متلازمة خلل العمل الجماعي

الرئيسية » بأقلامكم » متلازمة خلل العمل الجماعي
Teamwork concept

نحن نمر بأحداث جسام متسارعة يعجز العقل البشري عن فهم تبعاتها على مؤسسته سواء كانت تلك المؤسسة شركة تجارية أو حزبا سياسياً، ويجعل من العمل القيادي المتفرد أو العمل القيادي المركز بأيدي قلة قليلة من المؤسسة بمثابة انتحار جماعي بطيء.
من يقرأ ما كتب في القيادة و الإدارة خلال 20 سنة الماضية يدرك حجم التركيز من قبل الأخصائيين على قصور العقل البشري المتفرد و العقل الجمعي صاحب النسق الواحد عن فهم الواقع المتسارع للأحداث، ويدرك أيضا أن سر نجاح العمل في المؤسسات ليس في التمويل وليسفي الاستراتيجية وليس في التقنية وليس في حسن النوايا ولكن يبقى دائما وأبدا في العمل الجماعي الحقيقي.

يقول أحد القادة الناجحين "إذا استطاع القائد أن يحشد جميع الأشخاص في أي منظمة حول هدف واحد، يمكنه أن يحقق ذلك الهدف مهما كانت قوة المنافسين وميزاتهم".

معظم القادة يدركون أهمية العمل الجماعي ولكنهم في الوقت نفسه لا يعرفون لماذا تفشل محاولاتهم في بناء فريق عمل متناسق متجانس متكامل قادر على تحقيق الأهداف.

فالعمل الجماعي ضمن فريق متناسق متجانس متكامل نعمة من الله بها على المؤمنين وذكرهم بها إذ قال الله تعالى في محكم كتابه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103].

فتشكيل فريق للعمل الجماعي وتحويل الأفراد إلى نواة صلبة موحدة تتصرف كفريق واحد أمر نادر عمليا، فبالرغم من كل الاهتمام والتأكيد عليه لا يزال هدفا بعيد المنال لدى الكثير من المؤسسات وبالأخص في المؤسسات العربية حيث "تطغى الأنا" منذ زمن طويل على الشخصية العربية فهذه "الأنا" المتضخمة قد تكون مرضاً يستعصي على الشفاء، وهذه "الأنا المتضخمة" لا تبني مؤسسات ناهيك عن بناء وطن.

ولكن هذا لا يعني أن تحقيق العمل الجماعي أمر مستحيل، ففي الحقيقة ومن واقع تجارب المؤسسات أن بناء فريق عمل جماعي قوي أمر ممكن ولكنه أمر شاق و مرهق، "فالعمل الجماعي يتحقق فقط عندما يتغلب أفراد الفريق على نزعاتهم البشرية الذاتية التي تفسد فرق العمل وتولد صراعات وخلافات وتصدعات بين أفراد الفريق الواحد.

لقد ذكر باتريك لينسيوني في كتابه الذي حاز على لقب أفضل الكتب مبيعا في الولايات المتحدة وعنوانه

The Five Dysfunction of a Team

(العوامل الخمسة لخلل العمل الجماعي)

أن هناك خمسة أسباب تقف وراء فشل العمل الجماعي، وهذه الأسباب لا يمكن التعامل معها باعتبارها خمسة أسباب منفصلة يمكن معالجة كل واحد منها بمعزل عن الآخر، ففي الواقع أن هذه الأسباب مترابطة متلازمة لدرجة أن عاملا واحدا منها يمكن أن يقضي تماما على نجاح العمل الجماعي، كما أن ظهور واحد منها يكون نتيجة لعامل منها وسببا لعامل اخر، وأطلق على هذه العوامل الخمسة اسم (متلازمة خلل العمل الجماعي).

إن سلسلة (متلازمة خلل العمل الجماعي) تتألف من خمس حلقات متداخلة مع بعضها البعض وهي:

- عامل الخلل الأول هو غياب الثقة بين أعضاء الفريق، ودليل وجوده في المؤسسة هو خوفوعدم رغبة الأعضاء في المصارحة والمكاشفة وإبداء الرأي الآخر.

- عامل الخلل الثاني هو الخوف من الخلاف، ودليل وجوده عدم نقاش المسائل الخلافية بشكل جدي، فكري وحماسي مما يؤدي الى انتشار النفاق الاجتماعي حيث تبدو مظاهر الود والمحبة ظاهرة للعيان بينما المشاعر السلبية دفينة و غير ظاهرة، فالناس في السر غير الناس في العلن.

- عامل الخلل الثالث هو غياب الالتزام بتحقيق الأهداف والقرارات، ودليل وجوده فشل أعضاء الفريق في تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه والتهرب الدائم من إنجازه، وإشارته الكبرى كثرة الأعذارالتي يبديها أعضاء الفريق.

- عامل الخلل الرابع هو تجنب المساءلة، و دليل وجوده في المؤسسة هو تجنب مساءلة الفريق عما أنجزه من أعمال أو لم ينجزه، والاستعاضة عن ذلك بتقارير وردية لا ترتبط إلى الواقع بصلة، فلا تتم محاسبة المقصرين أبدا.

- عامل الخلل الخامس هو عدم الاكتراث بالنتائج، ودليل وجوده في المؤسسة هو تقديم المصالح الفردية لأعضاء الفريق على المصالح الجماعية، فتقدم ونجاح المؤسسة لا يعود للمهم، ويصبح المهم هو تقدم الأفراد و نجاحهم الشخصي، ولهذا نجد في المؤسسات التي تصاب بهذه المتلازمة إثراء أعضاء المؤسسة في حين المؤسسة تفلس وتفتقر تدريجيا.

إذا ظهر أي عارض من عوارض (متلازمة خلل العمل الجماعي) في المؤسسة ستظهر الأعراض المتبقية تباعا، وذلك يشبه إلى حد بعيد السبحة فإذا انفرط عقدها تناثرت جميع حباتها.

يستحيل لنا أن نعبر مما نحن فيه الآن إلى عالم أكثر إشراقا إلا بواسطة العمل الجماعي، فالرجل السوبرمان لم يعد موجودا إلا في عقول قلة مريضة، كما أن الإدارات التي تعتقد أنها صاحبة الوصاية على المؤسسات لم يعد لها وجود إلا في مؤسسات الدول الديكتاتورية والنظم الفاشلة، فاليوم نحن نعيش في عالم فرق العمل المتجانسة، المتناسقة والمتكاملة، والتكامل يحمل في طياته إدراك الإدارات والأفراد أنهم يعانون من قصور ذاتي يجب تكامله مع الأفراد و الإدارات الأخرى لتتحقق الأهداف المنشودة. لقد قالت العرب قديما (المرء قليلٌ بنفسه كثيرٌ بإخوانه، ضعيف بنفسه قوي بإخوانه، شديد بأعوانه).

________________________________

* باحث واستشاري في القيادة والإدارة وتنمية الذات

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

بين عقيدة الإسلام و”عقيدة الواقعية

للإسلام تفسيرٌ للواقع وتعاملٌ معه بناءً على علم الله به ومشيئته فيه، كما يثبتهما الوحي. …