الإنسان الحضاري …. في سورة القلم

الرئيسية » بأقلامكم » الإنسان الحضاري …. في سورة القلم
تفسير-سورة-القلم-لابن-سيرين

(ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) القلم.. وما يكتب القلم.. بذلك يقسم الله تبارك وتعالى في مطلع هذه السورة.

والقلم أداة الكتابة وخطّ العِلْم.. ووسيلة حفظ تراث الأمم وحضارتها، ولعل ّالاستهلال في السورة بهذا القسم تذكير لأمة القرآن، أنها الأمة الخاتمة التي خُتم بقرآنها الديانات والرسالات السماوية... لتعود وتأخذ دورها في القيادة والريادة في العالمين، كما أشارت إلى ذلك خاتمة السورة في قوله تعالى (وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ).

إنها دعوة عالمية، لتحمل هذه الأمة أمانتها ورسالتها من جديد، وتقدّم للعالم نموذجها الحضاي الفريد، الذي يقدّس الدين، ويحترم القيم والأخلاق، ويحفظ كرامة الإنسان كإنسان من غير تمييز لعرق أو جنس أو لون.

ولعل السورة تطرح البعد الروحي للحضارة الإسلامية التي تقدّمها للناس، وذلك واضح في تزكية الله لنبيه في أول السورة والذي هو نموذج الإنسان الحضاري، وأكرم الخلق أجمعين.

فيقول تعالى :" وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ".

ذلك الإنسان الحضاري الذي يقدّم الخير، ويُسدي المعروف دون أن ينتطر جزاء أو ثناء من أحد، لأنه يعلم أن الله سيجزيه على معروفه جزاء كثيرا غير منقوص ولا مقطوع (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ) وليس هو بمجنون ولا مهووس بهذه الماديات الزائفة التي غطت هذا العالم وأسكنته في وحشة روحية، ونكسة أخلاقية ليس لها حدود (مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ).

ذلك الإنسان الحضاري الذي يرفض الرذائل وسيء الأخلاق، ويعامل الناس كما يحب أن يعاملوه، فلا هو يطغى ويتكبر بماله وجاهه، ولا هو يحتقر الأخرين، ولا هو يدوس مَن يقف في طريقه من أجل مصالحه وشهواته، ولا هو يكذب في حديثه ويكثر الحلف ليصدّقه الناس، فهو نظيف اليد، نظيف اللسان، نظيف العرض (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ).

ذلك الإنسان الحضاري الذي لا يجرفه طغيان المادة، فلا يقيم اعتبارا للطبقة الضعيفة المسحوقة من المجتمع من الفقراء والمساكين، وكل ما يهمه هو مجده وجاهه، ولو جاع الأخرون، فلا عجب أن ترى في جانبٍ قصورا منيفة وفي الجانب الآخر ناسا ً يبيتون في العراء، ولعل ما يؤكد هذا المعنى مجيء قصة أصحاب الجنة في سياق السورة و الذين أعماهم حبّ المال، فمنعوا الفقراء والمساكين نصيبهم منها وخالفوا بذلك سنّة أبيهم، وفيها أيضا تذكير و وعيد لأهل مكة الذين كانت تُجبى إليهم ثمرات كل شيء من اليمن والشام، أن يؤمنوا بربهم الذي أنعم عليهم بهذه الخيرات، ويعودوا عن كفرهم وغيّهم وإلا أصابهم عذاب الدنيا قبل عذاب الأخرة (كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).

ولِمَ الالتزام بالقيم والأخلاق التي هي مهد الحضارات وأساسها؟

لأنه في نهاية المطاف لا يستوي المحسن مع المسيء، ولا الصالحون المصلحون مع المجرمين المفسدين، ولا من يقدّم مشروعاً حضاريّا للإنسانية مع من يريد أن يحكم العالم ليحقق مصالحه وأمجاده (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ).

إنه قدر هذه الأمة أن يصطفيها الله لحمل هذه الرسالة، ونشر هذه الحضارة في العالمين، ومهما كاد أعداء هذه الأمة بمكر الليل والنهار فإن الله لهم بالمرصاد، فهو سبحانه ناصرٌ دينه وحافظٌ أولياءه، إن قاموا بواجبهم تجاه دينهم وأمتهم (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ).

وليتحقق المشروع الحضاري العالمي كما أراده الله لخير الناس أجمعين (وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ).

 

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

بين عقيدة الإسلام و”عقيدة الواقعية

للإسلام تفسيرٌ للواقع وتعاملٌ معه بناءً على علم الله به ومشيئته فيه، كما يثبتهما الوحي. …