بين شرف الشهادة ودناءة التطبيع

الرئيسية » خواطر تربوية » بين شرف الشهادة ودناءة التطبيع
thinking-ways

ليس من قبيل المصادفة أن يجتمع استشهاد الدكتور عصام العريان -القيادي في جماعة الإخوان- في سجون الظلم المصرية، وبين إعلان دولة الإمارات التطبيع علانية مع الكيان الصهيوني، في ظل حجم المؤامرات التي تستهدف الشعب الفلسطيني، حتى بات المواطن الفلسطيني يحرم من راتبه وأبسط حقوقه ليس في غزة فحسب، بل في الضفة أيضاً، لانتزاع المواقف والقبول بالذل والخيانة.

مشهدان متناقضان كلياً، فالشهيد عصام العريان، صاحب اليد البيضاء الخيّرة تجاه أهل فلسطين، وهو الذي لم يتوان للحظة عن تقديم كل ما يلزمهم من دعم مادي ومعنوي، يرتقي إلى العلا صابراً محتسباً، بعد مسيرة حافلة بالنضال والكفاح ورفض الظلم، ليعبّر باستشهاده هو من سبقه وأبرزهم الرئيس الدكتور محمد مرسي عن مواقف بطولية تجاه فلسطين، خصوصاً أثناء حرب حجارة السجيل، في حين يقابل ذلك حالة من الخزي والهرولة ممن انسلخ عن دينه وأمته، ليهرول للعدو، فيخطب وده متناسياً كل المآسي التي حلت بشعب كامل طيلة عقود طويلة!

هذان المشهدان برأيي يصوران واقع الأمة بدقة بالغة، بين مشهد التضحيات التي يقدمها أولئك الثابتون على المبادئ، الرافضون للعبودية والاستحمار من قبل الأنظمة، المؤيدون لحقوق الشعب الفلسطيني بالحرية وطرد اليهود من كل فلسطين، وبين مشهد العمالة والخيانة تحت مبرر المصلحة والسعي للعب دور على الساحة -ولو كان بالخيانة- بحيث يرضى عنهم أسيادهم ومن دعمهم بالبقاء في حكمهم.

ويكفيك أن تتدبر القرآن الكريم، لتجد أن هذا ليس مستغرباً، بل حدث مثله في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول الله تعالى في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘبَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ(52)}.

والقرآن الكريم مليء بذكر الآيات التي تتحدث عن النفاق والمنافقين وخطورتهم، منها على سبيل المثال ما جاء في سورة النساء: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا(139)}.

فظاهرة النفاق والخيانة، ليست جديدة، والقرآن الكريم ذكرها وأصحابها بشكل صريح عشرات المرات ، فما الغرابة بحدوث ذلك في زماننا بعد أن زج بأهل الحق وداعميه في السجون، أو ضيّق على من بقي منهم خارج السجن، أو أوذي في عرضه وسمعته باتهامه بكل ما هو قبيح ومستقذر.

لذا فإن ما شجع أولئك المنافقين على خيانتهم، هو محاربة الحركات الإسلامية، وتغييب القادة والعلماء الحقيقيين عن المشهد، إما قتلاً أو سجناً أو نفياً، ناهيك عن محاربتهم مالياً وإعلامياً تحت مسميات شتى، إضافة لإشغال الدول الأخرى بمشاكلها الداخلية، حتى باتت تطلب العون والمساعدة منهم، وهو ما أفسح المجال للكذابين والدجالين، ودعاة السوء ليبرروا لطواغيتهم جرائمهم، ويسوقوا لك الحجج تحت (قال الله.. وقال رسول الله) والله ورسوله منهم براء.

إن ما شجع أولئك المنافقين على خيانتهم، هو محاربة الحركات الإسلامية، وتغييب القادة والعلماء الحقيقيين عن المشهد، إما قتلاً أو سجناً أو نفياً، ناهيك عن محاربتهم مالياً وإعلامياً تحت مسميات شتى

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: (تأتي على النَّاسِ سَنواتٌ خدَّاعاتٌ يُصدَّقُ فيها الكاذبُ، ويُكَذَّبُ فيها الصَّادقُ، ويؤتَمنُ فيها الخائنُ ويخوَّنُ فيها الأمينُ، وينطِقُ الرُّوَيْبضة قيلَ: يا رسولَ اللَّهِ وما الرُّوَيْبضةُ ؟ قالَ: الرَّجلُ التَّافِهُ يتَكَلَّمُ في أمرِ العامَّةِ) (أخرجه الحاكم في المستدرك وورد بمعناه عند أحمد وابن ماجه).

وعودة إلى المشهدين السابقين، يكفي أن أشير إلى أن القاسم المشترك بينهما يتمثل في فلسطين، ففلسطين هي الكاشفة للمواقف، وهي التي تظهر معادن الناس والدول والأنظمة ، فلا توجد أية مصلحة دنيوية مترتبة على الوقوف معها، سوى ما يتعلق بالدين والتاريخ والإنسانية، خلافاً للكيان الصهيوني، ولهذا بتنا نرى تطبيع تلك الدولة معه، بل ولن نستغرب حينما نرى البعض الآخر يلحقون بمن سبقهم، فمرض التساقط والخضوع معدٍ لمن كانت له قابلية لذلك.

إن ما يحدث اليوم من تمايز في الصفوف، هو من مقدمات النصر، إذ لا يمكن أن تنال الأمة النصر إلا بعد أن تعرف عدوها من صديقها، وإلا بعد أن ينفصل المنافقون عن جسمها

إن ما يحدث اليوم من تمايز في الصفوف، هو من مقدمات النصر، إذ لا يمكن أن تنال الأمة #النصر إلا بعد أن تعرف عدوها من صديقها، وإلا بعد أن ينفصل المنافقون عن جسمها، وإلا بعد أن تمتحن امتحاناً حقيقياً، وإننا إذ نتألم لفقد قامة دعوية كالدكتور عصام العريان رحمه الله، فإننا نوقن أنه سيظل مشعلاً في نفوسنا، ونفوس إخوانه للاستمرار نحو الحرية والعزة والتمكين، ورفض الخضوع والتبيعة، أما أولئك الذين تنكبوا عن الطريق، فهم الخاسرون، ولن يذكرهم التاريخ، إلا كما ذكر أبا رغال وابن سلول وابن علقمة وغيرهم.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …