القيادة إنصات وليست سماعاً واستماعاً

الرئيسية » بأقلامكم » القيادة إنصات وليست سماعاً واستماعاً
استماع

دخل قائد الفريق إلى الاجتماع، تحدث القائد لثلاث ساعات متواصلة عن المعوقات والمشاكل، الخطط، الإنجازات، الأهداف، وعن أهمية مشاركة الفريق وأعضائه، ثم ترك مجالاً للأسئلة لمدة ربع ساعة لضيق الوقت، استمع للشكاوي والاقتراحات، دوّنها على ورقه نسيها أو أضاعها ثم غادر.

سيناريو يتكرر دائما في مؤسساتنا فيصبح القادة كالطبيب الذي يزوره المريض ليشتكي له من ضعف في الرؤية فلا يستمع له الطبيب ولكن يعطيه من محبته وتقديره ومعزته له نظارته الطبية الخاصة به والعزيزة عليه ليرى.

لكن عندما يعود المريض للمراجعة لأن الوضع ازداد سوءا وسبب كوارث متعددة، يقول له الطبيب: لقد أعطيتك نظارتي الخاصة والعزيزة على قلبي التي كنت أرى بها بوضوح تام، فإن لم تصلح نظارتي فالخلل في عينيك وليس في النظارة، لأن هذه النظارة جعلتني أرى بنسبة ٦/٦!

لا تستغرب فهذا ما يحصل في مؤسساتنا وإن كان بدرجات متفاوتة بين مؤسسة وأخرى.

إن هذا الخلل الكبير هو غياب الإنصات، إلى جانب غياب العدل، و انعدام التمكين مما يؤدي إلى مغادرة الكفاءات أو عزلها واقصائها مما ينتج عنه فشل وانهيار المؤسسات.

لإعادة الحياة والروح للمؤسسات تجب إعادة برمجة حقيقية لفريق المؤسسة، وذلك بحذف عادات العمل الحالية التي تدربوا عليها ومارسوها خلال عملهم لفترة طويلة.

وأول خطوة هي تعلم مهارة الإنصات، فقادة المؤسسة في الإدارات العليا، المتوسطة والدنيا يسمعون ويستمعون ولا ينصتون للفريق ثم يشتكون من عدم فهمهم لأعضاء الفريق فهم لا يدركون أنه لتفهم الآخر عليك الإنصات له أولا لا مخاطبته، ولإفهامه تحتاج إلى الحديث معه.

هم لا يستطيعون التمييز بين السمع، الاستماع والإنصات بالرغم من أن معظمهم يحفظ الآيات الكريمة:

{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ *فَاسْتَمِعُوا* لَهُ *وَأَنصِتُوا* لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}

{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ *اسْتَمَعَ* نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا *سَمِعْنَا* قُرْآنًا عَجَبًا}

السماع: هو قيام الأذن باستقبال الأصوات سواء بقصد أو بغير قصد.

الاستماع: هو سماع الأصوات من مصدرها بانتباه حتى يتمكن من فهم واستيعاب ما يقال.

الإنصات: هو سماع الأصوات من مصدرها بانتباه حتى يتمكن المستمع من فهم واستيعاب ما يقال بعقل منفتح وقلب سليم مجبولة باحترام وتقدير لما ينصت له حتى تتولد لديه رغبة وإرادة حقيقية واستعداد واضح إلى تغيير موقفه، رأيه، أفكاره، قناعته إذا اقتنع بما يسمع.
فالإنصات هو المرحلة الأعلى والأسمى من عملية السمع، فهي أعمق بكثير من أن يطبق المستمع شفتيه ويفتح أذنيه وينظر إلى محدثه بعينيه ويكتب بقلمه ملاحظاته، فكل ذلك جميل ولكن لا قيمة له إذا لم يكن مصحوبا بعقل متفتح وقلب مستبصر.

