الاجتهاد: النَّص، الواقع، المصلحة

الرئيسية » كتاب ومؤلف » الاجتهاد: النَّص، الواقع، المصلحة
201152

تُعد قضية الاجتهاد، واحدة من أكثر القضايا التي رافقت هذا الدين (الإسلام) منذ نزول أول آيةٍ على الرسول الكريم -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وحتى الآن؛ فقد شاء اللهِ بحكمته عز وجل أنْ يأتي النَّص القرآني عامًّا في غالب الأحوال، لضمان صلاحيته لكل زمانٍ ومكان.

وحتى وقت وجود النبي -عليه الصلاة والسلام- على قيد الحياة، ووجود الوحي؛ فإنَّ إدارة أمور المسلمين، بكل مشتملاتها، تطلَّب الاجتهاد مع حكمة اللهِ تعالى في أنْ يظلَّ هناك مُستغلقَات لا يشملها النَّص القرآني، وحتى النَّص النبوي بعد جمعه بعد وفاة الرسول -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- من أجل استمرار العقل المسلم في أداء وظائفه، ولضمان التجديد المستمر، في ظل عِلم الخالق عَز وجل بصيرورات الحياة الدنيا، ومستجداتها الدائمة.

وكان الاجتهاد -ولاسيما في أوقات الأزمات المفاجئة والظروف الطارئة، والأحوال المُستَجَدَّة- ممارسة تلقائية بالنسبة للفقيه المسلم، وكانت هناك جرأة كبيرة من الفقهاء والأئمة بالذات في الأحوال التي تواجه فيها الأمة خطرًا كبيرًا، مثلما فعل ابن تيمية وقت هجوم المغول والتتار على المشرق الإسلامي والقلب العربي منه.

بل كان بدهية؛ لأن من أبجديات تفسير القرآن الكريم عند أي فقيه أو عالِم، هو الاجتهاد، فلا يمكن فهم القرآن الكريم من دون اجتهاد.

لذلك من قبيل الاستغراب بالفعل أنْ نجد كل هذه الإشكاليات والمحاذير الموضوعة على الاجتهاد، ووضع بعض مدارس الفقه والفكر الإسلاميين محاولات التجديد والبحث عن حلول للمسائل المُستَجَدَّة، ضمن سياق البدعة المنبوذة.

ولذلك، اهتمت الصحوة الإسلامية الحديثة -سواء في مرحلتها الأولى، في نهايات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، أو المرحلة الثانية، بدءًا من منتصف السبعينيات الماضية- بإعادة الاعتبار لقيم فُقِدَت في قرون التراجع والتخلُّف الحضاري للأمة، مثل الجهاد والاجتهاد.

وبين أيدينا كتاب يناقش قضية الاجتهاد، في إطار ثلاثة أركان محددات له، وهي: النَّص والواقع والمصلحة، بينما يمكن إضافة ركنٍ رابعٍ، وهو المُجتَهِد نفسه، والذي يتطلَّب إعداده سلسلةً من الجهود العلمية الواسعة، وطويلة المدى.

الكتاب عبارة عن بحثَيْن: أولهما/ والذي أخذ الحيِّز الأكبر من صفحاته، كان للمفكر المغربي، الدكتور أحمد الريسوني، والثاني/ للكاتب السوري محمد جمال باروت، أخذ كل بحثٍ منهما قسمًا من الكتاب، ثم قسم ثالث لتعقيب كليهما على بحث الآخر.

الكتاب كان تجربة مهمة من دار الفكر العربي بدمشق؛ حيث إنَّها أصدرت هذه السلسلة، "حوارات لقرنٍ جديدٍ"، كإصدارٍ جديد؛ فقد أخذت كتبه في الغالب صورة المناظرات، ولكن بشكل مكتوب؛ فكانت تعمد الدار إلى استكتاب أكثر من كاتب لوضع بحثٍ في مجال موضوعي بعينه، ثم ترك المجال لكل كاتب للتعقيب على الآخر.

مع الكتاب

البحث الذي قدَّمه الدكتور الريسوني ركَّز أولاً على نقطة الدفاع عن "الاجتهاد"، ونبذ الاتهامات التي أُلصِقَت به بسبب أخطاء المجتهدين، كما أنَّه اهتم شديد الاهتمام بتبيان ثلاث نقاط تضع الأمور في نصابها:

 النقطة الأولى/ إيضاح المفاهيم المتعلقة بالاجتهاد، واشتراطاته.

 النقطة الثانية/ صلاحية المجتهد وضوابط عمله.

 النقطة الثالثة، فقه الواقع والمصلحة، مع مركزية مهمة لديه لما قاله الإمام الشاطبي في هذا الصدد.

وفي إطار تصدِّيه للدفاع عن الاجتهاد كضرورة من ضرورات مرافقة التطور في أمور الإنسانية ومستجدات أحوال الأمة، فإنَّه لم يحاول أن ينكر على الأجيال الجديدة مراجعة وإعادة ضبط وتدقيق اجتهادات الأجيال والقرون السابقة.

وكانت النقطة المركزية لديه في هذا الصدد، هو التصدِّي لدعاة غلق باب الاجتهاد، والتأكيد على أنَّ هذه الدعوات، هي مجافاة لمنطق التطور الإنساني.

