*التمكين منبع الثقة*
لقد أصبحت أمازون الأولى على العالم في مبيعات التجزئة، و بذلك هي ثاني أكبر شركة في تاريخ أمريكا بعد شركة ول مارت، متصدرة شركة إكسون موبيل النفطية، و أصبح مالكها جيف بيزوس الرجل الأغنى في العالم بثروة تصل إلى 179 بليون دولار.
إن حجم مبيعات شركة أمازون السنوي يصل إلى 350 مليار دولار وهو أكبر من مبيعات جميع دول الخليج من الطاقة و يعادل أكثر من نصف مبيعات دول أوبك مجتمع!
لقد استطاعت أمازون أن تصل إلى هذه الدرجة كما يقول صاحبها و مدراؤها بفضل كثير من الميزات و التي يأتي على رأسها *تمكين الموظفين*، ففي الصحفة الاولى من كتيب التعريف عن أمازون نجد:
Our culture
Our Leadership Principles empower us to be owners and innovators while maintaining our customer centricity. We’re willing to take risks – innovating requires failing.
ثقافتنا المؤسسية
إن مبادئنا القيادية تمكنا من التصرف كمالكين مبدعين للشركة هدفنا الأول رضى الزبائن، فمبادئنا القيادية تمكننا من القيام بالمجازفة و المخاطرة دون خوف من الفشل و عواقبه، فنحن نؤمن أن الفشل هو ليس عكس النجاح ولكنه جزء لا يتجزأ من الإبداع و الابتكار و النجاح.
_ترجمة للمعنى بتصرف_
هذه ثقافة أمازون التي سمحت لها أن تتخطى خلال 15 سنة شركات أكبر منها عمرا و أكثر منها انتشاراً، هذه الثقافة التي تعتمد التمكين الفعال امتدت من تمكين البشر إلى العمل على تمكين "الروبوتس"
من أعمدة نجاح أمازون في السنوات العشر الاخيرة هو إدخالها نظام التخزين و الاسترجاع الآلي "كيفا". يتألف نظام "كيفا" من 45 ألف روبوت مستقل ذاتي الحركة في 20 مخزن في العالم.
تقوم روبوتات كيفا على اتخاذ القرارات الذاتية بدون تدخل بشري أو تدخل من جهاز الكمبيوتر الرئيسي، حيث التعليمات الوحيدة التي يحتاجها هو ماذا ينقل و لمن ينقله، وسيختار الروبوت الطريقة الأسرع و الأوفر و الأقل تكلفة لفعل ذلك دون أي تدخل بشري وبسبب هذه الاستقلالية تذكر شركة أمازون انها توفر 26 مليون دولار في كل مخزن من مخازنها الـ20.
وهكذا يكتمل الضلع الثالث من أضلاع مثلث برمودا المؤسسي الذي تختفي فيه المؤسسات:
• غياب التمكين الفعال
• غياب الإنصات
• غياب العدالة
من أقسى و أمر الأمثلة على غياب التمكين هو ما حصل في حرب فلسطين عام 1948 و الذي يعرف ب"ماكو أوامر" التي يتوارثها الفلسطينيون من جيل إلى جيل. "ماكو أوامر" هي عبارة قيلت في ظرف معين، وخلال حادثة واحدة ولكنها تختصر غياب التمكين بأبشع صوره و سلب الإرادة المطلق، قيل إن هذه الجملة كانت قد قيلت على لسان القائد العراقي في منطقة جنين، بعد المعركة الباسلة التي خاضها وجنده، وانتصاره على قوات "الهاغاناه" الصهيونية، عندها طالبه الفلسطينيون بأن يتقدم الجيش العراقي نحو القرى العربية شمالا من أجل استعادتها من الاحتلال حيث أصبحت الطريق مفتوحة و الهزيمة الصهيونية مؤكدة، فأجابهم القائد: "ماكو أوامر"!
ذكرت مجلة هارفرد بزنس ريفيوا أن التمكين (التقوية و التعزيز لغويا): عرّفه تقرير للبنك الدولي بأنه "توسيع قدرات وإمكانات الأفراد في المشاركة والتأثير والتحكم والتعامل مع المؤسسات التي تتحكم في حياتهم، إضافة إلى إمكانية محاسبة هذه المؤسسات و القائمين عليها".
في المجال الإداري و الإجرائي، يقوم التمكين على منح الموظفين السلطة وفرص المشاركة في صنع القرارات بحرية و استقلالية، هو عملية تفويض الفرد للتفكير والتصرف واتخاذ الإجراءات والتحكم في اتخاذ القرارات بطرق الاكتفاء الذاتي و الاستقلالية الواسعة.
يوفر التمكين العديد من المزايا التنافسية ومنها على سبيل المثال:
1. زيادة الاستجابة التنظيمية
2. زيادة الإنتاجية
3. زيادة درجة الالتزام المؤسسي.
ولكي يستطيع القائد أن يجعل من التمكين الفعال جزءاً لا يتجزأ من الثقافة المؤسسية عليه القيام بالخطوات التنفيذية التالية:
تنمية مهارات الموظفين: عن طريق التدريب و التطوير المؤسسي والتجربة العملية ومنحهم المساحة الكافية و الفرصة لإبراز مهاراتهم القيادية في العمل المؤسسي.
تحديد أهداف ذكية واضحة: على القائد أن يحدد أهدافاً ذكية لكل موظف و الهدف الذكي هو هدف:
- محدد
- قابل للقياس
- قابل للتحقيق
- مرتبط بالواقع
- مقيد بزمن.
تشجيع الأمان المؤسسي: مرة تلو أخرى نجد أن حرية التعبير عن الرأي المخالف وحمايته هو من أهم أسباب نجاح المؤسسات.
منح الموظفين الحكم الذاتي: عندما تفوض الموظفين لا تفعل ذلك مقتنعا أن عليهم القيام بالعمل وفق طريقتك الخاصة، على القائد أن يؤمن أن هناك طرقاً أخرى مختلفة للعمل.
دعم التعلم و التطوير: على القائد تأمين الموارد المادية و المساحة القيادية لتدريب و تجريب المهارات الجديدة للموظفين. من أقسى ما قرأت ما قاله أحد الفلاسفة: من أمضى ثلاثة أيام و لم يضف إلى مخزونه المعرفي معلومة جديدة فاعلم أنه سيصبح إنساناً تافها خلال شهر واحد!
تطوير فريق فعال: إحدى الأدوات المهمة لتطوير فريق فعال هو تمكين الموظفين من اتخاذ قراراتهم دون تدخل أو وصاية مباشرة أو حماية من القائد.
مرونة في اتجاه الأخطاء: ابتعد عن إلقاء اللوم على الموظفين في حال الفشل و غير نظرتك للفشل من مصيبة إلى نقطة تعليم و تعلم. فالفشل خطوة في طريق النجاح و ليس عكس النجاح، فمن يعمل يخطىء فقط الجالسون في أماكنهم لا يخطئون.
توفير مساحة للنمو: لا تجعل من "عزرائيل" الأداة الوحيدة للإفساح القيادي، إذا لم تفسح مجالا لنمو الطاقات الجديدة و البدائل القيادية فأنت تساهم بفعالية بالقضاء على المؤسسة.
كن دائما الثناء، قليل الشكوى: الثناء هو أحد أقوى الهدايا التي يمكنك تقديمها لموظفيك، إنه يعطيهم الدافع للاستمرار، كافئ أصحاب العروض الرائعة وقدم ابطالاً جدداً للمشاريع ولا تحتكر النجاح لنفسك و تترك الفشل للآخرين. امدح بكرم و سخاء و انتقد ببخل و شح.
عزيزي القائد
نحن بحاجة إلى مزيد من القادة الذين لديهم الحكمة و التواضع لمواجهة أنفسهم و الشجاعة للخروج من منطقة راحتهم و تجاوز مخاوفهم على مواقعهم و مناصبهم، بحيث يقوموا بتوظيف أشخاص أكثر ذكاء منهم، و يقومون بإفساح المجال طوعا وليس كرها بواسطة "عزرائيل" لنمو قيادات مؤسسية جديدة.
عزيزي القائد
نحن بحاجة إلى مزيد من القادة القادرين على تخطي أكبر عائق شخصي يواجهونه وهو الأنا المتضخمة، فيقاوموا و يهزموا رغبتهم بأن يكونوا الشخص الأذكى و الأقوى في مؤسساتهم، فلا يقلقوا من فكرة إحاطة أنفسهم بفريق عمل ذكي مبدع ولا يخشوا من إفساحهم المجال للقيادات الصاعدة.
عزيزي القائد
تذكر دائما قول ستيف جوبس : "من غير المنطقي أن توظف الأذكياء ثم تخبرهم بما عليهم أن يفعلوا! نحن نوظف الأذكياء لكي يُخبرونا هم بما علينا أن نفعله".
أخيرا أيها القادة: أفسِحوا يَفسحِ اللَّهُ لَكُم.