" لماذا تختلف رؤية الناس إلى هذا العالم؟
لماذا بعض الناس ينظر إليه كأنه جنة والبعض الآخر ينظر إليه كأنه جحيم؟
السر يكمن في نوع العين التي تملك، فالعيون نوعان، عين النحلة وعين الذبابة.
فالنحلة لا تنظرُ إلا للأزهار، أما الذبابة فلا تنظر إلا إلى الأقذار ولا ترى إلا الجراح!
فالذين أنعم الله عليهم بعين النحلة ينظرون إلى هذه الحياة بتفاؤل ولا يرون فيها إلا الجمال والأمل، قلوبهم مملؤة بالإيمان، يحبون الجميع وتتسع صدورهم للكل، ويعيشون بكل فرح وأمان، و شعارهم قول الشاعر:
ولقد بلغتُ من التفاؤل أوْج
وقلائلٌ من يفعلون قلائل
حتى تفاعيلَ البحورِ قرأتُها
متفائلٌ متفائلٌ متفائلُ
لو وضعت زهرة جميلة وسط كومة كبيرة من القمامة لاستطاعت النحلة أن تراها من وسط هذه الكومة فتذهب اليها و تمتص رحيقها لتصنع منه شفاء للناس، فالإنسان النحلة يرى ألف حل لكل مشكلة.
ولو وضعت صندوق قمامة صغير جدا وسط حقل من الأزهار و الورود لقامت الذبابة بتتبع كومة القمامة الصغيرة لتنقل مرضا خطيرا إلى الناس. فالإنسان الذبابة يجد ترليون مشكلة لك.
من ابتلي بعين الذبابة لا يرى فوق هذه الأرض إلا الشر والعفن، تراه دائم اليأس قنوط عبوس لا يتوقع إلا المصائب، وكل الناس عنده أشرار، والحياة عنده منغصات وآلآم.
الإنسان الذبابة يدخل إلى محل فواكه و خضار فيبحث عن النوع المفقود و يسأل عنه.
الإنسان الذبابة يوضع أمامه ما قسمه الله، فلا يحمد الله و لا يشكره ولكن يبدأ بالشكوى من قلة الملح أو زيادة الاستواء أو تكرار الطعام و بعضهم لايحمد الله إلا بعد أن يعطس فقط.
الإنسان الذبابة يحصل ابنه على 94% فيبكي و يُبكي ابنه معه بدل أن يفرح و يُفرح ابنه معه بإنجازه!
الإنسان الذبابة تعرض عليه منزلاً، سيارة، أثاثاً أفنيت عمرك في شرائهم فيقدم لك قائمة طويلة بالعيوب بدءا بالألوان انتهاء بالأسعار!!
الإنسان الذبابة يُزعجك، يُرهقك، يُدمرك بانتقاداته المستمرة، فهو لا يعجبه شيء، لا يرى في المساحة البيضاء الجميلة الواسعة العريضة سوى نقطة سوداء انزوت في الطرف البعيد جدا منها.
الإنسان الذبابة دائم الانتقاد يؤمن بمقولة أنا أنتقد، فإذن أنا موجود، فلا يكاد يسلم بشر، نبات، حيوان، أو جماد من انتقاداته و ملاحظاته، ينسى دائما الحسنات و يذكر المثالب وهذا من رداءة النفوس.
الإنسان الذبابة لم يتعلم من قول الله تعالى عندما تحدث عن الخمر و الميسر ذكر المنافع و المضار: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} فعلة التحريم أن إثمهما أكبر من نفعهما وليس لعدم وجود اي نفع لهما حتى لو كان نزرا قليلا.
الإنسان الذبابة لم يقرأ مقولة باولو كويلو مامن شيء في هذا العالم.. ياعزيزتي.. خاطئ تماما..فحتى هذه الساعة المعطلة.. تشير إلى الوقت الصحيح مرتين في اليوم.
الإنسان الذبابة هو أعتى أنواع أسلحة الدمار الشامل، لسانه رشاش سريع الطلقات الحارقة الخارقة المتفجرة، فأينما أصابت احرقت و آذت!
الانساب الذبابة بعيد كل البعد عن أخلاق النبوة، فرسول الله صلى الله عليه و سلم كان أحرص الناس على مشاعر الآخرين و كان ينتقي كلماته كما ننتقي الورد من الحدائق الغنّاء؛ لأنه يعلم بأن جرح الكلمات لا يندمل.
قال أنس رضي الله عنه: والله لقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين.. ما علمته قال لشيء صنعته: لم فعلت كذا وكذا؟ ولا عاب عليّ شيئاً قط.. ووالله ما قال لي أفَّا قط..
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لاحظ خطأً على أحد لم يواجهه به وإنما يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا).
وقال أيضا: (إذا قال الرَّجلُ: هلك النَّاسُ، فهو أهلكُهم).
وقال أيضا (..والذي نفس محمَّد بيده، إن مَثل المؤمن لَكَمَثَل القطْعة من الذهب، نفخ عليها صاحبُها فلم تَغيَّرْ ولم تَنْقُصْ، وِاِلذي نفس محمَّد بيده، إن مَثلِ المؤمن لَكَمَثَلِ النَّحْلَة، أكَلَتْ طِيّباً، ووضعتْ طيّباً، ووقَعَتْ فلم تُكْسَرْ ولم تَفْسُدْ).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل. فقال: يا رسول الله، هلكت.
قال: ما أهلكك؟
قال: وقعت على امرأتي، وأنا صائم!
فقال: هل تجد رقبة تعتقها؟
قال: لا
قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟
قال: لا
قال: فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟
قال: لا
قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، فقال: أين السائل؟
قال: أنا.
قال: خذ هذا، فتصدق به.
فقال الرجل: على أفقر مني: يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي.
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه. ثم قال: أطعمه أهلك
جاء الرجل إلى رسول الله و قد أيقن أنه هلك و خرج من عند رسول الله وقد غفر له، مبسوط منشرح الصدر وفوق ذلك كله حمل معه عرق من تمر.
هكذا كان حبيبي رسول الله.. وهكذا ينبغي أن نكون..
أستاذي الحبيب
لقد أدمنا الانتقاد و الشكوى و التذمر حتى صرنا في معظم أوقاتنا نمثل الإنسان الذبابة٠
إدمان الانتقاد هذا يحتوي على آفات وأمراض عدة باتت تفتك في كياناتنا الاقتصادية، الاجتماعية و السياسية.
فمعظم هذه الانتقادات سطحية بلهاء. تنتج عن قلة معلومات وزهد شديد حتى في الاستماع فضلا عن التعلم مصحوبة بغرور مخزٍ ناتج عن الأنا المتضخمة لدى العربي.
فالكل يظن نفسه في قمة الفهم والعلم والرأي الصائب، يملك الحقيقة المطلقة، و يملك الحق بالجرح و التعديل فيعتمد الجرح في 99.9999999% من رؤيته للآخرين.
عندما نضع هذا كله في وعاء ونضيف عليه جرأة على الطرح والكلام ممن لا يملك أدنى مراتب الفهم مع مساحة واسعة للمشاركة و الظهور في وسائل التواصل الاجتماعي نحصل على مجتمع متبلد الاحساس، مخدر عاجز عن الفعل و العمل.
أخي الحبيب،
لا تنتقد فان كان لا بد من النقد فاجعله بطريقة السندويتش!
1- اذكر شيئاً إيجابياً (شيئاً تم فعله بالطريقة الصحيحة أو بطريقة مميزة).
2- اذكر نقصاً أو شيئاً يحتاج لإصلاح، مع اقتراح طريقة إصلاحه (نقد).
3- اذكر شيئاً إيجابياً (تشجيع الشخص على التحسن).
وهذا ما فعله رسولنا الكريم حين قال لعبد الله ابن عمر: نِعْمَ الرَّجلُ عبدُ اللَّهِ لَو كانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ قالَ سالِمٌ: فَكَانَ عَبْدُاللَّهِ بعْدَ ذلكَ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلًا.