معايير مقترحة لاختيار المسؤولين

الرئيسية » بأقلامكم » معايير مقترحة لاختيار المسؤولين

سأحاول الإجابة على سؤال وردني أكثر من مرة في الآونة الاخيرة و هو: ما هي المعايير التي يجب اتباعها عند اختيار الولاة و المسؤولين؟

_هذا رأيي الشخصي وهو قد يكون صواب و يحتمل أن يكون خطأ_ ولو لم أسأل اكثر من مرة لما جاوبت.

المعيار الأول: النهي عن تولي من سعى للإمارة.

النهي عن تولية الإمارة والقضاء وغيرهما من الولايات لمن سألها أو حرص عليها تصريحا أو تلميحا أو تعريضا: قال أبو موسى الأشعري: دخلت على النبي ﷺ أنا ورجلان من بني عمي، فقال أحدهما: يا رسول الله، أمِّرنا على بعض ما ولاك الله، وقال الآخر مثل ذلك، فقال النبي ﷺ: إنا والله لا نولِّي هذا العمل أحداً سأله، أو أحداً حرص عليه".

وهذا أمر و نهي لو التزم به عامة الناس لامتنع الخاصة عن طلب الإمارة، صراحة أو تعريضا أو كولسة أو تشبيكا أو تناجيا.

وكان عمر لا يولي عملاً لرجل يطلبه، وأراد أن يستعمل رجلاً فبدر الرجل بطلب العمل، فقال له: قد كنا أردناك لذلك، ولكن من طلب هذا الأمر لم يعن عليه.

و يستثنى من ذلك من طرح برنامجا عمليا لفترة توليه المسؤولية و تعهد بأن تتم محاسبته سنويا فإن أحسن جُدد له و إن لم يحسن استقال طواعية. فالعبرة بالبرنامج العملي و ليس العبرة بالأشخاص، وقد جاء في الأثر عن علي رضي الله عنه: لا تعرف الحق بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله، وقال بعض العلماء: من عرف الحق بالرجال حار في متاهات الضلال.

المعيار الثاني: التفرغ التام للعمل

مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ: لا يمكن القيام بأمانة المسؤولية كعمل جزئي دون تفرغ تام، إن أحدنا ليرفض أن يعمل الموظف لديه في صنعتين بوقت واحد فكيف يرضى أن يكون المسؤول عن مشروع نهضوي يقوم بعملين في وقت واحد؟؟؟، فأعداؤنا يمكرون مكر الليل و النهار و يعملون ضدنا 24 ساعة من 24 ساعة 7 أيام في الأسبوع 365 يوما في السنة، فكيف نستطيع مجابتهم بدوام جزئي أو بفضلة أوقاتنا؟؟

بعد اختيار أبي بكر الصديق خليفة للمسلمين ذهب إلى السوق في اليوم التالي، وفي أثناء سيره التقي عمر بن الخطاب، فسأله عمر: أين تذهب؟ قال ابو بكر: إلى السوق، قال: وماذا تصنع في السوق وقد وُليت أمر المسلمين؟! قال ابو بكر: فمن أين أطعم عيالي؟ قال: انطلق إلى أبي عبيده، ففرضوا له قوت رجل من المهاجرين، وكسوة للشتاء وأخرى للصيف، وقد روي البعض أنهم جعلوا له «الفين»، و نفس الواقعه تكررت مع عمر بن الخطاب عندما أصبح أميرا للمؤمنين.

المعيار الثالث: القوة أو الكفاءة

يقول ابن تيمية: والقوة في كل ولاية بحسبها: فالقوة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلب وإلى الخبرة بالحروب والمخادعة فيها، فإن الحرب خدْعَةٌ، وإلى القدرة على أنواع القتال: من رمي وطعن وضرب وركوب وكر وفر...، والقوة في الحكم بين الناس ترجع إلى العلم بالعدل الذي دل عليه الكتاب والسنة، وإلى القدرة على تنفيذ الأحكام.

و قد أثبتت الدراسات أن الكفاءة تعتمد على إجادة المهارات الأساسية التالية:

المهارات الفنية التقنية: وهي أن يكون المرشح للمسؤولية مُجيداً لعمله متقناً إياه، متميزاً بالمعرفة الفنية العالية، ملمّاً بأعمال مرؤوسيه من ناحية طبيعة الأعمال التي يؤدونها، فلموقع المسؤول المالي تحتاج من يملك شهادة و اختصاص بالمحاسبة و المالية، وفي السياسة يترشح من له علم و خبرة في السياسية و هكذا.

المهارات الإنسانية: تتعلق المهارات الإنسانية بالطريقة التي يستطيع بها المرشح للمسؤولية التعامل بنجاح مع الآخرين ويجعلهم يتعاونون معه، ويخلصون في العمل، وهذه المهارات تبنى على الخلق الحسن والاحترام المتبادل الذي يدفع الناس للعمل بحماس وجد من دون قوة أو إجبار أو مراقبة خارجية.

المهارات الإدارية و التنظيمية: وهي أن يجيد المرشح للمسؤولية أعمال التخطيط والتنظيم والإشراف والتوجيه والرقابة والتفويض، وكذا تنظيم العمل وتوزيع الواجبات وتنسيق الجهود ومعرفة جميع اللوائح والأنظمة.

المهارات الفكرية: وهي أن يتمتع المرشح للمسؤولية بالقدرة على الدراسة والتحليل والاستنتاج، وكذلك تعني المرونة والاستعداد الذهني لتقبل أفكار الآخرين، وتعني القدرة على التطور والنمو وعدم رفض الأفكار الجديدة والحرص على تطوير المنظمة حسب متطلبات العصر.

المعيار الرابع: الأمانة

يقول ابن تيمية: والأمانة ترجع إلى خشية الله، وألا يشتري بآياته ثمناً قليلاً، وتركِ خشية الناس، وهذه الخصال الثلاث التي اتخذها الله على كل من حَكم على الناس في قوله تعالى: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنزَلَ اللَّهُ فَأولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}.

وهذه الخصال تقتضي أن لا يتم اختيار أي مرشح يخضع لمركز من مراكز القوى لأنه يفقد بذلك حريته و استقلاليته، لأنه سيشعر أن لمراكز القوى التي أوصلته إلى سدة المسؤولية دالة عليه فيعمل بوعي أو بغير وعي على أن يحقق مصالحها الفئوية و يبتعد عن إغضابها و محاسبتها على تقصيرها.

التاريخ الحديث و القديم مليء بالشواهد التي كان فيها لمراكز القوى الكلمة العليا في الحكم، ولم يكن رأي المسؤول سوى انعكاس لرأي مراكز القوى التي أوصلته لسدة المسؤولية، وهذا الأمر يؤدي في نهاية المطاف إلى فشل المؤسسة مهما حاولت مراكز القوى تعليل تصرفها بحرصها الزائد على مصلحة المؤسسة و بمعرفتها و خبرتها بحقيقة المؤسسة.

لا يحق لاي فرع أو قسم أو إدارة بالمؤسسة احتكار الحقيقة و فرض الوصاية على المؤسسة و خطف و مصادرة إرادة الناس عن طريق استعمال سياسة الجزرة أو استعمال سياسة العصا، قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: ((ما انتجى قوم في دينهم دون جماعتهم، إلا كانوا على تأسيس ضلالة)).

التفاتة مهمة يضيف ابن تيمية فيقول: "اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل، ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: اللهم أشكوا إليك جلد الفاجر وعجز الثقة، فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها، فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة، والآخر أعظم قوةً، قدم أنفعهما لتلك الولاية، وأقلهما ضرراً فيها، فتقدم في إمارة الحروب الرجل القوي الشجاع وإن كان فيه فجور، على الرجل الضعيف العاجز وإن كان أميناً".

المعيار الخامس: أن يكون من أنفسنا

يقول الله في محكم كتابه: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإن كَانواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (آل عمران: 164). و قال أيضا: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (التوبة: 128).

فالمسؤول يجب أن يعيش في النطاق الجغرافي لمسؤوليته و بين أفراد مؤسسته، فالمرشح للمسؤولية النخبوي الذي يعيش بعيدا عن أفراده لا يستطيع أن يحقق النجاح أو يقدم حلولاً، فرسول الله كان مع قومه في السراء و الضراء حوصر و جاع معهم، قاتل معهم، أوذي معهم، حفر الخندق معهم، بل كان في مقدمتهم في كل الأمور.

المسؤول النخبوي الذي يعيش في أبراج عاجية بعيدا عن أفراد مؤسسته لا يستطيع مهما حاول أن يستشعر الواقع المعيشي للأفراد، فعيش المرشح للمسؤولية و عائلته في النطاق الجغرافي لمسؤوليته و معايشة تجارب الأفراد أمر ضروري لا غنى عنه و إلا سيكون الأفراد في واد و المسؤول في واد آخر.

المعيار السادس: أن يتولى المسؤولية لمرة واحدة فقط

فواحدة تكفي و إن سمح بالتعدد: من يستشعر المسئولية لا ينام : "عمر بن الخطاب لم يكن له وقت ينام فيه فكان ينعس وهو قاعد فقيل له: يا أمير المؤمنين ألا تنام؟ فقال: كيف أنام إن نمت بالنهار ضيعت أمور المسلمين، وإن نمت بالليل ضيعت حظي من الله عز وجل، فمن يؤدي حق المسؤولية سيستشعر أن 4 سنوات كافية و زيادة، فأداء المسؤولية أمر صعب و شاق على النفس، فمعظم ولاة عمر على الامصار كانوا يرفضون أن يجدد لهم سنة أخرى فوق السنة الأولى و كثير من الصحابة كان يهرب من الولاية هروبه من النار، مما دفع عمر ليقول أتضعون أمانتكم وخلافتكم في عنقي، ثم تتركوني؟

وفصل الخطاب هو قول رسول الله صلى الله عليه و سلم:
عن أبي هريرة قال قال رسول الله: (إنكم ستَحرصون على الإمارةِ، و إنها ستكونُ ندامةً و حسرةً، فنعْمَتِ المُرْضِعَةُ، و بِئْسِتِ الفاطمةُ).

في رواية عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله، ألا تستعملني؟ فضرب بيده على منكبي ثم قال: (يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها).

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

بين عقيدة الإسلام و”عقيدة الواقعية

للإسلام تفسيرٌ للواقع وتعاملٌ معه بناءً على علم الله به ومشيئته فيه، كما يثبتهما الوحي. …