المناضلة الجزائرية “جميلة بوعزة” ورحلة الصمود داخل السجون الجزائرية والفرنسية

الرئيسية » بأقلامكم » المناضلة الجزائرية “جميلة بوعزة” ورحلة الصمود داخل السجون الجزائرية والفرنسية
i_444342

إن المناضلة الجزائرية "جميلة بو عزة" واحدة من جيل كبار الهمم الذين أذاقوا الاحتلال الفرنسي الويلات حتى تم جلاء المحتل وتحرير الجزائر.

بالرغم من حداثة سن المناضلة "جميلة بو عزة" إلا أنها تقدمت الصفوف إلى جانب كل جميلات الجزائر في كل مكان يمكن أن يبث الزعر في قلوب جنود الاحتلال الفرنسي وتحت وطأة الصعاب والمخاطر.

تقدمت "جميلة بو عزة" صفوف المجاهدين في الصحاري والجبال، وفي المدن والقرى، تؤازر الثوار والمناضلين وتقاسمهم شظف العيش وقر الشتاء وحر الصيف، مُؤثِرة الموت بعزة على القعود بذلة.

أولاً: مولد المناضلة الجزائرية "جميلة بو عزة" ونشأتها

ولدت "جميلة بو عزة" في بلدية "البليدة" بالجزائر عام 1937م، وتعد "جميلة بو عزة" من أهم العناصر النسائية في الثورة الجزائرية مع رفيقاتها جميلة بوحيرد وجميلة بو باشا... وغيرهن.

تلقت "جميلة بو عزة" تعليمها في العاصمة الجزائرية قبل اندلاع الثورة، وبجانب تعليمها الذي أحبته وتفوقت فيه تعلمت فن العزف وأخذت دروساً في الغناء وشاركت في العديد من المسابقات التي كانت تنظمها الجمعية الفرنسية في ذلك الوقت.

ثانياً: بداية المشوار النضالي لـ "جميلة بو عزة"

أول من ضم "جميلة بوعزة" إلى الثورة والعمل الفدائي صديقتها "جميلة بوحيرد"، وكان ذلك في أوائل عام 1956م حيث كانت "جميلة بوعزة" دون سن العشرين في ذلك الوقت.

تميزت "جميلة بوعزة" في زرع القنابل، وهي التي قامت بتنفيذ انفجار مقهي كوك هاردي بالعاصمة الجزائرية في شهر نوفمبر من عام 1956م، كما اشتهرت في تفعيل المظاهرات مما جعل الاحتلال الفرنسي يضعها على قائمة المطاردين والمطلوبين.

ثالثاً: طريقة القبض على المناضلة "جميلة بو عزة"

في عام 1957م دعت جبهة التحرير المواطنين الجزائريين إلى الإضراب الشامل من أجل الضغط على المحتل الفرنسي مما أدى إلى إصابة الحياة في المدن والقرى الجزائرية بالشلل التام.

ونتيجة لتوقف الحركة بين القرى والمدن قل التواصل بشكل كبير بين الفدائيين حتى لا يتم كشف أمرهم ولا يتم رصد تحركاتهم مما يعرضهم للاعتقال.

في هذه الأثناء أمرت القيادة الثورية "جميلة بو عزة" أن تبحث عن عمل لها يمكنها من خلاله أن تخالط عموم المواطنين، على أن يكون بعيداً عن رصد تحركاتها من قبل الاحتلال الفرنسي، وبالفعل حصلت على فرصة عمل كموظفة بسيطة في البريد.

رصدت تحريات جنود الاحتلال الفرنسي مكان عمل "جميلة بو عزة" فقامت بعمل كمين لها، وبالفعل تم إلقاء القبض عليها من قبل النقيب (غرازياني) ومعه ستة جنود آخرين، وكانوا جميعهم يرتدون زيَّاً مدنياً.

تم اقتياد "جميلة بو عزة" إلى منطقة الأبيار حيث أدخلها الجنود في عمارة تحت الإنشاء بها مكان الاحتجاز، وهناك تعرضت لتعذيب شديد.

تحت وطأة التعذيب والتنكيل، اعترفت "جميلة بو عزة" بانتسابها إلى جبهة التحرير، كما اعترفت لمعذبيها بأنها كانت واحدة من اللائي زرعن الرعب في صفوف جنود الاحتلال الفرنسي، وأن بنات الجزائر كلهن جميلة، وهن جاهزات في كل حين لبث المزيد من الزعر في صفوف الجنود الفرنسيين، إلا أنها لم تعترف لهم بأي معلومات تخص مهام وتحركات زملائها وزميلاتها في جبهة التحرير.

