لا أعرف لماذا يكاد يتكرَّر الدرسُ اليوم بين العرب والأتراك العثمانيين، رغم قرن من التجارب، جميعها أكدت أن من بين أسباب نكبة الأمة وانقسامها هو تحالف المسلمين ضد خلافتهم مع الغرب المتمثل آنذاك في بريطانيا وفرنسا.
كانت الخلافة الإسلامية رمز قوة المسلمين أكثر من 05 قرون، أَعْلَتْ شوكتهم، ورفعت شأنهم، ودان لها بالولاء حكام الغرب على اختلاف توجُّهاتهم ودياناتهم. وكانوا يتودَّدون إلى قادتها لعلّهم يفوزون برضاهم أو يتشبَّهون بأحد أكبر زعمائهم مثل سليمان القانوني الذي كانوا يطلقون عليه صفة le magnifique !، بل إن دولة مثل فرنسا ظلت تحرص طيلة قرون على التقرب من الباب العالي لعلها تبقى أول حليف غربي للدولة العثمانية وتستقوي بذلك على جيرانها بما في ذلك بريطانيا وإيكوسيا. ولم تكن بريطانيا أقلّ توددا من فرنسا وقد كانت تخشى على نفسها من هذه القوة العظمى الإسلامية التي سيطرت على كافة البحار الاستراتيجية آنذاك: المتوسط والأحمر والأسود والعربي والمحيط الهندي…
ولم يهضم الغربيون أن يبقى العالم تحت سيطرة المسلمين، فانطلقوا من حيث وصل العلم في قرطبة وطليطلة وصقلية التي كانت حواضرَ علمية إسلامية بامتياز، وبنوا قوّتهم شيئا فشيئا إلى أن جاءت الفرصة خلال الحرب العالمية الأولى، ولم يجدوا أفضل منها لإيهام جزء من العرب أنه عليهم القيام بثورتهم الكبرى لينفصلوا عن الأتراك ويبنوا دولهم القومية العصرية، وبعبارة اليوم، دولتهم الحرة الديمقراطية… واستغلوا وهن الدولة العثمانية ودفعوها إلى ارتكاب مزيد من الأخطاء تجاه الشعوب غير التركية، ودعموا ما عُرِف سنة 1916، بالثورة العربية الكبرى. وتحالف الشريف حسين مع “مكماهون”، ووثقوا في “لورانس العرب”، وفي وعود “سايكس” وزير خارجية بريطانيا و”بيكو” وزير خارجية فرنسا. وكانت النتيجة: لا دولة عربية كبرى، ولا عودة لقوة الإسلام والمسلمين، وفوق هذا وذاك ضياع فلسطين.
وها هي اليوم التجربة تتكرر، إيهام القوى الغربية ذاتها: بريطانيا وفرنسا لكثير من العرب، أنه بإمكانهم القيام بثوراتهم الكبرى، وأنهم سيلقون كل الدعم من لورانس العرب الجديد (الصهيوني برنار هنري ليفي) ومن وزراء خارجية ذات القوى بشرطٍ واحد، أن لا تكون هذه الثورات إسلامية، أو تتطلع إلى إعادة أمجاد الأمة الإسلامية، أو إلى إعادة أمجاد خلافتهم التي كانت بمثابة القوة الكبرى بالمعنى الحقيقي اليوم، سواء أكانت راشدة أو أموية أو عباسية أو عثمانية.
جميع دول الخلافة كانت بمنظورهم احتلالاً.. وعلى الشعوب الحرة الديمقراطية أن تتخلّص من هذا الإرث التاريخي الذي لم يعد يلائم حضارة اليوم، لأنه كان باسم الدين وتحت شعار أولوية الولاء في العقيدة والبراء من أعدائها.
وينساق جزءٌ كبير من أبناء الأمة خلف هذا الوهم التغريبي، ظنا منهم، أنهم سيتمكنون ذات يوم من أن يكونوا مثل الغرب، أو أن الغرب سيساعدهم أن يكونوا مثله، وكأنهم لم يستفيدوا من تجارب قرن من الزمن، بل قرون من الزمن. أكدت جميعا أمرا واحدا، يُمنَع على هذه الأمة أن تتحرَّك ضمن رؤية إعادة بناء وَحدتها، على أساس العقيدة الواحدة، وما دون ذلك فهو قابل للنقاش. ومن هذا المنظور فقط تتجدد الحملة اليوم على الأتراك وعلى التجديد العثماني وعلى آية صوفيا… لأنها جميعا حاملة لإشارة تقول: المستقبل لهذا الدين.
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- الشروق الجزائرية