إن الفرنسيين قاموا بالتنكيل بالشعوب التي احتلوها عامة، وبالشعب الجزائري بصفة خاصة، بطرق وأساليب ووسائل للتنكيل والتعذيب والإهانة لا يتصورها عقل ولم يسبقهم بها أحد.
إن الفرنسيين لم يكتفوا بتعذيب وقتل الأحياء فحسب، بل قاموا بسحق الأموات، كما قاموا باتباع سياسة الأرض المحروقة بتحاربهم النووية في #الجزائر حيث ما زال الجزائريون يعانون الويلات إلى يومنا هذا جرَّاء تلك التجارب النووية التي قام بها الاحتلال الفرنسي في الجزائر، وهذا مالم يفعله أيّ شعب آخر ولا أية قوة مُحتلة أخرى.
إن ما قامت به #فرنسا من تعذيب وتنكيل بالشعب الجزائري لم يكن الهدف منه إرضاخ الشعب الجزائري لسطوة الاحتلال فحسب بل امتد ذلك ليكون إهانة وإذلال وسحق هذا الشعب الثائر المناضل الذي لم يُقِر بالاحتلال يوماً ولم يرضخ لسطوته، وهذا ما جعل الاحتلال الفرنسي يُمْعِن في تعذيبه للجزائريين أيما إمعان.
أولاً: نماذج لوسائل التعذيب التي قام بها الاحتلال الفرنسي ضد الشعب الجزائري
قبل أن نتطرق لنماذج التعذيب جدير بنا أن نذكر أن (المادة 16ج) من قانون المحكمة الجنائية الدولية المؤقتة "بنو مبرج" نصَّت على أن "التعذيب هو كل عمل من شأنه أن يُلحِق أي ضرر مادي ومعنوي للسجين".
ولكن فرنسا -شأنها شأن قوى الاحتلال والقوى المستبدة حول العالم- ضربت بذلك كله عرض الحائط، بل انتهجت كل ما من شأنه خرق القوانين والمواثيق والأعراف الدولية.
إن حرب الإبادة الفرنسية ضد الشعب الجزائري لم تقتصر على القتل والمجازر الجماعية بل توسعت سلطات الاحتلال الفرنسي في سياسة القمع والتنكيل إلى استحداث وسائل أكثر وحشية خاصة بعد تولي "غي موليي" رئاسة الحكومة في 1946م وإقراره لقانون "السلطات المطلقة" الذي استغله الاحتلال الفرنسي أسوأ استغلال، وقامت قوات الاحتلال الفرنسي على إنشاء مراكز للتعذيب لتعمل على إنهاك وتحطيم معنويات الشعب الجزائري، وذلك في كل مدينة وكل قرية.
كما قامت السلطات الفرنسية سنة 1958م بإنشاء مدرسة مُتخصصة في فن التعذيب بمدينة "سكيكدة" وأصبح التعذيب الجسدي والمعنوي جزءً من التدريب العسكري في الوحدات العسكرية الفرنسية بالجزائر.
جاء في كتاب "فاطمة الزهراء حشاد" الذي بعنوان "جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر" العديد والعديد من جرائم التعذيب اللاإنسانية والغير مسبوقة، وسنكتفي بذكر ما يلي:
أ) التعذيب الجسدي، ويشمل:-
1- وسيلة التعذيب والقتل بطريقة "الجمبري بيجار"
إن التعذيب والقتل بطريقة "الجمبري بيجار" هي طريقة ابتكرها الجنرال الفرنسي "مارسيل بيجار" خلال تعامله مع المناضلين الجزائريين عام 1957، راح ضحية هذه الطريقة البشعة ما يقرب من عشرة آلاف من الجزائريين المنتمين لحركة التحرير الجزائرية.