{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}

إذا كان المستمع قد اتخذ قرارا بعدم اعتبار، أو تدبر وتفكر بأي من الأفكار المطروحة من قبل المتحدث لاعتقاده وحكمه المسبق أنه لا قيمة ولا جدوى للأفكار المطروحة من قبل المتحدث فما جدوى الاجتماع أو المحادثة؟

إن الإنصات لا يتضمن فقط الانتباه إلى الكلمات المحكية ولكنه يشمل أيضا الانتباه إلى نبرة الصوت، وإلى حركات الجسد ويُقدّر علماء النفس أن:

7 % فقط من الاتصال يكون بالكلمات
38 % بنبرة الصوت
55 % بلغة الجسد

لقد عرّف ستيفن كوفي الإنصات الفعال في كتاب العادات السبع لأكثر الناس فعالية في باب العادة الخامسة: حاول أن تفهم الآخرين قبل أن تحاول إفهامهم بأن تنصت بأذنيك وبعينيك وعقلك وقلبك وهذا هو الأهم.

ثم أضاف أن الإنصات الفعال هو إنصات بتقمص ويعني: الإصغاء بنية فهم الآخرين، والنظر إلى الأمور من خلالهم، ومحاولة رؤية الأشياء بالطريقة التي يرونها بها، والتعرّف على مشاعرهم، وكأننا نتقمص شخصياتهم.

يقول ستيفن كوفي للأسف: «معظم الناس لا يستمعون بهدف الفهم، وإنما بهدف الرد"!

يمر الإنصات بست مراحل مهمة:
الاستماع: هو سماع الأصوات من مصدرها بانتباه حتى يتمكن من فهم واستيعاب ما يقال.

التفسير: وهو عملية تحويل الأصوات إلى معانٍ وأفكار وهي تتم في المخ.

الاستيعاب: وهو عملية فهم المعاني والأفكار وتتأثر هذه المرحلة بالخبرات والمستوى الثقافي والحالة النفسية للمستقبل وكذلك المعلومات الأخرى المساعدة والتي تصل للمخ من حاسة البصر، والتي تنقل الإشارات غير اللفظية المصاحبة للرسالة والتي يتم تفسيرها عند المعظم انها بحاجة إلى رد.

التذكر: وهي مرحلة مقارنة المعاني والإشارات بالمعلومات المختزنة لتحليلها والوصول إلى المعنى والمضمون ثم إضافة هذا المعنى إلى رصيد الذاكرة.

التقييم: وهى مرحلة تحدي المعنى الحقيقي (من وجهة نظر المستقبل) للرسالة والتي يتم على أساسها اتخاذ القرار برد الفعل المناسب.

الاستجابة: وهى المرحلة الأخيرة التي تظهر في صورة رد لفظي أو غير لفظي يوجه للمرسل، وهي الناتج النهائي لعمليات الاستيعاب والتذكر والتقييم.

ولكن قبل ذلك كله يبدأ الإنصات بعقل منفتح وقلب سليم لا تحدهما الحدود ولا تمنعهما الأمراض القلبية عن الإنصات الفعال.

من الأهمية بمكان تعلم مهارت الإنصات، فالإنصات هو سر من أسرار جذب القلوب، والإنصات على عكس المهارات المكتسبة الأخرى (قراءة، كتاب، حديث) هو نشاط معقد يحتاج إلى مهارات عاطفية وعقلية وجسدية يجب تعلمها والاعتياد عليها.

وصعوبة الإنصات تكمن في أن الانسان يستطيع نطق 125 كلمة بالدقيقة بينما العقل البشري يستطيع معالجة 800 كلمة بالدقيقة، لذلك لدينا متسع من الوقت لاستيعاب الكلمات التي نسمعها والتفكير في أشياء أخرى في نفس الوقت. لذلك علينا أن نبذل جهدا واعيا للإنصات ومواصلة الإنصات للمتحدث.

إن القائد الذي يستطيع أن ينصت ليفهم الآخرين أولا ثم يحاول إفهام الآخرين ثانيا يستطيع بناء مؤسسة رائدة ويستطيع تحقيق الأهداف المنوطة به وبذلك يتحول إلى قائد مؤثر كفء وفعال.
ولكي يستطيع القيام بذلك عليه أن ينمي مهارة الإنصات لديه وخلق الظروف الملائمة وتهيئة المناخ الصحي الذي يشجع الآخرين على إبداء الرأي و الرأي الآخر.
أنصتوا أيها القادة، تأسروا القلوب!

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

بين عقيدة الإسلام و”عقيدة الواقعية

للإسلام تفسيرٌ للواقع وتعاملٌ معه بناءً على علم الله به ومشيئته فيه، كما يثبتهما الوحي. …