التطبيع لغة: مصدر طبّع.
واصطلاحا كما تقول معاجم اللغة: طبع العلاقات بين البلدين.. أي جعلها طبيعية عادية.
ويقصد به في عالم السياسة اليوم: إقامة علاقات طبيعية بل ووثيقة بين البلدان العربية والكيان الصهيوني المسمى بدولة "إسرائيل".
وإذا أمعنا النظر في التطبيع من أجل الحكم عليه، لوجدنا أن التطبيع عموما من الممكن أن يكون جائزا في أحيان، وهو محرم ومجرّم في أحيان أخرى.
فإذا ما كان التطبيع مع العدو في حالة استرد فيها أصحابُ الحقوق حقوقهم وجنح العدو فيها للسلم، فإنه من الجائز بل ومن الواجب أن يجنح أهل الحق للسلم كما قال الله في كتابه، ولا بد أن نؤكد هنا على استرداد كافة الحقوق، أي السلام العادل كما يقولون في عالم السياسة اليوم.
ومن الممكن أن يكون التطبيع كذلك جائزا مع الكراهة، حين يوقن أهل الحق أنهم لن يتمكنوا عاجلا من استرداد حقوقهم كاملة، ويوقنوا كذلك أن التطبيع مع العدو هو الوسيلة الوحيدة لاسترداد جزء من هذه الحقوق، وحينها يكون الأمر في حكم الضرورة، والضرورة تقدر بقدرها.
لكن في الحالة التي نحن بصددها، نجد أن البلدان العربية تهرول للتطبيع مع العدو الصهيوني، مع تعنته الكبير، واستئساده على إخواننا المستضعفين في فلسطين، وعدم إعطائهم لأي من حقوقهم، فلا عودة للأرض، ولا دولة فلسطينية قائمة، ولا قدس لهم، بل وحصار وتجويع وتآمر.
إذن، فلم التطبيع؟!
هو مجرد هرولة من البلدان العربية لمصلحتها هي لا لمصلحة الفلسطينيين، وللجبن والخور اللذين عششا في عقولهم وقلوبهم.
أو هو ابتزاز من العدو لهذه الدولة وإجبار لها تحت تهديد تسريبات وملفات سرية كما يقول البعض.
لو أعطى العدو الصهيوني للفلسطينيين دولة كاملة على حدود 1967م، ومن ضمنها القدس والمسجد الأقصى، وترك لهم الحرية التامة إعادة اللاجئين لدولتهم الجديدة، لكان من الجائز حينها أن يتحدث المتحدثون عن تطبيع للعلاقات مع العدو، مع اليقين التام من العجز عن إزاحته عن كامل الأرض الفلسطينية.
بل وحينها، سيبقى أهل العزة الكرام يرفضون التطبيع معه، راغبين في تمام إزاحته عن كل المغتصبات، وراغبين في تمام النصر والتمكين.
لما سن السادات تلك السّنة السيئة في كامب ديفيد 1978م، فتح بابا على الأمة يبدو أنه لن يُغلق إلا بخروج الجميع منه كما خرج السادات على إجماع الأمة ودينها وثوابتها.
كتب الشاعر العراقي العبقري أحمد مطر قصيدته التي استشرفت المستقبل ورسمته كما كان من بعد بالضبط.
يقول فيها:
الثور فر من حظيرة البقر
الثور فر
ويقصد بالثور هنا السادات رئيس مصر، وجعله ثورا في مقابل مجموعة العجول الذين هم بقية زعماء العرب، على اعتبار الدور القيادي الذي تلعبه مصر في تاريخها القديم والحديث، لكنها كانت تلعب دورا قياديا مشرفا في تاريخها القديم، حيث مقاومة التتار والصليبيين، أما في تاريخها الحديث، فهي تلعب دورا قياديا مخزيا، حيث العمالة والخيانة والتآمر مع أعداء الأمة على قضايا الأمة ومقدساتها.
ثم يقول الشاعر:
فثارت العجول في الحظيرهْ
تبكي فرار قائد المسيرهْ
وهذا هو الذي حدث حقا حين أقدم السادات على قراره بالسلام مع إسرائيل والتطبيع معها.
ثم يقول الشاعر:
وشكلت على الأثرْ
محكمة ومؤتمرْ
فقائل قال: قضاء وقدر
وقائل: لقد كفر
وقائل: إلى سقر
وبعضهم قال: امنحوه فرصة أخيره
لعله يعود للحظيره
وفي ختام المؤتمر
تقاسموا مربطه وجمدوا شعيره
وقد انعقدت حقا قمة عربية في بغداد عام 1978م، أدانت ما أقدمت عليه مصر، وتم طردها من الجامعة العربية، ونُقلت أمانة الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس.
ثم يكمل الشاعر ويأتي بنبوءته التي سبقت وأخبرت:
وبعد عامٍ وقعت حادثة مثيره
لم يرجع الثور، ولكن ذهبت وراءه الحظيره
وهذا هو الذي حدث حقا، فقد تسابقت من بعد الأنظمة العربية في التطبيع مع الكيان الصهيوني، وأقدمت أغلب الدول العربية على التطبيع سرا معه، وها هي تتسابق الآن في التطبيع علانية.
قمة الهوان نعيشه اليوم نحن العرب والمسلمين، نتسابق لطلب الوصال مع العدو الذي يتمادى في اغتصاب حقوقنا وإذلالنا، بل ويتمادى بصلف في امتهاننا وإظهار هواننا.