أما باروت، فقد كان مركِّزًا على فقه الواقع، وأكَّد على أنَّ أهم ما ينبغي على المجتهدين المعاصرين الاهتمام به، هو الواقع القائم، وإيجاد إجابات على الأسئلة التي تطرحها المُستجدَّات.

وهو بدوره يضع اعتبارات المصالح المُرسَلة على قائمة محددات الاجتهاد، ربما على حساب النَّص بشكل مُباشِر، وهو ما خالف فيه الريسوني، الذي وضع مركزية أساسية للنَّص.

وبالتالي؛ فإنَّ كليهما لا يخالف الآخر في ضرورة الاجتهاد، وإنَّما رفض باروت الضوابط التي أتى بها الريسوني وشدد عليها للاجتهاد؛ فقد رآها باروت معوِّقة بشكل من الأشكال لحرية أكبر لحركة الاجتهاد، بينما رفض الريسوني بالكُلِّيَّة ما وصفه بدعوة باروت إلى الاجتهاد المطلق.

الكتاب في نهايته، وضع الناشر 20 صفحة، كتعاريف ومصادر أساسية، من إعداد محمد صهيب الشريف.

شمل هذا الثبت من التعاريف، تراجم موسَّعة نسبيًّا لبعض رموز الاجتهاد في التاريخ الإسلامي، مثل: ابن تيمية وأبو حنيفة النعمان وابن رشد، مع طائفةً من التعاريف الاصطلاحية، العامة مثل فلسفة العلوم، والخاصة التي تتعلَّق بصُلب موضوع الكتاب، مثل الاستحسان والإجماع والاستنباط.

وبشكل عام؛ فإنَّ الكتاب جديرٌ بالقراءة، ويُعد مع سلسلته تجربة لم تسبق إليها أيٌّ من دور النشر العربية، ولكنها للأسف الشديد مثل تجارب كثيرة في مجال النشر في الالم العربي، ولاعتبارات كثيرة، تمويلية وسياسية، لم يُكتَب لها الاستمرار.

الدكتور الريسوني من مواليد العام 1953م، هو عضو مؤسس ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وكان سابقًا نائب رئيس الاتحاد، وهو أيضًا عضو المجلس التنفيذي للملتقى العالمي للعلماء المسلمين، برابطة العالم الإسلامي، والأمين عام سابق لجمعية خريجي الدراسات الإسلامية العليا، ورئيس رابطة المستقبل الإسلامي بالمغرب بين العامَيْن 1994م و1996م، ورئيس حركة التوحيد والإصلاح بالمغرب بين العامَيْن 1996م و2003م، والمدير المسؤول لجريدة "التجديد" اليومية بين العامَيْن 2000م و2004م.

اهتم في أدبياته بقضية المقاصد والمصلحة في الشريعة الإسلامية، وأثرها على الفقه الإسلامي، ومن بين نتاجاته العلمية المهمة في هذا المقام، "نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي"، وتُرجِم إلى اللغات الفارسية والأوردية والإنجليزية، و"نظرية التقريب والتغليب وتطبيقاتها في العلوم الإسلامية"، و"مِن أعلام الفكر المقاصدي"، و"مدخل إلى مقاصد الشريعة".

أما محمد جمال باروت، فهو باحث سوري، ويعمل باحثًا مشاركًا، ورئيسًا لدائرة البحوث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، وهو متخصص في التاريخ الاجتماعي والسياسي السوري الحديث، كما عمل مديرًا ومستشارًا في مشروعات عدة تابعة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في سوريا.

له دراسات وبحوث وكتب عديدة في التعليم، والتنمية البشرية، وقضية التنمية والسكّان، والهجرة الخارجية للسوريين، والاستشراف المستقبلي لمسارات التنمية.

ومن أدبياته، "العقد الأخير في تاريخ سورية: جدلية الجمود والإصلاح" و"التكون التاريخي الحديث للجزيرة السورية: أسئلة وإشكاليات التحول من البدونة إلى العمران الحضري"، و"حملات كسروان: في التاريخ السياسي لفتاوى ابن تيمية".

بيانات الكتاب:

اسم المؤلف: أحمد الريسوني ، محمد جمال باروت
اسم الكتاب: الاجتهاد: النَّص، الواقع، المصلحة
مكان النشر: دمشق
الناشر: دار الفكر بدمشق
تاريخ النشر: 2000م
الطبعة: الطبعة الأولى
عدد الصفحات: 208

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
"باحث مصري في شئون التنمية السياسية والاجتماعية، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة القاهرة عام 1997م، كاتب في موقع "بصائر"، عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "القدس" الشهرية، التي كانت تصدر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير دورية "حصاد الفكر" المُحَكَّمة، له العديد من الإصدارات، من بينها كتب: "أمتنا بين مرحلتين"، و"دولة على المنحدر"، و"الدولة في العمران في الإسلام"، وإيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط"، وأخيرًا صدر له كتاب "أسس الحضارة والعمران في القرآن الكريم"، وله تحت الطبع كتاب بعنوان "الدولة في العالم العربي.. أزمات الداخل وعواصف الخارج".

شاهد أيضاً

تراث القدس.. سلوة النفس

يعد هذا الكتاب القيّم تراثًا مقدسيًّا فلسطينيًّا مبسّطًا - إلى حد ما - ومجمّعًا بطريقة …