سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رجل ما إذا كان أحد الحاضرين يعرفه، فقام رجل وقال: أنا أعرفه يا أمير المؤمنين.
فقال عمر: لعلك جاره فالجار أعلم الناس بأخلاق جيرانه؟
فرد الرجل: لا.
فقال عمر: لعلك صاحبته في سفر فالأسفار مكشفة للطباع؟
فرد الرجل: لا
فقال عمر: لعلك تاجرت معه فعاملته بالدرهم والدينار، فالدرهم والدينار يكشفان معدن الرجال؟
فرد الرجل: لا
فقال عمر: لعلك رأيته في المسجد يهز راسه قائما وقاعدا؟
فرد الرجل: أجل
فقال عمر: اجلس فانك لا تعرفه!!
هذه الحادثة دليل على أهمية وضع معايير، مقاييس واضحة شفافة ومعلنة و استخدام كل منها في مكانه الصحيح. يقول ألبرت أينشتاين: "كل إنسان هو عبقري بشكل او بآخر المشكلة أننا نحكم على الجميع من خلال مقياس واحد. فمثلاً لو قيمنا سمكة من خلال مهاراتها في تسلق شجرة ستمضي السمكة بقية حياتها معتقدة انها غبية".
في عالم اليوم المتسارع لا يمكن قيادة أو إدارة أي عمل إذا لم تكن هناك معايير و مقاييس واضحة، شفافة، معلنة و مطبقة.
فالمؤسسات الآن وخصوصا في عالمنا العربي في مختلف القطاعات في حاجة ماسة إلى وضع آلية لقياس الأداء المؤسسي والتي تشمل نظم، معايير ومقاييس حديثة للأداء المؤسسي ومؤشرات توضح لها الاتجاه الذي تسير عليه المؤسسة.
فالمعايير هي عبارة عن ترجمة للخطط والأهداف والسياسات والإجراءات والبرامج الخاصة بكل مؤسسة، وعليه فكل برنامج وكل هدف وكل سياسة وكل إجراء يجب أن توضع له معايير تستخدم لقياس الأداء الفعلي أو المتوقع.
يمكن تعريف المعيار و المقياس على الشكل التالي:
المعيار: هو ما يتم القياس بناءً عليه. وهو الإنجاز المخطط أو المستهدف، ويتم التعبير عنه بشكل كمي، وهو يوضح إلى أي مدى يتم السير.
المقياس: هو الوسيلة الذي نستطيع من خلاله معرفة ما يحدث في واقع العمل بشكل رقمي أو كمي يمكننا من معرفة إلى أي مدى نسير نحو الهدف. فهو مؤشر تحقيق الأهداف.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، يتم قياس السكر في الدم بواسطة جهاز قياس وهذا الجهاز هو المقياس الذي يعطي القراءة، ولمعرفة معنى القراءة فإننا نقارنها بالمعيار المعتمد للسكر وهو 110، وبناء على المقارنة تكون الحالة إما طبيعية، مرتفعة، منخفضة أو خطرة. وعند قياس الضغط لدى الإنسان يكون المقياس هو جهاز الضغط و يكون المعيار هو 120-80.
إذن فالمقياس هو ما يتم القياس به والمعيار هو ما يتم القياس بناءً عليه.
قد قيل قديما على حسب قدر السلعة يكون مكيالها:
فالحديد.. بالطن
والفاكهة.. بالكيلو
والذهب.. بالجرام
والألماس.. بالقيراط
أمّا أعمال الآخرة... فهي بالذرّة
"فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرّاً يره".
ألا إنّ سلعة الله غالية.. ألا إنّ سلعة الله "الجنّة"
فكلما غلت السلعة و زادت أهميتها زادت دقت المعايير و المقاييس و لكي تكون المعايير و المقاييس ذات جدوى سواء معايير و مقاييس الفعالية التي تقيس المستخرجات أو النتائج أو معايير و مقاييس الكفاءة التي تقيس المدخلات أي كفاءة استخدام الموارد من موظفين، آلات، معدات، وقت.. الخ يجب أن تتصف بما يلي:
مواصفات المعيار الفعال:
أن يكون محدداً وقابلاً للقياس.
أن يكون واضحاً ومفهوماً للجميع.
أن يكون ممكناً وعملياً.
أن يكون موضوعياً وواقعياً.
أن يكون مرتبطاً بالأهداف والخطط، بل ومنبثق منها.
مواصفات المقياس الفعال:
أن يكون سهل الاستخدام ومبسط.
أن يكون موضوعياً.
أن يكون عملياً وواقعياً.