وتحت وطأة التعذيب الشديد، وجراء رؤيتها للمناظر البشعة لتعذيب المعتقلين داخل مكان سجنها في منطقة الأبيار، أصيبت جميلة بو عزة باضطرابات نفسية شديدة أوشكت أن تؤدي بها إلى الجنون.

رابعاً: رحلة المناضلة "جميلة بو عزة" داخل السجون الجزائرية والفرنسية

تم نقل "جميلة بو عزة" إلي سجن "بربروس" الشهير في شمال العاصمة الجزائرية حيث قضت فيه أربعة أشهر لاقت فيهم صنوف العذاب والتنكيل والاستجوابات، وفي النهاية تم الحكم عليها بالإعدام هي وكل من معها من السجناء وكان ذلك في عام 1957م.

كانت "جميلة بوعزة" و "جميلة بوحيرد" ضمن ست نساء أخريات حكم عليهن الاحتلال الفرنسي بالإعدام في هذه المحاكمة الظالمة، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الحكم على النساء بالإعدام.

بعد النطق بحكم بالإعدام ظلت جميلة ومن معها من النساء المعتقلات تسعة أشهر دون أن ينفذ فيهن حكم الإعدام وخلال هذه الأثناء وصل الجنرال الفرنسي "ديغول" إلى الحكم.

واجه الجنرال الفرنسي "ديغول" ضغوطاً عالمية واحتجاجات من المنظمات الإنسانية في الكثير من الدول ضد المحاكمة الغير عادلة لـ "جميلة بو عزة" ومن معها من النساء، مما اضطر الجنرال "ديغول" إلى إلغاء الإعدام بالنسبة للنساء وتخفيفه للسجن المؤبد.

نقل المناضلة "جميلة بو عزة" إلى فرنسا

تم نقل "جميلة بو عزة" في طائرة عسكرية إلى سجن "بومات" الشهير في مدينة "مارسيليا" جنوبي فرنسا، ومنه إلى سجن آخر تعرضت فيه إلى أقصى وأقسى ألوان التعذيب النفسي والجسدي.

ومن داخل السجن كتبت "جميلة بو عزة" رسالة مُطوَّلة إلى (ميشلي) وزير العدل الفرنسي آنذاك تحتج فيها على حالة القهر التي تتعرض لها مما أدى إلى نقلها إلى سجن آخر في منطقة (البيرينيه) على الحدود الفرنسية الإسبانية.

خامساً: إطلاق سراح المناضلة "جميلة بو عزة"

ظلت "جميلة بو عزة" تتنقل من سجن إلى آخر داخل فرنسا إلى أن استقرت في سجن يقع في منطقة "بروتان"، وظلت به إلى أن تم إطلاق سراحها في إبريل عام 1962م.

سادساً: وفاة المناضلة الجزائرية "جميلة بو عزة"

ظلت "جميلة بو عزة" على قيد الحياة إلى أن أصيبت بنوبة قلبية وتوفاها الله في منتصف عام 2015م عن عمر 78 عاماً.

وأخيراً أقول

رحم الله المناضلة "جميلة بو عزة" رحمة واسعة، وتقبل اللهم سعيها ونضالها، فلقد كانت مجاهدة شابة مُفعمة بالثورة والمهام الثورية الشاقة، ومناضلة شهيرة من مناضلات الاستقلال، ويكفينا أن نعرف أنها رفيقة درب المناضلة "جميلة بوحيرد" والمناضلة "جميلة بو باشا"، ويكفينا أن نعرف كذلك أنها إحدى "الجميلات الثلاث" اللواتي ضربن المحتل الفرنسي في سويداء قلبه ونقلن الثورة إلى مجدها التاريخي حتى حققت أهدافها. فحق لهن أن يتغنى الشعب الجزائري إلى يومنا هذا بما حققته الجميلات الثلاث من بطولات.

 

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
خبير تربوي وكاتب في بعض المواقع المصرية والعربية المهتمة بالشأن التربوي والسياسي، قام بتأليف مجموعة من الكتب من بينها (منظومة التكافل في الإسلام– أخلاق الجاهلية كما صورها القرآن الكريم– خير أمة).

شاهد أيضاً

بين عقيدة الإسلام و”عقيدة الواقعية

للإسلام تفسيرٌ للواقع وتعاملٌ معه بناءً على علم الله به ومشيئته فيه، كما يثبتهما الوحي. …