من أي طين الأرض خُلِقت يا أردوغان!! (1-2)

الرئيسية » بأقلامكم » من أي طين الأرض خُلِقت يا أردوغان!! (1-2)
wo22-Turkey-Erdogan

إن من أساسيات ديننا الحنيف أننا لا نقدس أشخاصاً، ولا نزكِّي أنفسنا، ولا نزكِّي على الله أحداً.

ومن أساسيات ديننا الحنيف أيضاً أنه "مَن لا يشكرُ النَّاسَ لا يشكرُ اللهَ" (سنن الترمذي).

وأمرنا النبي ﷺ فقال: "أنزلوا الناسَ منازلَهم" (النوافح العطرة بإسناد صحيح)،

وقال: "أَقيلوا ذَوي الهيئاتِ عثراتِهم" (رواه بن حزم في المحلى بإسناد جيد).

ومن المتعارف عليه عند الفقهاء أن "الماء الجاري طاهر مُطهَّر".

ومن المعروف أن الإسلام الذي تنكر له وجهاء قريش وحاربوه، قد قام على أكتاف سلمان الفارسي، وبلال الحبشي، وأبو ذر الغفاري، وأن النبي ﷺ: " نَعَى النَّجَاشِيَّ في اليَومِ الذي مَاتَ فِيهِ، وخَرَجَ بهِمْ إلى المُصَلَّى، فَصَفَّ بهِمْ، وكَبَّرَ عليه أرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ" (صحيح البخاري).

وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "يا أيُّها الناسُ إنَّ ربَّكمْ واحِدٌ ألا لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى إنَّ أكرَمكمْ عند اللهِ أتْقاكُمْ" (صححه الألباني).

إن هذه المقدمة تذكرنا بمبادئ ديننا وأصول شريعتنا، وصدق الشاعر حين قال:

كلُ أرضٍ بها الإسلامُ لِيْ وطنٌ *** وكلُ أرضٍ يُذكَرُ فيها اسمُ اللهِ تلقاني

وحيثما ذكِرَ اسمُ اللهِ في بلدٍ *** عُدِّدَتْ أرجــاءُه مــن لــــبِّ أوطــانـي

بين يدي الموضوع

ولد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عام 1954م، ويشغل منذ عام 2014م منصب الرئيس الثاني عشر لتركيا.

نشأ الرئيس أردوغان في بيئة فقيرة ولكن ذلك لم يمنعه من أن يواصل دراسته حتى تخرج في كلية الاقتصاد والأعمال بجامعة مرمرة الحكومية.

كان أردوغان يعمل بجانب دراسته ليساعد أسرته في أعباء المعيشة، ويقول أردوغان عن هذه الفترة: "لم يكن أمامي غير بيع السميط والبطيخ في المرحلة الابتدائية والإعدادية، كي أستطيع معاونة والدي، وتوفير قسم من مصروفات تعليمي، لأن والدي كان فقيراً".

إن تاريخ أردوغان السياسي طويل ومليء بالأحداث التي لا نستطيع أن نوفيها حقها في موضوع كهذا ولكن يكفينا أن نعرف أنه يمارس السياسة منذ أواخر السبعينيات .

ويكفينا أن نعرف كذلك أنه قد تم تتويج هذا المشوار السياسي الطويل بفوز الرئيس أردوغان بالمركز الأول بين أكثر 500 مسلم تأثيراً في العالم عام 2019م، كما احتل أردوغان المرتبة الثامنة في عامي 2016 و2017، والخامسة عام 2018.

أولاً: بعض إنجازات أردوغان التي تستحق الإشادة والتقدير

نتفق أو نختلف حول شخصية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلا أن الحقيقة الواضحة والدامغة والتي لا شك فيها هي أن التاريخ سيقف طويلاً أمام شخصية هذا الرجل.

ولما لا، وقد تمكن من نقل تركيا من بين مصاف الدول المنهارة اقتصادياً إلى دولة ذات اقتصاد عفي فتي لا يقل قوة عن اقتصاد الدول الكبرى في العالم، كل ذلك بفضل التخطيط الجيد والإدارة الناجحة والتوظيف الجيد للطاقات والإمكانيات.

ولما لا، وهو الذي قضى على هيمنة الجيش على مفاصل الدولة والتحكم في قراراتها وعلاقاتها وجعله يتفرغ لمهمته الأساسية وينتقل من دور الوصي على الشعب إلى دور المدافع عن الشعب.

ولما لا، وهو الذي استلم الدولة وهي تخوض في وحل العلمانية التي رسمها لها أتاتورك من عشرات السنين فأعادها أردوغان إلى سابق عهدها، دولة لها طابعها الفريد والمتميز التي عرفت به على مر العصور، كل ذلك دون صدام ولا مواجهات، ودون ممارسة للديكتاتورية ولا إراقة الدماء، ولكن باتباع سياسة تجفيف المستنقعات التي تقطع دابر الفساد والرذيلة والأفكار الهدامة لتحل محلهم الإصلاح والفضيلة والأفكار النيرة.

إنه لم يصدر قراراً بإلغاء البغاء ولكنه حرص على نشر العفة، وجعل الناس تزدري هذه المهنة وتقبح فاعليها.

ولم يعتقل أصحاب الفكر المتطرف ولا أصحاب الرؤى الهدامة ولكنه أطلق عليهم العلماء تؤزهم أزاً، ويفضحون زيف أفكارهم أمام الشعب حتى يلفظهم الشعب لفظ النواة.

ولما لا، وهو الذي أرسى مباديء دولة القانون لتقف قوانين الدولة على مسافة واحدة من الجميع، فليس هناك أحد فوق القانون، ولا صوت يعلو فوق صوت الدستور، ولا أحد فوق المُسائلة مهما كان شأنه ومهما كانت مكانته.

ولما لا، وهو الذي جعل لبلاده كلمة مسموعة في المحافل الدولية، وجعل بلاده تتعامل مع الدول الكبرى بندية وليس باستجداء ولا تملق ولا انبطاح مثلما تفعل كثير من الدول.

موجز لبعض الإنجازات في المجالات المختلفة

1- زيادة الناتج القومي لتركيا وسداد كل ديونها الخارجية بالإضافة إلى زيادة متوسط دخل الفرد وتحسين الرواتب والأجور.

2- القفزة الكبيرة بالاقتصاد التركي، فبعد أن كانت تركيا تحتل المركز 111 عالمياً أصبحت في نادي مجموعة العشرين الكبار في العالم.

3- إنشاء مطار إسطنبول الدولي ليكون أكبر مطار في أوروبا ولتحتل الخطوط الجوية التركية أفضل ناقل جوي في العالم لثلاث سنوات متتالية.

4- الاهتمام بتسليح الجيش التركي والقفز به ليكون أحد أقوى عشرة جيوش في العالم.

5- الاهتمام بالبحث العلمي وزيادة ميزانية التعليم والصحة.

6- الاهتمام بالعلاقات الخارجية وتحقيق إنجاز ملحوظ في بعض الملفات العالقة من عشرات السنين وذلك من خلال إجراء محادثات تسوية مع حزب العمال الكردستاني، ومن خلال الاعتذار للأرمن عن أحداث تمت من عشرات السنين.

- ومن بين الاهتمام بالعلاقات الخارجية فقد فتحت تركيا أكثر من عشرين سفارة وقنصلية جديدة في إفريقيا.

7- زيادة الصادرات التركية إلى دول العالم حتى أصبحت أكثر من 150 مليار دولار، ووصلت الصادرات التركية إلى حوالي 190 دولة في العالم.

8- الانفتاح على الشباب والأطفال ومناظرتهم والتعرف على متطلباتهم ومشكلاتهم واقتراحاتهم المستقبلية للنهوض بالدولة.

9- الاهتمام بقضايا الأقليات المسلمة حول العالم، وكذلك الاهتمام بالتعاون مع الدول المنكوبة.

- يذكر أن أردوغان هو الرئيس الوحيد الذي زار بورما هو وزوجته والتقى بأهالي إقليم ميانمار المنكوب .

- كما يذكر أنه عندما عانت الصومال من مجاعة وجفاف عام 2011م، لم يكتفي أردوغان بتقديم المساعدات فحسب، بل كان أول زعيم من خارج إفريقيا يزور الصومال.

10- الاهتمام بغرس قيم وآداب وتراث الإسلام من خلال...

- تدريس القرآن والحديث في المدارس الحكومية.

- حرية ارتداء الحجاب في الجامعات الحكومية ودار القضاء.

- إعادة تدريس اللغة العربية في المناهج الدراسية.

- إطلاق مسيرة مكونة من عشرة آلاف طفل مسلم يبلغوا السابعة من العمر يجوبون شوارع إسطنبول معلنين بلوغهم سن السابعة متفاخرين بأنهم سيبدؤون أداء الصلاة وحفظ القرآن الكريم.

- وأخيراً، استغلال الحق التاريخي والقانوني في إعادة مسجد أيا صوفيا إلى سيرته الأولى، بعد أن ظل متحفاً لأكثر من تسعين عاماً.
إن كل ما سبق يعتبر ثورة مكتملة الأركان ولكنها ثورة ناعمة لا دماء فيها ولا عنف ولا تسلط.

إن ما فعله أردوغان في تركيا ليس درباً من دروب السحر ولا الكهانة ولكنه دربٌ من دروب الفطنة والكياسة .
إن أردوغان بكل ما فعله إنما هو كالنطاسي الأريب الذي يهوي بمبضعه على أصل الداء فيجتثه من جذوره بلا عودة، وإن شئت فقل كالصقر الذي يتربص بفريسته ثم ينقض عليها دون أن يخطئها.

إن كل ما سبق ليس كلاماً مُرسلاً، ولا كلام شخص مفتون بالرجل فينمق الكلمات إشادة به وإطراءً، ولكنه كلام رجل يتعطش لوجود قائد مسلم، يلم شعث الأمة ويوحد رأيها وجهودها، ويُعلي بين الأمم شأنها.

معلومات الموضوع

الوسوم

  • أردوغان
  • تركيا
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
    خبير تربوي وكاتب في بعض المواقع المصرية والعربية المهتمة بالشأن التربوي والسياسي، قام بتأليف مجموعة من الكتب من بينها (منظومة التكافل في الإسلام– أخلاق الجاهلية كما صورها القرآن الكريم– خير أمة).

    شاهد أيضاً

    بين عقيدة الإسلام و”عقيدة الواقعية

    للإسلام تفسيرٌ للواقع وتعاملٌ معه بناءً على علم الله به ومشيئته فيه، كما يثبتهما الوحي. …