تتلخص وسيلة التعذيب والقتل بطريقة "الجمبري بيجار" في غرس أرجل الضحايا في قوالب وصب الإسمنت على أرجلهم وتركهم على هذه الحال حتى يجف الإسمنت، بعدها يُحملون في طائرات عسكرية ويتم إلقائهم أحياء في عرض البحر المتوسط، فيموتون غرقاً.
إن هذه الطريقة قد شملت النساء والأطفال، وأحيانا كان يتم ربط أسرة بأكملها برباط واحد قبل رميهم جميعاً دفعة واحدة من الطائرة. وقد عثر البحارة والصيادون الجزائريون على عدد من هذه القوالب الإسمنتية وبداخلها آثار أرجل أو أرجل متحجرة، وذلك في المياه الضحلة من شواطئ البحر المتوسط.
2- التعذيب بالكهرباء
يتم التعذيب بالكهرباء بعد رش جسم الشخص بالماء ثم صعقه في أماكن مختلفة من الجسم منها الأعضاء التناسلية.
3- التعذيب بالنار
وذلك عن طريق تعرية الشخص من ثيابه ثم القيام بوضع السجائر المُشتعلة على أنحاء الجسم، أو يتم دَهن بعض أجزاء الجسم بالوقود ويتم إشعال النار فيها لتُحدِث التهابات شديدة تدفع الشخص للاعتراف من دون أن يشعر، كما يُمكن القيام بحرق بعض أجزاء الجسم مثل اليدين والقدمين والأذنين والأنف والشعر.
4- التعذيب بالزجاج
قام جنود الاحتلال الفرنسي باستخدام الزجاج لإزالة شعر الحواجب وأهداب العينين وحلق نصف الشارب ونتف شعر الرأس وسلخ الجلد، كما يقومون بإجلاس المعتقل على أطراف القضبان الحديدية أو الزجاجات أو أمره بالمشي على الزجاج.
5- التعذيب بالحبل
وفي هذه الطريقة من التعذيب يتم ربط أطراف السجين العلوية والسفلية مع بعضها البعض ثم يُرفع الشخص المُعتقل إلى أعلى لمدة طويلة مما يؤدي إلى كسور تنتهي بالموت، كما يقوم الجنود بخنق السجين حتى الموت لدفعه إلى الاعتراف".
6- التعذيب بالماء
يُستخدم التعذيب بالماء على ثلاث مراحل متتابعة ففي البداية يتم إدخال الماء الممزوج بمسحوق الغسيل إلى البطن مما يُحدث آلاماً حادة تفقد الشخص القدرة على مواصلة الصمت، وفي المرحلة الثانية يتم إدخال الشخص إلى المَغسل أثناء الليل عندما يكون الجو بارداً، وفي مرحلة ثالثة يتم ربط الشخص في لوح خشبي ثم يُقلب إلى الأسفل حتى يغطس رأسه في المَغسل لمدة زمنية مُعينة ثم يرجع إلى الأعلى وتتكرر العملية حتى الاعتراف.
ب) التعذيب النفسي
لم تقتصر عملية التعذيب على الجانب الجسدي للمعتقل فحسب بل تعدت ذلك إلى استعمال أنواع أخرى كالتعذيب النفسي، ويتلخص هذا الأسلوب في الاستعانة بالضباط المتخصصين في علم النفس لإجبار المُعتقل على الاعتراف، أو التخلي عن مبادئه ثم يتم استخدامه لإرشاد قوات الاحتلال إلى الأماكن والأشخاص أثناء عمليات التمشيط والمداهمة.
1- الاعتداء الجنسي على زوجة المعتقل أو إحدى بناته
يقول "بولطمين جودي" في كتابه "كفاح ومواقف": "يتم اللجوء إلى بعض الوسائل الأكثر تحطيماً لنفسية الشخص وذلك بالإتيان بزوجة المعتقل أو إحدى بناته ليتم الاعتـداء عليها جنسياً أمامه مما يؤدي إلى انهياره نفسياً وعصبياً".
ومن بين وسائل التعذيب النفسي لعموم الشعب الجزائري ما كانت تقوم به قوات الاحتلال الفرنسي من خطف الفتيات وإرسالهن إلى المراكز العسكرية في المدن والقرى، وفي الجبال والصحاري لاغتصابهن وحجزهن لعدة أيام للتمتع بهن.
2- التعذيب بالمخدرات
وفي المصدر السابق نفسه يقول "بولطمين جودي": "من الأساليب القذرة التي أقدم على استعمالها الاستعمار الفرنسي هو إرغام المعتقلين على تعاطي المخدرات لإجبارهم على الاعتراف وإلصاق التهم بهم وببعض قيادات الثورة لاستخدامها كحجج في المحاكمات الصورية".
ثانياً: نماذج من مجازر ومذابح الاحتلال الفرنسي ضد الشعب الجزائري
1- مجازر 8 مايو 1945م
تُعرف هذه القضية في الجزائر باسم "مجازر 8 ماي 45". ففي هذا اليوم خرج الآلاف في ولايات (سطيف والمسيلة وقالمة وخراطة وسوق أهراس)، ابتهاجاً بنهاية الحرب العالمية الثانية، آمِلين أن تفي فرنسا بالوعد الذي قطعته لهم وهو الاستجابة لمطلب الاستقلال بشرط أن يشارك الجزائريون مع الفرنسيين في الحرب العالمية الثانية.
تحمس الجزائريون لما وعدت به قوات الاحتلال الفرنسي وكان الجنود الجزائريون في الصفوف الأولى في الحرب، بل كانوا بمثابة الدروع البشرية للجنود الفرنسيين.
وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية خرج الشعب الجزائري في مظاهرات سلمية للتعبير عن فرحه، لكن قوبلت هذه المظاهرات بالعنف الشديد من قبل الاحتلال الفرنسي الذي قتل أكثر من 45 ألف ضحية، حسب تقديرات جزائرية بالرغم من أن أعداد القتلى قد تصل لضعف هذا العدد، والسبب هو أن السلطات الفرنسية كانت ترفض كتابة سبب الوفاة في شهادات وفاة ضحايا هذه المجازر.
2- مذبحة نهر السين
هي مذبحة وقعت ضد الجزائريين في فرنسا في 17 أكتوبر 1961م، حيث إن حاكم الشرطة "موريس پاپون" كان قد أصدر أوامره بمنع خروج الجزائريين في تظاهرات داخل باريس.
وفي 17 أكتوبر 1961م نظم جزائريون من جبهة التحرير الوطني مظاهرة سلمية بلغ عدد المشاركين فيها 30 ألف شخص للتنديد بقرار "پاپون"، فما كان من "پاپون" إلا أنه أصدر أوامره للضباط الفرنسيين بالتصدي للمتظاهرين الجزائريين مما أدى إلى وفاة أكثر من 400 شخص نتيجة للضرب المُبرح، وغرق 400 شخص بإلقائهم في نهر السين، وجرح ما لا يقل عن 2500، وفقدان أكثر من 1000 شخص، هذا بالإضافة إلى آلاف المعتقلين الجزائريين.
3- جماجم رجال المقاومة الجزائرية
تُعتبر قضية جماجم المقاومين الجزائريين من الشواهد الحيّة على الجرائم التي ارتكبتها فرنسا خلال فترة استعمارها للجزائر.
قامت فرنسا بإنشاء ما يُسمى بـ"متحف الإنسان" في العاصمة باريس عام 1937م، والذي يُعد وصمة عار في تاريخ الإنسانية حيث يحتفظ المتحف بآلاف الجماجم البشرية التي تصل إلى نحو 18 ألف جُمجمة.