أن يكون ثابتاً وواضحاً.
أن يكون متفقاً عليه مكن الجميع.
أن تكون له صفة العمومية والاستقرار.
أن يكون قادراً على التعبير الشامل والدقيق عما يحدث فعلاً في الواقع.
أن يكون قابلاً للتشغيل بحيث تحقق البيانات المتولدة عنه.
إن جوهر المشكلة في عالمنا العربي إلى جانب عدم وجود معايير و مقاييس للأداء المؤسسي شفافة و معلنة للجميع هو انعدام الإرادة و الرغبة لدى مستويات الإدارة الثلاث (العليا، المتوسطة، الدنيا) في تفعيل عملية القياس وعدم الرغبة في الاستفادة من معطيات هذه العملية.
إن غياب المعايير و المقاييس إهمال متعمد و قصور مخطط له لكي يستطيع المسؤول الهروب من المساءلة و المحاسبة فبدون وجود معايير واضحة و مقاييس بينة متفق عليها بين الأطراف مسبقا كيف تستطيع الأطراف الحكم بطريقة علمية و موضوعية على الأداء المؤسسي.
ولعل أخطر النتائج لغياب المعايير و المقاييس الشفافة و العلنية أو انحرافها و اختلال موازينها هو توسيد الأمر لغير أهله وهذا الأمر هو أبو الشرور و المصائب كلها التي نعاني منها، لذلك حذر منها رسول الله فقال: (مَنْ تَوَلَّى مِنْ أُمَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ وَأَعْلَمُ مِنْهُ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فَقَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَجَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ).
وقال سيدنا عمر رضي الله عنه فقال: "مَن اسْتعملَ رجلاً لِمَوَدَّة أو لِقَرابَةٍ، لا يستعمِلُه إلاَّ لذلك ؛ فقد خانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ والمؤمِنينَ". فمعيار الاستعمال و الامارة هو الكفاءة و الأمانة وليس القرابة و المحبة.
وقد جاء في الأثر عن علي رضي الله عنه: لا تعرف الحق بالرجال اعرف الحق تعرف أهله، وقال بعض العلماء: من عرف الحق بالرجال حار في متاهات الضلال. وهذا توجيه بوضع المعايير و المقاييس بداية ثم البحث عمن يناسب هذه المعايير و المقاييس، وتحذير لمن يختار الرجل بداية ثم يضع المعايير و المقاييس التي تناسب ذلك الرجل.
لعلها التفاته مهمة لأهمية المواصفات و المقاييس:
ان اشتملت العشرون آية الأولى من سورة البقرة وهي السورة الاولى بعد الفاتحة على صفات الناس:
الآيات الأربع الأولى جاء فيهن ذكر صفات المؤمنين الخلص الذين يؤمنون إيماناً كاملاً بربهم، وأنهم هم المهتدون المفلحون.
وفي الآيتين التاليتين: الخامسة والسادسة، ذكر صفات الكفار الخُلَّص، وما أعد الله لهم من العذاب العظيم.
أما باقي العشرين -وهي ثلاث عشرة آية- فكلها في وصف المنافقين و ذلك لخطورتهم على مسيرة هذا الدين.
عزيزي القائد
تعتبر المعايير و المؤشرات أداة ضرورية لقياس نتائج التنفيذ الفعلي و مقارنتها بالأهداف المرجوة و تحديد الانحرافات و أسبابها و البحث عن علاجها، كما أنها من أهم المقومات و المرتكزات التي تتطلبها عملية تقييم الأداء المؤسسي، لذلك سعت المؤسسات و الدول المتقدمة إلى إيجاد مؤسسات مستقلة للمقاييس و المعايير التي تغطي مختلف الانشطة و منها على سبيل المثال لا الحصر
المؤسسة الدولية للمعايير iso
و مؤسسة المعايير و المقاييس البريطانية bsi
و مؤسسة المعايير و المقاييس الامريكية ANSI
لذلك إنه من الأهمية بمكان وضع معايير و مقاييس واضحة و شفافة للمؤسسة التي تقودها لأن ذلك يقلل إلى الحدود الدنيا نقاط الخلاف ويوضح يطريقة لا مجال للبس فيها الأهداف الواجب تحقيقها.
وقد قال الإمام علي رضي الله عنه و أرضاه إن من لا ينفعه الحق يضره الباطل، ومن لا يستقيم به الهدى تضره الضلالة، ومن لا ينفعه اليقين يضره الشك، فعدم وجود معايير ومقاييس واضحة ومتفق عليها هو في الواقع اعتماد لمعيار واحد هو الفوضى.