إننا لا نجد عاقلاً يُنكر ضوء الشمس، ولا نجد عاقلاً يُنكر عذوبة مياه النهر، كذلك لا نجد عاقلاً ينكر نبوة المصطفى ﷺ، مهما كانت ديانته ومهما كان ما يعتنقه من فكر وثقافة، ومن يفعل ذلك فإن في قلبه ضغينة وفي عقله لوثة من خبال.
قد تُنْكِرُ العَيْن ُضَوْءَ الشَّمْسِ مِنْ رَمَدٍ *** وينكرُ الفـمُ طعمَ الماءِ مِن َسَقمِ
إن المنصفين من قادة وعلماء وأدباء ومفكرين وفلاسفة العالم أجمع -مع اختلاف مشاربهم- يوقنون أنه لو تجرأ واحد منهم على أن ينال من قدر المصطفى ﷺ فإنه بذلك ينسف تاريخ نفسه كاملاً من القواعد، بل ويوقن أنه يكتب بنفسه شهادة وفاة تاريخه مهما قدم للبشرية من جهد ومهما خلف من تراث وعلم وثقافة.
إن شهادات المنصفين في حق النبي الأمين ﷺ لم تكن يوماً خبط عشواء ولكنها ناتجة عن دراسة موضوعية مستفيضة لسيرة وحياة النبي ﷺ، لذلك استحقت هذه الشهادات أن تكون نموذجاً يُحتذى وأن ينظر إليها بعين الاعتبار كل باحث عن الحقيقة في عالم يموج بفتن كفتن الليل المظلم.
من هذا المنطلق نجد أنه ما من منصف من قادة وعلماء وأدباء ومفكرين وفلاسفة العالم إلا وتحدث حديثاً يليق بقدر النبي ﷺ ورفعة مقامه.
إن المنصفين من قادة وعلماء وأدباء ومفكرين وفلاسفة العالم يوقنون أن المصطفى ﷺ غني عن شهاداتهم وهو الذي شهد له ربه من فوق سبع سماوات، وقرن اسمه سبحانه وتعالى باسم حبيبه ومصطفاه ﷺ، وشهدت له الملائكة، وشهد له أنبياء الله ورسله، وشهد له الأصفياء الأتقياء الأنقياء من أتباع كل ملة وديانة.
في موضوعنا هذا سيقتصر الحديث عن شهادات المنصفين الفرنسيين في حق النبي الأمين ﷺ وذلك بمناسبة حملة الإساءة التي تشنها فرنسا راعية الصليبية وحاضنة الشواذ أو كما يقول المثل الانجليزي "مرحاض أوروبا"، حيث يقول المثل الانجليزي "لو كانت أوروبا منزلاً لكانت بريطانيا هي البهو وإيطاليا هي المطبخ وفرنسا هي المرحاض".
تنويه لابد منه
يجب التنويه إلى أنَّنا سنقوم بَنقُل شهادات المنصفين بألفاظِهم وعباراتِهم التي ذكروها حسب تراثهم الثقافي والدِّيني والفِكري، وإن كان هناك من الألفاظ والتعبيرات ما يجب التحفظ عليها إلا أن أمانة النقل تحتم علينا أن ننقل شهاداتهم كما ذكروها.
1- شهادة المفكر الفرنسي لامارتين
إذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة، فمن ذا الذي يجرؤ أن يقارن أيا من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد (ﷺ) في عبقريته؟ فهؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة وسنوا القوانين وأقاموا الإمبراطوريات. فلم يجنوا إلا أمجادا بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانَيْهم. لكن هذا الرجل (محمد ﷺ) لم يقد الجيوش ويسن التشريعات ويقم الإمبراطوريات ويحكم الشعوب ويروض الحكام فقط، وإنما قاد الملايين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم حينئذ. ليس هذا فقط، بل إنه قضى على الأنصاب والأزلام والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة.
ويقول: هذا هو محمد (ﷺ) الفيلسوف، الخطيب، النبي، المشرع، المحارب، قاهر الأهواء، مؤسس المذاهب الفكرية التي تدعو إلى عبادة حقة، بلا أنصاب ولا أزلام. هو المؤسس لعشرين إمبراطورية في الأرض، وإمبراطورية روحانية واحدة. هذا هو محمد (ﷺ).
بالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية، أود أن أتساءل: هل هناك من هو أعظم من النبي محمد (ﷺ)؟
ويقول لامارتين في كتاب "السفر إلى الشرق": أعظم حدث في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله محمد دراسة واعية، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود.
أي رجل أدرك من العظمة الإنسانية مثلما أدرك محمد، وأي إنسان بلغ من مراتب الكمال مثل ما بلغ، لقد هدم الرسول المعتقدات الباطلة التي تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق.
كما يقول أيضاً: "إذا أردنا أن نبحث عن إنسان عظيم تتحقق فيه جميع صفات العظمة الإنسانية فلن نجد أمامنا سوى محمد الكامل".
ويقول كذلك: "أترون أن محمدًا كان صاحب خداع وتدليس، وصاحب باطل وكذب؟! كلا، بعدما وعينا تاريخه، ودرسنا حياته، فإنَّ الخداع والتدليس والباطل والإفك.. كل تلك الصفات هي ألصق بمن وصف محمدًا بها".
