كيف نحقق التوكل الصادق؟

الرئيسية » خواطر تربوية » كيف نحقق التوكل الصادق؟
muslim12

لا شك أنَّ التوكل على الله من عوامل الراحة النفسية، بل من أهم أسباب الرزق كما جاء في الحديث النبوي الشريف "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله؛ لرزقكم كما يرزق الطير: تغدو خماصًا، وتروح بطانًا" (رواه الترمذي)، والمعنى واضح، وعظيم.

إن الرزاق هو الله، شريطة صدق التوكل عليه بالأخذ بالأسباب، والسعي سعيًا صحيحًا بعيدًا عن التواكل والتنطع.

ونحن اليوم سنتحدث عن التوكل، وكيف نحققه في حياتنا.

بدايةً التوكل على الله كتعريف: هو الاعتماد، وتوكيل الله تعالى في جلب النفع والخير والرزق للمرء بحالة من التسليم الكامل، واليقين بقدرته – عز وجل - فلا مانع، ولا معطي، ولا رزاق إلا الله - سبحانه وتعالى - وعليه فتلك عقيدة قوية، ورحم الله (سعيد بن جبير) فقد مدح التوكل بكلمات بسيطة المعنى كبيرة الدلالة "إن التوكل جِماع الإيمان".

والسؤال المهم الآن: كيف نحقق التوكل على الله؟ والجواب: أن هذا الأمر يحتاج إلى خطوات، وأفعال يقوم بها المرء في حياته.
فمثلًا:

حسن العلاقة مع الله – عز وجل - من أهم عوامل تحقيق التوكل، وإلا دلني على شخص مُعرِض عن طريق ربه ويزعم أنه متوكل عليه، فهذا قمة الجهل، بل النقيض هو الأصل، فالبر وصلة الأرحام مثلًا، عملان يعظمان التوكل على الله في قلب المرء، فضلًا عن آثارهما العظيمة، وعليه فكلما كانت العلاقة بين العبد وربه قوية، كان التوكل موجودا، ويزداد داخل قلب العبد، بل ينمو ويكبر كلما قرُبت أكثر العلاقة، وبعُدت المسافات بينه وبين المعاصي.

إن التسليم الكامل لله – عز وجل - في أفراح العبد، وأتراحه، وأحزانه، وأوجاعه والرضا بالقدر التام النازل عليه، المكتوب له أيضًا، من علامات تحقيق التوكل في حياة المسلم، فالرضا بالقضاء والقدر مهم جدًا؛ للوصول إلى الراحة النفسية، فضلًا عن إنه من أركان الإسلام "والرضا بالقدر خيره، وشره" لذلك فالمسلم الواعي هو ذلك الذي يدرك إن كل أموره خير، فإن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له.

إن تحقيق التوكل يبعث في النفس حبَّ الله – عز وجل – و {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159] فالأمر عظيم الآثار.
كذلك فإن هذه العاقبة تدفع إلى المزيد من السعي؛ لجعل التوكل واقعًا حقيقيًا يحيا به المرء في حياته، وينعم بعظمة، ومثوبة يوم القيامة.

وهنا لا بد من نقطة حقيق علينا توضيحها، وهي أن الأخذ بالأسباب لا يتعارض مع التوكل، بل يجب على المسلم الواعي الأخذ بكافة الأسباب مهما كانت درجة قوته؛ لأن الأخذ بها واجب، لكن التوكل عليها غير صحيح، بل نأخذ بها ونتوكل على الله.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعقلها وتوكل"، فالجمع بين الأمرين من عوامل حسن الفهم والعمل معًا.

إن معرفة الإنسان حجمه أمام الله بالشكل الصحيح، تزيد من استقامته وتوكله الصادق؛ لأنه بذلك يركن إلى ركن مهيب، وعظيم، وهو الله - عز وجل - وعليه فالاعتراف بالضعف في حضرة الإله، وطلب المدد، والعون الدائم منه يجعل المرء ليس فقط متوكلًا، بل صادقًا في توكله على ربه.

ويقينًا ما خاب من توكل على الله أبدًا.

بقي أن نوضح للقارئ الحبيب الفارق بين التوكل على الله، والتواكل؛ لأن الأمر قد يختلط، ويحدث نوع من التداخل، أو عدم الوضوح، والفهم، وحتى لا نصَّعب الأمر، فإننا نقول ببساطة: التوكل هو توكل على الله عز وجل وتسليم كامل له بالقدرة على الرزق، والنفع، والضرر.

مع كامل الأخذ بالأسباب الحياتية، وتلك من علامات القوة عند الفرد.

أما التواكل: هو اعتماد وتسليم الأمر في النفع إلى المخلوقات، وتلك ترجمة لحالة الشخصية الضعيفة، فهي تعتقد إن فلان الميسور يملك رزقها، أو غِناها، أو سعادتها، أو أن يمنع عنها بلاء.

والأمر يقينًا ليس من الصواب في شيء.

ختامًا
نحن نبين، ونوضح الأمر من منظور (وذَكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)؛ أملًا وسعيًا إلى الوصول إلى مسلم قوي الإيمان بربه، متوكلًا عليه، مُدركًا "أنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وباحث مصري الجنسية، مؤلف عدة كتب فى التربية والتنمية "خرابيش - تربويات غائبة- تنمويات". مهتم بقضية الوعي ونهضة الأمة من خلال التربية.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …