العدو الداخلية على الصمود ضعيفة جدًا، لذا فقد بني جزء مهم من خطة المقاومة على نقل المعركة إلى «أرض العدو»، وذلك باستخدام قوةٍ صاروخية غطت معظم أراضينا المحتلة ، وهو ما فرض طوقًا على معظم المغتصبين الصهاينة الذين باتوا يعيشون في الملاجئ أكثر من عيشهم في بيوتهم، وكان ذروة ذلك في عملية التهجير التي استخدمتها المقاومة لسكان الغلاف الذين شكلوا عامل ضغطٍ على حكومة العدو، وكان ذلك سببًا في دفعها لإنهاء المعركة.

وأشار الهباش إلى أنّ القوة الجوية للاحتلال الإسرائيلي ليست القوة الحاسمة في المعركة، فقد استنفذ سلاح الجو الإسرائيلي كل ما يمكن فعله في الحرب لكنه لم يتمكن من حسم المعركة"، لافتًا إلى أنه بالرغم من قدرات الاحتلال والمعدات العسكرية الكبيرة إلاّ أنه احتاج للإمدادات من حلفائه وأثبت عدم قدرته على تأمين خطوط الإمداد والتموين وفشِل في تحقيق هدف الحرب الذي قامت من أجله وهو القضاء على حركة حماس وجناحها العسكري.

دروس وعبر للحفاظ على منجزات المقاومة

وأكد الهباش على أنه "لا يختلف المراقبون على أن تطور الأداء العسكري للمقاومة آخذ في التصاعد بصورةٍ متسارعة أربكت حسابات العدو الصهيوني، من خلال متابعة عمليات المقاومة منذ نشأتها، والتي تميزت بالمهنية العالية والرؤية الثاقبة، ما يدل على وجود التخصص والاحتراف، لذلك لا بد للمقاومة من مواصلة التطور العسكري وبناء تحالفات إقليمية ودولية تساعد على بناء القدرات العسكرية حتى تحافظ على المنجزات التي حققتها خلال حرب العصف المأكول" .

وتابع: "كما تجب المحافظة على تقديم عنصر المفاجأة للعدو من خلال حرمانه من القدرة الاستخباراتية وتقديم أساليب جديدة ومتنوعة في القِتال، ومحاولة فتح أكثر من جبهة على العدو خلال الحروب القادمة، وذلك بالتحالف مع محور المقاومة".

وقال الهباش: "إنّ المقاومة تعمل بشكل مستمر على بناء قواتها، وتشكيلاتها العسكرية، بما يتلاءم مع المعطيات المستجدة وهذا هو المطلوب، فهذا الأمر يشير بصورة واضحة إلى أن “إسرائيل” تواجه بالفعل مقاومة تتعلم من دروسها جيدًا، وتستطيع النظر إلى العدو الإسرائيلي بصورةٍ فاحصة، وأن حركة #حماس قوة مؤثرة في الصراع ولا يمكن تجاهلها، وأصبح الانطباع السائد في أذهان الكثيرين من العالم العربي أن المقاومة الفلسطينية قد وجهت ضربة قاسية للجيش الإسرائيلي".

وأردف: "كما ينبغي التركيز على وجود تناسق والتحام بين المقاومة الشعبية والمقاومة المسلحة ؛ فالمقاومة الشعبية دليل على أن الشعب الفلسطيني بغزة بأكمله مجمع على خيار عدم شرعية وجود الكيان الإسرائيلي، والمقاومة الشعبية والضجة الإعلامية التي تحدثها -سواء كان بذاتها أو نتيجة حجم الجرائم التي يرتكبها الكيان في سبيل مواجهتها- لها دور في إعادة القضية الفلسطينية إلى أولويات الاهتمام العربي والدولي، خاصة مع وجود مسعى من قبل بعض الحكومات والأنظمة لضرب هذه القضية وتمييعها".

وشدد الهباش على أهمية تحصين الجبهة الداخلية "من خلال المحافظة على عدم اختراقها من الاحتلال الإسرائيلي، والمحافظة على صمودها في وجه الحصار، وفي المقابل الضغط على الجبهة الداخلية للاحتلال الإسرائيلي عن طريق استخدام العمليات النفسية ضدها وإنزالهم إلى الملاجئ طوال فترة الحرب، وتوسيع بقعة الغطاء بالصواريخ، وأخيرًا إيجاد وسيط إقليمي دولي للمفاوضات يضمن إلزام الاحتلال بالاتفاقيات الموقعة".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفية فلسطينية مقيمة في قطاع غزة، حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والاعلام من الجامعة الاسلامية بغزة عام 2011م، وكاتبة في موقع "بصائر" الإلكتروني، وصحيفة "الشباب" الصادرة شهرياً عن الكتلة الاسلامية في قطاع غزة. وعملت في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية أبرزها صحيفة فلسطين، وصحيفة نور الاقتصادية، وصحيفة العربي الجديد.

شاهد أيضاً

طفلي بلغ السابعة.. كيف أبدأ بتعويده على أداء “الصلاة” ؟

مما ينعش قلب الأبوين أن يقف إلى جوارهما طفلهما الصغير في سنوات عمره الأولى وهو …