ويقول: الإسلام هو الدين الوحيد الذي استطاع أن يفي بمطالب البدن والروح معاً، دون أن يُعرِّض المسلم لأن يعيش في تأنيب الضمير، وهو الدين الوحيد الذي تخلو عباداته من الصور، وهو أعلى ما وهبه الخالق لبني البشر.
2ـ شهادة سانت هيلر: "فيلسوف، سياسي، صحفي، ومستشرق فرنسي".
كان محمد رئيسًا للدولة وساهرًا على حياة الشعب وحريته، وكان يُعاقب الأشخاص الذين يجترحون الجنايات حسب أحوال زمانه وأحوال تلك الجماعات الوحشية التي كان يعيش النبي بين ظهرانيها، فكان النبي داعيًا إلى ديانة الإله الواحد وكان في دعوته هذه لطيفًاً ورحيمًا حتى مع أعدائه، وإن في شخصيته صفتين هما من أجلّ الصفات التي تحملها النفس البشرية وهما العدالة والرحمة.
كما يقول سانت هيلر في كتابه "تاريخ النبي محمد": لقد كنتُ أشك في صدق رسالة النبي محمد، حتى قرأت في جميع السير أنه لما نزلت آية الحفظ وعصمة النبي من أعداءه، ووعد الله له بأنه سيتولى حراسته، بادر محمد إلى صرف حراسه، والمرء لا يكذب على نفسه ولا يخدعها، فلو كان لهذا الوحي مصدر غير الله، لأبقى محمد على حرسه!.
3- شهادة الفيلسوف الفرنسي (كارديفو):
إن محمداً كان هو النبي المُلهم والمؤمن، ولم يستطع أحد أن ينازعه المكانة العالية التي كان عليها، إن شعور المساواة والإخاء الذي أسسه محمد بين أعضاء الكتلة الإسلامية كان يطبق عملياً حتى على النبي نفسه.
4- شهادة الباحث الفرنسي (كليمان هوارت):
لم يكن محمداً نبياً عاديـاً، بل استحق بجدارة أن يكون خاتم الأنبياء لأنه قابل كل الصعاب التي قابلت كل الأنبياء الذين سبقوه مضاعفة من بني قومه، نبي ليس عاديـاً من يقسم أنه (لو سرقت فاطمة ابنته لقطع يدها) ولو أن المسلمين اتخذوا رسولهم قدوة في نشر الدعوة لأصبح العالم مسلماً.
5- شهادة المستشرق الفرنسي المعاصر إميل درمنجم
ولد لمحمد (ﷺ) من مارية القبطية ابنه إبراهيم فمات طفلاً، فحزن عليه كثيراً ولحده بيده وبكاه، ووافق موته كسوف الشمس فقال المسلمون إنها انكسفت لموته، ولكن محمداً (ﷺ) كان من سموّ النفس ما رأى به رد ذلك فقال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد "، فقول مثل هذا لا يصدر عن كاذب دجال.
6- شهادة الفيلسوف الفرنسي فولتير
قال فولتير مُخاطباً رجال الدين في الكنسية: "لقد قام الرسول بأعظم دور يمكن للإنسان أن يقوم به على الأرض وإن أقل ما يُقال عن محمد أنه قد جاء بكتاب وجاهد، والإسلام لم يتغير قط أما أنتم ورجال دينكم فقد غيرتم دينكم عشرين مرة".
وذكر الأمير شكيب أرسلان في كتابه (لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟)، أنه حينما ذُكر لدى فولتير رجال البروتستانتية الأوائل، "مارتن لوثر وجون كالفن"، قال فولتير: "كلاهما لا يصلح أن يكون حذاءً لمحمد".
7- شهادة الجراح الفرنسي الشهير موريس بوكاي
قرأت القرآن بإمعان، ووجدته هو الكتاب الوحيد الذي يضطر المثقف بالعلوم العصرية أن يؤمن بأنه من الله لا يزيد حرفاً ولا ينقص.
وقال: "فالقرآن فوق المستوى العلمي للعرب، وفوق المستوى العلمي للعالم، وفوق المستوى العلمي للعلماء في العصور اللاحقة، وفوق مستوانا العلمي المتقدم في عصر العلم والمعرفة في القرن العشرين ولا يمكن أن يصدر هذا عن أميَّ وهذا يدل على ثبوت نبوة محمد وأنه نبي يُوحى إليه".
8- شهادة العلامة الفرنسي "ساديو لويس":
لم يكن محمد نبي العرب بالرجل البشير للعرب فحسب، بل للعالم لو أنصفه الناس، لأنه لم يأت بدين خاص بالعرب، وأن تعاليمه الجديرة بالتقدير والإعجاب، تدل على أنه عظيم في دينه، عظيم في صفاته، عظيم في أخلاقه، وما أحوجنا إلى رجال للعالم أمثال محمد نبي المسلمين.
9- شهادة المفكر ورجل قانون الفرنسي المعاصر "مارسيل بوازار"
لم يكن محمد (ﷺ) على الصعيد التاريخي مبشرًا بدين وحسب بل كان كذلك مؤسس سياسة غيّرت مجرى التاريخ، وأثرت في تطور انتشار الإسلام فيما بعد على أوسع نطاق.
10- شهادة المستشرق الفرنسي إميل درمنجم
لقد نال محمد (ﷺ) السلطان والثراء والمجد، ولكنه لم يغتر بشيء من هذا كله فكان يفضل إسلام رجل على أعظم الغنائم.
في هذا القدر كفاية وللحديث بقية في الجزء الثاني إن شاء الله تعالى.