وحسب الوثائق الجزائرية فإن عدد جماجم المقاومين الذين بحوزة فرنسا قد يصلوا إلى أكثر من 600 جمجمة من بينهم جماجم لـ 37 قائداً شعبياً حيث تم قتل كل هؤلاء على يد قوات الاحتلال الفرنسي في الجزائر وقامت قوات الاحتلال الفرنسي بقطع رؤوسهم ليرهبوا بها المدنيين، وإرسال هذه الجماجم إلى فرنسا كغنائم عسكرية، ولتكون دليلاً على انتصار القوات الفرنسية.
ظهرت قضية جماجم قادة المقاومة الجزائرية سنة 2011م، وكان المؤرخ وعالم الأنثروبولوجيا الجزائري (علي فريد بلقاضي) هو أول من فجَّر قضية الجماجم عندما اكتشفها صدفة في رحلة بحث علمية في أرشيف المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي بباريس.
أثار تفجير قضية الجماجم جدلاً كبيراً بين الجزائر وفرنسا، وطالبت الجزائر السلطات الفرنسية بإعادة الجماجم، وبالفعل تمكنت الجزائر من استرداد 24 جمجمة، وذلك في أوائل يوليو 2020م.
ويرى مؤرخون أن تسليم فرنسا "جماجم الشهداء" للجزائر قد يكون مجرد ذر للرماد، وتعمية عن الملفات الأخرى المسكوت عنها مثل ملفات الجرائم ضد الإنسانية، وملفات التجارب النووية... الخ.
ثالثاً: التجارب النووية في الجزائر
التجارب النووية الفرنسية في الجزائر، هي تجارب لأسلحة دمار شامل نووية وكيميائية وصواريخ بالستية قامت بها فرنسا في عدة مواقع من الصحراء الجزائرية أثناء احتلالها لها.
لقد أجرت السلطات الاستعمارية الفرنسية 210 تجربة نووية أرضية وجوية في عمق الصحراء الجزائرية. تسببت تلك التجارب النووية الفرنسية في مقتل عشرات الآلاف من الجزائريين، وتعرّض مئات الآلاف لإشعاعات نووية أدت إلى إصابتهم بأمراض سرطانية، كما تلوثت البيئة وباتت منطقة "رڨان" -التي كان مسرحاً للتجارب- غير صالحة للحياة.
وحسب تقديرات الخبراء فإن قوّة تفجير القنبلة الأولى قد فاقت قنبلة هيروشيما بثلاث مرات، وإلى اليوم لا يزال الجزائريون يطالبون فرنسا بتعويضات عن هذه الجريمة.
إن المستعمر الفرنسي لم يكتفي بالتجارب النووية فحسب بل استغل الأرواح البشرية الجزائرية أسوأ وأبشع استغلال حيث تم استخدام المواطنين الجزائريين كفئران تجارب بهدف معرفة مدى تأثير الإشعاعات النووية على الإنسان.
ولإجراء تجاربهم النووية، قام الاحتلال الفرنسي بإخراج مئات الأسرى الجزائريين من السجون ونقلهم إلى منطقة "رڨان" التي تمت فيها التفجيرات لمعرفة أثر التفجيرات على البشر، وذلك حسب ما حدث في سجن "سيدي بلعباس" و "معسكر بوسوية" في منطقة غرب الجزائر.
أكد "عمار منصوري" الباحث في مركز الأبحاث النووية في العاصمة الجزائرية أن التجارب النووية التي قامت بها فرنسا في الجزائر قد تسببت في تسرب إشعاعي أكثر بشاعة بكثير مما سببه حادث تشيرنوبيل النووي في أوكرانيا عام 1986م.
أخيراً أقول
بعد هذا العرض اليسير للجرائم التي قامت بها فرنسا في حق الشعب الجزائري لا يجب أن تنطلي علينا طنطنة السلطات الفرنسية عن الحريات وحقوق الإنسان، ولا عن حق الشعوب في تقرير مصيرها... الخ، لأنه عندما تتحدث العاهرة عن الشرف فما عليك إلا أن تبتسم فأنت في حضرة أوكار الدعارة الفكرية ومواخير البغاء السياسي.