مصطلح “تأثير الفراشة” ودوره في تغيير مسار الحياة

الرئيسية » بصائر تربوية » مصطلح “تأثير الفراشة” ودوره في تغيير مسار الحياة
Butterfly in Water

عندما سقط مسمار من حِدوة الحصان، سقطت الحِدوة من ساق الحصان، فتباطأ الحصان في سيره، فتأخر الفارس عن توصيل الرسالة المهمة التي تم تفويضه بتوصيلها لقائد جيش العدو، فاتخذ العدو قراراً بحرب ضروس ترتب عليها سقوط المملكة التي منها الفارس.
‏إن هذه المقدمة عادة ما يتم ذكرها لبيان معنى مصطلح "تأثير الفراشة" وكيف أن أبسط التغيرات أو أصغر نقاط الخلل قد تؤدي إلى نتائج كبيرة لا تحمد عُقباها.

أولاً: مصطلح "تأثير الفراشة" ونشأته

مصطلح "تأثير الفراشة" هو مصطلح مجازي استعمله عالم الرياضيات الأميركي إدوارد نورتون لورنتز لأول مرة في عام 1963م، وهو تعبير يصور سلوك ديناميكية الكون، ويصف الترابط والتأثير المتبادل الناتج عن فعل صغير جداً وأنه ينتج عنه سلسلة أحداث متتابعة ومترابطة.
تنص نظرية "أثر الفراشة" على أنه "لو قامت فراشة بتحريك جناحيها في مكان ما في العالم يمكن أن تتسبب في حدوث إعصار في مكان آخر من العالم".

قد تبدو هذه فرضية غير واقعية فكيف يمكن أن يتسبب تغيير طفيف كتحريك الفراشة لجناحيها في حدوث شيء ضخم كالإعصار! ولكن الواقع يؤكد ذلك من خلال إسقاط هذا المفهوم على حياة الأفراد وعلى مجالات الحياة المختلفة.

ثانياً: أثر مصطلح "تأثير الفراشة" في حياة الأفراد

إن النفوس البشرية ليست قوالب جامدة، والتعامل مع البشر ليس فيه ما هو متفق عليه، لذا يجب أن نتعامل مع كل المحيطين بنا بكل تؤدة وحذر بما يضمن سلامة العلاقة الإنسانية القائمة على إشاعة الحب وبث روح الأمل، ونبذ الكراهية واقتلاع كل ما يُعكر النفوس، ويُدمي القلوب، مهما رأيناه بسيطاً هيِّناً.

يجب أن نتعامل مع كل المحيطين بنا بكل تؤدة وحذر بما يضمن سلامة العلاقة الإنسانية القائمة على إشاعة الحب وبث روح الأمل، ونبذ الكراهية واقتلاع كل ما يُعكر النفوس، ويُدمي القلوب، مهما رأيناه بسيطاً هيِّناً

إن أثر مصطلح "تأثير الفراشة" في حياة الأفراد ينبهنا إلى أن كلمة توبيخ من أب لطفله الصغير أمام زملائه أو أمام الضيوف قد تغير مسار حياته للأسوأ تغييراً جذرياً.

وأن صفعة من أم على وجه طفلتها الصغيرة قد تتسبب للطفلة في مشكلة نفسية تعاني منها للأبد.

وأن سخرية مُعلم من تلميذه أمام زملاء الفصل قد يُطفئ نبوغ هذا التلميذ ويحوله من عبقري في مجال نادر إلى مجرم شديد الإجرام.

إن كل هذه التصرفات التي نظنها عفوية وبسيطة ولا نلقي لها بالاً تُحدث تشويهاً في معالم النفس، وتمثيلاً بأهداب المشاعر، وشروخاً في جدار الروح يستعصي على الأيام أن ترممها.

فتش في حياة رجل سادي شرير، ستجد أنه تعرض في مرحلة ما من مراحل حياته لشكل من أشكال الضغط النفسي لم يستطع أن يقاومه أو أن يحد من قسوته، وما إن أتيحت له الفرصة حتى تحول إلى إنسان ميت القلب، متبلد المشاعر، لا يتأثر بتأوهات الآخرين ولا بأناتهم.

وفتش في تاريخ امرأة تتصابى بتصرفات لا تليق بمرحلتها السنية ولا بوضعها الاجتماعي، ستجد أنها قد مرت في مرحلة ما من مراحل حياتها لشكل من أشكال الحرمان، وما أن أتيحت لها الفرصة حتى نفثت هذا الحرمان، ولكن بعد فوات الأوان، فما ترى منها سوى تصرفات متناقضة وأفعال متهتكة لا تليق بمن هن في سنها ولا بمن هن في مكانتها.

وهناك أفراد لا يستطيعون التخلص من أثر ما أصابهم من آثار نفسية فيسلمون زمام أنفسهم للآخرين ويعيشون إمعة لا يملكون من أمور أنفسهم شيئاً!!

إن الجاني على كل هؤلاء ربما ينسى ما قدمت يداه، أو يبرر له، ولكن الحقيقة التي لا تغيب هي أنه ترك ركاماً من الألم النفسي لا يطيب، وجروحاً تأبى أن تندمل مع مرور الأيام.

إن "تأثير الفراشة" هو الخطوة الأولى في مشوار الألف ميل!!

وهو تلك الشرارة المتطايرة من سيجارة التي تسبب حريقاً يلتهم الأخضر واليابس!!

وهو السيجارة الأولى التي تعاطاها الشاب فكانت سبباً في إصابته بالإدمان أو بمرض السرطان!!

وهو القبلة الأولى التي استهانت بها فتاة فجعلت منها امرأة لعوب!!

قال ابن المعتز: لا تحقرنّ صغيرة إن الجـبال من الحصـى.

وقال محمود درويش: أَثر الفراشة لا يُرَى ... أَثر الفراشة لا يزولُ.

ثالثاً: تأثير مصطلح "تأثير الفراشة" في مجالات الحياة المختلفة

إن مصطلح "تأثير الفراشة" قد يظهر واضحاً في المجال السياسي، فنشر إشاعة بسيطة ليلة الاقتراع كفيلة بتغيير نتائج التصويت تغييراً جذرياً ضد مرشح ولصالح آخر.

وفي المجال السياسي أيضاً، يكفينا أن نعلم أن الحرب العالمية الأولى التي أحدثت خراباً ودماراً لم تشهدهما البشرية من قبل، والتي أدت الى مقتل 8 مليون شخص وتشريد ما يقرب من 30 مليون شخص آخرين حول العالم، كان سببها مقتل رجل واحد وهو ولي عهد النمسا "فرانز فرديناند"، لكن حركة اغتياله كانت الشرارة الأولى التي أدت إلى هذه الحرب أو كانت سبباً لتحريك جناح الفراشة.

وفي المجال الثوري يتبع الثوار نظام "تأثير الفراشة" كأحد الوسائل الثورية التي تحدِث صدى كبيراً وانتشاراً واسعاً، كما تحدِث إرباكاً كبيراً للخصم، فانتشار مائة فراشة في مائة نقطة وكل نقطة بها مائة ثائر أفضل بكثير من تجمع عشرة آلاف ثائر في نقطة واحدة يمكن فض من فيها بالقوة، أو تطويقها والإمساك بكل الموجودين.

وفي مجال الاقتصاد فإن خبراً نراه تافهاً أو حدث نعتبره بسيطاً قد يترتب على هذا الخبر أو ذاك الحدث تحركاً في مؤشر البورصة "سلباً أو إيجاباً"، فتطفو على السطح شركات مغمورة، وتعلن إفلاسها شركات أخرى رائدة وعملاقة.
وفي مجال الجيولوجيا فإن انشقاقاً لا يُذكَر في قشرة الأرض قد ينتج عنه كارثة طبيعية فادحة، وذلك عبر انتقال الاهتزاز وتضاعُف حجمه، وتسلسُل انتقاله من مكان لآخر.

رابعاً: كيف نستفيد من نظرية "تأثير الفراشة" في حياتنا

إن لكل إنسان منا آمال مؤجلة وطموحات يتمنى لو كان لديه الوقت لتحقيقها، والواقع يقول أن هذه الآمال تظل كما هي دون تحقيق، وتلك الطموحات تصبح مع مرور الوقت في طي النسيان، ولو استخدمنا نظرية "تأثير الفراشة" لأصبح الحال أفضل من ذلك بكثير.

إذا كان من الصعب عليك أن تنقل صخرة كبيرة من مكانها قم بتفتيتها إلى أجزاء صغيرة يسهل عليك حملها!

إذا كنت تجد صعوبة في ممارسة الورد الرياضي، واظب على الحد الأدنى منه ولكن لا تهمل ممارسة الرياضة!

إذا كنت لا تجد وقتاً للقراءة الحرة، تابع مقالاً يومياً في صحيفة أو مجلة، بحيث يكون كاتب المقال مشهود له بدقة الفهم، وغزارة العلم، وسعة الأفق!

إذا كنت لا تجد وقتاً للزيارات الاجتماعية، تذكر تواريخ المناسبات الخاصة بأقاربك وأصدقائك ومعارفك وقم بإرسال رسالة خاصة لأحدهم أو اتصل تليفونياً لتشارك أحدهم مناسبته!

إن كل ذلك ليس اختلاقاً للأعذار ولا استسلاماً للواقع ولكن (ما لا يُدرك كله لا يُترك كله).

عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: "سَدِّدُوا وقارِبُوا، واعْلَمُوا أنْ لَنْ يُدْخِلَ أحَدَكُمْ عَمَلُهُ الجَنَّةَ، وأنَّ أحَبَّ الأعْمالِ إلى اللَّهِ أدْوَمُها وإنْ قَلَّ" (صحيح البخاري).

خامساً: قصة رمزية :احذر من تحريك الوتد!

يُقال أن إبليس أراد الرحيل من مكان كان يسكن فيه مع أبنائه فرأى خيمة فقال لا أغادرن حتى أفعلن بهم الأفاعيل...!!

ذهب إبليس إلى الخيمة فوجد بقرة مربوطة بوتد، ووجد امرأة تحلب هذه البقرة، فقام بتحريك الوتد...

خافت البقرة وهاجت فانقلب الحليب على الأرض، ودهست البقرة ابن المرأة الذى كان يجلس بجوار أمة وهي تحلب البقرة فقتلته...
غضبت المرأة لموت ابنها فضربت البقرة ضربة أودت بحياتها...

جاء الزوج فرأى أن طفله قد مات، والبقرة التي هي مصدر رزق أسرته قد ماتت، فضرب زوجته ضربة أودت بحياتها هي الأخرى...

عندما علم أهل الزوجة بمقتل ابنتهم قاموا بقتل الزوج...

وعندما علم أهل الزوج بمقتل ابنهم قاموا بالاشتباك مع أهل الزوجة...

تعجب أبناء إبليس وسألوا والدهم ويحك ما الذي فعلت!!

قال لا شيء، فقط (حرَّكت الوتد).

إن حركة الوتد التي ترتب عليها قتل الطفل، وقتل البقرة، وقتل الزوجة، وقتل الزوج، واقتتال العائلتين، هي "تأثير الفراشة" الذي قد يُستهان به، ولكنه كما رأينا يفعل الأفاعيل!!

أخيراً أقول:

إذا كانت حركة جناح الفراشة لها تأثير في هذا الكون الفسيح، فالواجب على كل واحد منا أن يسأل نفسه (ما الأثر الذي أحدثته أو أحدثه أو سأحدثه في هذا الكون، وأنا خليفة الله في أرضه)، وأنا أتعبد بتلاوة قوله تعالى: {..وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: من الآية 12].

وأقول:

صدق الرافعي رحمه الله حين قال: "إذا لم تزد على الحياة شيئاً فأنت زائدٌ عليها".

وصدق من قال: "إذا كنت صفراً فكن ذا قيمة".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
خبير تربوي وكاتب في بعض المواقع المصرية والعربية المهتمة بالشأن التربوي والسياسي، قام بتأليف مجموعة من الكتب من بينها (منظومة التكافل في الإسلام– أخلاق الجاهلية كما صورها القرآن الكريم– خير أمة).

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …