النمط القيادي هو السلوك المتكرر الذي ينتهجه القائد في التعامل مع الأتباع حتى يصبح منهجاً يميز طريقة تعامله عن الآخرين.
لقد حاول العلماء إيجاد تصنيف محدد متفق عليه للأنماط القيادية، و أنفقت الجامعات و المؤسسات الحكومية و الخاصة مليارات الدولارات في البحوث لإيجاد المعادلة الذهبية للقيادة الفذة، لأن من يجدها يضمن النجاح الدائم، إلا أنهم لم يتفقوا لصعوبة توحيد المداخل التي تم من خلالها تصنيف الأنماط القيادية.
هناك 11 نظرية معتمدة تتعلق بتحديد النمط القيادي:
أولها وضعت في عام 1939 وهي نظرية جامعة ايوا و آخرها قام بتعديلها الدكتور طارق سويدان عام 2018 منطلقا من نظرية نظام التحليل الشخصي.
انطلاقا من نظام التحليل الشخصي المعدل DISC هناك 5 أنواع من القادة:
1- الرسمي : Dominant
يركز على التعامل مع الظروف بالمقاومة والتحدّي ويميل إلى الحصول على نتائج في الحال، يقوم بخطوات عمليّة، يقبل التحدّي، ويتخذ قرارات سريعة. أهم نقاط قوته الثقة بالنفس والحسم والمخاطرة ومن نقاط ضعفه عدم الاهتمام بالآخرين، وقلّة الصبر، والتحرّك للأمام من دون اعتبار للعلاقات الاجتماعية.
2- المؤثر : Influential
يركز على التعامل مع الظروف عن طريق إقناع الآخرين والتأثير عليهم. و يميل إلى الاختلاط بالنّاس وخلق انطباعات إيجابيّة وحماس، ومتعة ومشاركة الآخرين. أهم نقاط قوته الحماس والانشراح واللمسة الاجتماعية والإقناع والتعبير عن العواطف.
3- الاجتماعي Social :
يركز على التعامل مع الظروف عن طريق تحقيق الاستقرار، وإنجاز المهمّات بالتعاون مع الآخرين ويميل إلى الهدوء، والصبر والولاء والاستماع الجيّد. من نقاط قوته الصبر ودور الفريق والاستقرار والطرق المبرمجة والهدوء والانقياد والاهتمام بالمجموعة.
4- الدقيق Conscious :
يركز على التعامل مع الظروف عن طريق التأكد من الجودة والدقّة ويميل إلى الاهتمام بالمواصفات والتفاصيل، والتفكير التحليليّ والدقّة. من نقاط قوته السّلوك الحذر والدقّة والدبلوماسيّة والتحفظ والإتقان والاهتمام بالحقائق.
5- الموفق Facilitator :
يركز على الموافقة بين المهام والناس.و يميل إلى أن تكون النتائج متوافقة مع ظروف الناس وإمكانياتهم. من نقاط قوته الرضا والتعاون والانسجام.
بعد هذا الاختصار الشديد لنظريات الأنماط القيادية يمكننا فهم سبب عزل عمر بن الخطاب لخالد بن الوليد في ضوء هذه النظريات، فعمر بن الخطاب كان من النوع الرسمي المسيطر، بينما أبو بكر الصديق رضي الله عنهما الاثنين كان من النوع المؤثر.
كان الصديق رضي الله عنه يترك للولاة و الأمراء حرية التصرف في حدود النظام العام للدولة مشروطا بتحقيق العدل بين الأفراد وكان يثق في ولاته و يميل إلى عدم التدخل في تفاصيل العمل اليومي لهم وكان يحرص على أن لا يكسر للولاة هيبتهم وسلطانهم وهذه صفات القائد المؤثر.
لذلك عندما أشار عمر على الصديق بأن يكتب لولاته و منهم خالد رضي الله عنهم جميعا ألا يعطي شاةً، ولا بعيراً إِلا بأمره، جاء رد خالد إِما أن تدعني وعملي، وإِلا فشأنُك، وعملُك، فأشار الفاروق بعزله، ولكنَّ الصِّدِّيق أقرَّ خالداً على عمله. فهذا هو النمط القيادي السائد الأصيل لأبي بكر الصديق.
بينما الخليفة عمر كان نمطه القيادي الأصيل النمط الرسمي المسيطر فهو يؤمن أن على الخليفة تحديد طريقة الولاة في الحكم و يطلب منهم أن يعودوا إليه في كل كبيرة و صغيرة.
فحتى في المعارك كان يرسل التوجيهات إليهم بالتفصيل، وكان يراقبهم مراقبة شديدة و يحاسبهم محاسبة أشد٠
خرج سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه على رأس أربعة آلاف مقاتلٍ نواة الجيش الإسلامي في معركة القادسية، ويتوجه من "صرار" إلى "زرود" وهي على بعد 585 كم من المدينة بناء على أوامر عمر رضي الله عنه: "اذهب إلى "زرود"، وإذا وصلت إليها فانشر جيشك حول الماء حتى يأتيك مدد آخر، واجمع من استطعت ممن حولك". "أوامر تفصيلية".
إذن فسعد رضي الله عنه يتحرك خطوة بخطوة وَفْقَ أوامر وترتيبات عمر بن الخطاب رضي الله عنه واستمر الحال على ذلك حتى نهاية المعركة.
وهذا على عكس ما كان يتبعه أبو بكر رضي الله عنه حيث كان يعطي القائدَ الخطة العامة والهدف ويتركه يتصرف ويتحرك حسبما يرى و يقرر.
عندما تولَّى الفاروق الخلافة أراد أن يعدل بولاة أبي بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ إلى منهجه، وسيرته، فرضي بعضهم، وأبى آخرون، وكان ممَّن أبى عليه ذلك خالد بن الوليد.
فعن مالك بن أنسٍ: أنَّ عمر لمَّا ولِّي الخلافة كتب إلى خالد: ألا تعطي شاةً، ولا بعيراً إِلا بأمري. فكتب إِليه خالد: إِمَّا أن تدعني وعملي، وإِلا فشأنك بعملك.
فقال عمر: ما صدقتُ الله إِن كنت أشرت على أبي بكرٍ بأمرٍ، فلم أنفِّذه. فعزله.
ثمَّ كان يدعوه إلى العمل، فيأبى إِلا أن يخلِّيه يفعل ما يشاء، فيأبى عليه.
لقد كان عمر بن الخطاب قائدا رسميا متطلباً أشد أنواع العودة اليه، و كان خالد بن الوليد تابعاً مستقلاً يتمتع بقدرة و مهارة مرتفعة مدفوعة برغبة و دافعية و حماس كبير جدا تمنعه من العودة بكل صغيرة و كبيرة لقائده لذلك لم يتفق النمط القيادي لعمر بن الخطاب مع النمط السلوكي لخالد بن الوليد فكان لا بد أن يحصل الفراق.
دخل أبو الدَّرداء على خالد في مرض موته، فقال له خالد: يا أبا الدرداء! لئن مات عمر؛ لترينَّ أموراً تنكرُها. فقال أبو الدرداء: وأنا والله أرى ذلك !
فقال خالد: قد وجدت عليه في نفسي في أمورٍ، لمَّا تدبَّرتها في مرضي هذا، وحضرني من الله حاضرٌ؛ عرفت: أنَّ عمر كان يريد الله بكلِّ ما فعل، كنت وجدت عليه في نفسي حين بعث من يقاسمني مالي، حتَّى أخذ فرد نعلٍ وأخذت فرد نعلٍ، ولكنَّه فعل ذلك بغيري من أهل السَّابقة، وممَّن شهد بدراً.
وكان يغلظ عليَّ، وكانت غلظته على غيري نحواً من غلظته عليَّ، وكنت أدلُّ عليه بقرابته، فرأيته لا يبالي قريباً، ولا لوم لائم في غير الله، فذلك الَّذي ذهب عنِّي ما كنت أجد عليه.
وكان يكثر عليَّ عنده، وما كان ذلك إِلا على النَّظر: فقد كنت في حربٍ، ومكابدةٍ، وكنت شاهداً، وكان غائباً، فكنت أعطي على ذلك، فخالفه ذلك في أمري.
كتب أبوعبيدة إلى أمير المؤمنين يصف له فتح دمشق وقنسرين، وبلاء خالد فيه، فقال عمر قولته المشهورة: أمَّر خالد نفسه، رحم الله أبا بكر! هو كان أعلم بالرِّجال منِّي.
عزيزي القائد
لا يوجد نمط قيادي أفضل من الآخر، ولكي تتحول قيادتك من العادية إلى العظمة عليك القيام بالخطوات التالية في كل موقف :
1- أن تختار نمطاً قيادياً يناسب الموقف.
2- أن تختار نمطاً قيادياً يتوقعه الأتباع ويناسب مهاراتهم وحماسهم.
3- أن يكون نمطك القيادي أصيل وليس متقمصاً لأن أداء الممثل مهما تم إتقانه لا يمكن أن يكون مثل الأداء الأصلي، فإن كان الموقف لا يناسب نمط القيادة السائد لديك لا تترد بتفويض المهمة لشخص آخر يكون نمطه الأصيل يناسب الموقف.
(بإمكانكم الاطلاع على المزيد من التفاصيل عن الأنماط القيادية و أثرها على المؤسسة من خلال كتابي كن قائدا.. خطوات عملية عملية للارتقاء من التبعية إلى القيادة).