ليس للفساد مظهر معين ولا مجال ولا وجه واحد يمكن أن ينحصر فيه، بل هو داء عضال مركب ومتشعب ومتشكل في عدة صور وأشكال وألوان لا حدود لها؛ تصاب به الأمم أو الشعوب أو الدول في مراحل ضعفها وانحدارها في طريق الأفول والزوال، بعد مرحلة النهوض والنمو والازدهار، أو اثناء مرحلة التحول الكبرى فيما يعرف –بمرحلة الثورة– أي مرحلة المخاض العسير التي تمر بها الأمة في الانتقال من واقع مرير إلى حركة تنشد التغيير، تستغرق مرحلة ما يعرف بمرحلة الانتقال من الثورة إلى الدولة.
فهذه المرحلة هي أصعب وأدق وأخطر المراحل التي تحدد معامل التغيير وتقرر الفترة الزمنية التي تستغرقها قصراً او طولاً، وبقدر نضج الشعوب وإخلاص نخبها السياسية والاجتماعية بقدر سرعة نجاحها في تجاوز المرحلة بأقل الخسائر وفي أسرع وقت، يوفر عليها الكثير من الجهد ويحفظ لها كل طاقاتها ويؤمن لها ثرواتها المادية والبشرية، ويحقق أهدافها واستقرارها ويثبت كيانها ويمنع زوالها.
بعد أن تحسم قوى "مدنية الدولة" معركتها ضد قوى الثورة المضادة ومشاريع العسكرة والعودة إلى الأنظمة الدكتاتورية، عليها أن تعي أن معركتها الكبرى تتمثل في صد هجوم قوى الشر، وتدرك جيدا أنها أمام عدو لا يقل شراسة ولا فتكا بأمن الوطن والمواطن من الفساد المالي والإداري الذي يستشري في كافة مفاصل الدولة، وأن الوقت قد حان للقضاء على هذا السرطان الفاتك, من خلال تكاتف كل القوى الوطنية والمؤسسات الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني في إعلانها الحرب على كل مظاهر الفساد وإبعاد ومحاسبة كل من تثبت إدانته في التورط في قضايا فساد. من خلال تفعيل القضاء المستقل وفتح ملفات الفاسدين بدعاوى رسمية لدى مكتب النائب العام ، فالمرحلة حاسمة ولا تسمح بظهور الفساد، ولا بقبول الفاسدين على رأس المؤسسات احتراما للشعب وقواه الحية كافة ووفاءً لدماء الشهداء. الذين ضحوا من أجل أن ينعم المجتمع بالحرية وأن يتمتعوا بثروتهم التي حباهم الله بها. وعلى القوى المدنية أن تضغط للقضاء على الفساد تحت شعار (لا بقاء للفاسدين بيننا).
إن الفساد إذا استشرى في قوم هلكوا، وإذا انتشر في أمة آذن بهلاكها، وإذا ساد في مجتمعاً ما سارع به إلى الانحلال, والانحلال هو بداية الطريق إلى الزوال {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}.
فمن علامات الانحلال والزوال هو انتشار الفساد, ولا نجاح ولا نجاة لأمة مالم تقضي على الفساد, وتقطع اسبابه وتأخذ على يد الفاسدة, وتبعد الفاسدين عن دوائر صنع القرار، وتمنع انتشار ثقافة الفساد من خلال الشفافية ودعم المؤسسات الرقابية الرسمية وتأصيل ثقافة مراقبة الإنسان نفسه من خلال دعم وتقوية المنظومات الأخلاقية، وتعزيز القيم الدينة، وتقرير القوانين الرادعة لكل مظاهر التجاوزات المالية والإدارية، مع ترسيخ ثقافة توسيد الأمر لأهله من ذوي الاتصاف بالأمانة والكفاءة {استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين}.
والنجاح في محاربة الفساد والقضاء على كافة مظاهره يعتبر من اهم مراحل السير في نجاح الثورة وتحقيق أهدافها.
وبقاء الفساد يعني بقاء أسبابه التي ادت إلى قيام الثورة، وكلما زاد الفساد كلما كانت أسباب عودة الظلم باقية، وكلما تمدد تمددت الثورة المضادة، وكلما نجح القضاء كلما تراجعت الثورة المضادة وانكمشت، وكلما تراجعت وانكمشت حققت الثورة اهدافها وحافظت على كيان الدولة وحققت آمال الشعب، ومن سن الله الكونية أنه لن ينال عهد الله الظالمين ولا الفاسدين.
جريا على هذه السنة الكونية الالهية يمكن القول وبصريح العبارة وبكل ثقة في سنن نجاح الثورات وبناء الحضارات واستقرار واستمرار الأمم. أن النجاح في القضاء على الفساد هو ضمان لنجاح الثورة واستقرار الدولة واستمرار نماء الأمم، وأن لا استقرار ولا استمرار إلا بالقضاء على الفساد بكل اشكاله والوانه واجتثاث ومحو كل مظاهره واسبابه.
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين