ما تزال جائحة الكورونا هي الحدث الأبرز في عالم اليوم، فما زال الضحايا يتساقطون في كل أنحاء العالم، موتى ومصابين.
ولا أظن _فيما أعلم_ أن هناك وباء انتشر في العالم كله بهذا الشكل من قبل. قد تكون هناك أوبئة أسقطت موتى أكثر من هذا الفيروس، لكن ذلك الانتشار الضاري في كل شبر من الأرض شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، لم يحدث من قبل في أي وباء عالمي سابق.
ومرد ذلك لسببين اثنين، السبب الأول يرجع لطبيعة الحياة المعاصرة وتَوفّر وسائل النقل الكثيرة وسرعتها بين البقاع المختلفة على ظهر الأرض، وانتقال الناس بهذه الوسائل من هنا لهناك هو سبب كبير لهذا الانتشار المخيف لهذا الفيروس.
ولقد نشرت بعض وسائل الإعلام صورا لحركة النقل الجوي من مدينة ( ووهان ) الصينية التي بدأ منها هذا الفيروس، فأظهرت الصور أنه لم تسلم_تقريبا_ منطقة في العالم كله من المسافرين من مدينة ووهان إليها. فحركة التبادل التجاري والسياحي والعملي والعلمي جعلت الأرض كلها قرية واحدة حقا.
حتى أن البعض ذهب إلى أن زيادة حركة السفر من مدينة ووهان لأنحاء العالم في أثناء انتشار الفيروس مع التعتيم على الأمر كان مقصودا لنشره في العالم كله. وهذه من الآراء التي تُطلق للتأكيد على بعد المؤامرة في الأمر.
والسبب الثاني في هذا الانتشار لذلك الفيروس يرجع إلى طبيعته هو نفسه، من حيث كونه فيروسا ينتقل بسرعة كبيرة بمجرد التلاصق أو التلامس أو حتى التجاور.
حيث أكدت الأبحاث الأخيرة أنه ينتقل عبر الهواء عند التجاور بين المصاب وغيره لمسافة قصيرة بينهما.
مرض نقص المناعة ( الإيدز ) مثلا، لا ينتقل من المصاب إلى غيره إلا بنقل الدم أو الاتصال الجنسي أو من الأم إلى رضيعها. مما يجعل انتشار الإيدز قليلا جدا، مع كونه مرضا فتاكا قاتلا.
أما فيروس الكورونا هذا، فهو يشبه فيروسات الإنفلونزا، التي تنتقل بسرعة كبيرة، وقد كانت الإنفلونزا العادية في بداية ظهورها مرضا لا علاج له، ومات بسببها الكثيرون جدا، إلى أن وُجدت لها العلاجات المناسبة، فأصبحت من أبسط الأمراض وأخفها، إلا أن تظهر سلالات جديدة منها، بصفات جينية متحورة، فتكون أشد فتكا، ولا تؤثر فيها الأدوية المتاحة، وهذا هو ما حدث في الكورونا.
ذهبت بعض الآراء إلى أن هذا الفيروس هو فيروس مُصنّع معمليا، في معامل دولة ما، في ما يسمى بالأسلحة البيولوجية، وهي الأسلحة التي تستخدم الغازات السامة والأوبئة الفتاكة لإلقائها على العدو المحارب بالقنابل والصواريخ، وهي أسلحة العصر القادم كما يقول الكثيرون، لأن الأسلحة المدمرة والمفجرة، مهما بلغت درجة تدميرها فهي محدودة في النهاية بمساحة مكانية لا تتخطاها، أما الأسلحة البيولوجية والكيميائية فإن مساحاتها المكانية تكون أكبر بأضعاف الأضعاف، كما أنها تنتشر من هنا لهناك ومن هناك لهنا بسرعة كبيرة.
إن كانت هذه الآراء التي تؤكد على أن هذا الفيروس مصنّع معمليا آراء صحيحة فإننا أمام مصيبة كبرى، تتمثل هذه المصيبة في أننا كبشر قد بلغنا مبلغا في التعادي والتخطيط له إلى درجة يُخشى معها من دمار الجنس البشري كله وفنائه عن آخره في القريب العاجل بيد البشر أنفسهم.
فكيف يذهب البشر في هذا الطريق المُفني، لتجتهد أكبر عقولهم في إنتاج أدوات الموت والتفنن في تطويرها بدلا من الاجتهاد في إنتاج أدوات الحياة والتفنن في تطويرها.
وكيف يذهب البشر بعقولهم الشيطانية إلى حد أن يختبروا مثل هذه الأسلحة البيولوجية بهذا الشكل و ينشروها لأهداف استراتيجية قريبة وبعيدة_ كما يقال _.
كيف يستهتر البشر بمصيرهم البشري كله لمجرد التفوق الاقتصادي والعسكري فيما بينهم، وكيف يسعون لهلاكهم جميعا بهذه الحيوانية والشيطانية التي ليس لها مثيل في دنيا الكائنات الحية كلها، فما رأينا كائنا حيا يُعمل عقله فيما من شأنه أن يُفني سلالته كلها لمجرد عدائه مع كائن آخر من فصيلته، أو حتى من غير فصيلته.
إن كان للإنسان دخل في تصنيع ذلك الفيروس ونشره فتلك مصيبة كبرى تنذر بالكوارث مستقبلا.
وإن لم يكن للإنسان دخل في ذلك فالمصيبة أكبر والخوف من المستقبل أعظم.
لأنه إن كان هذا الفيروس قد نشأ وانتشر بعيدا عن يد الإنسان وتدخله فإن القادم مخيف أكثر، حيث أن ذلك ينذر بعودة فيروسات أخرى للتكون والانتشار في المستقبل، وسيكون تحورها الجيني أكبر، مما سيجعلها أكثر انتشارا وأشد فتكا.
بيل جيتس الملياردير الأمريكي الشهير وأغنى أغنياء العالم لسنوات طويلة، والمهتم بالقضايا الصحية والبيئية والعلمية العالمية، حذر منذ سنوات من خطورة الانتشار الفيروسي، وأخبر أننا سنكون على موعد في قابل الأيام مع انتشارات فيروسية خطيرة، ومع حروب مع الطبيعة ستكون أكبر وأكبر.
الإنسان في حركته العلمية والعملية يدمر نفسه بقصد وبغير قصد، فهو من ناحية يطور أسلحته لتكون أشد فتكا وانتشارا، ومن ناحية يزيد من حركته التصنيعية والإنتاجية والتطويرية البيولوجية والكيميائية فيؤدي ذلك إلا تخلّق أوبئة وفيروسات جديدة عن غير قصد منه، وانتشارها في الناس عن غير قصد كذلك، ويكون لذلك أخطر الأثر على البشرية ووجودها على الأرض.
التلوث البيئي الذي يصنعه الإنسان بصناعاته ومصانعه ومنتجاته، والتحوير الجيني والبيولوجي في النباتات والحيوانات التي يعمد الإنسان إليها لزيادة الإنتاج وجودته، كل ذلك يؤدي إلى مزيد من الاختلال الحيوي العام في الأرض، مما ينذر بأوبئة أكثر وفيروسات أكثر.
لكأنها من سنن الحياة التي جعلها الله حاكمة لهذه الأرض وللحياة عليها، كلما تدخل الإنسان في حركة الحياة، كلما أفسد بما لا يقل عن إصلاحه، وخصوصا مع حركة البشر المدفوعة بجشعهم ولا أخلاقياتهم وتعاديهم وتحاسدهم.
لو تخلص البشر من عُقد الأنانية والتحاسد والتباغض والتعادي والجشع فيما بينهم، لأصلحت خطواتهم العلمية والعملية، وجعلت حياتهم أحسن وأفضل، أما وأنهم لم يتخلصوا من كل ذلك، فإنهم لا يصلحون أكثر مما يفسدون، بل ربما يزيد إفسادهم عن إصلاحهم.
إن لم يكن للبشر دور مباشر في تصنيع الكورونا، فإننا قد بتنا في عصر جديد، سنكون فيه على موعد كل حين، مع وباء جديد، وفيروس جديد، ستصنعه الطبيعة بما فيها من ملوثات وتدخلات بشرية في بيولوجية الكائنات وكيميائيتها، وسيكون الخطر أعظم.
لأنهم لو صنعوه تصنيعا مباشرا بأنفسهم، فلربما يتراجعون بعد ذلك عن تصنيع مثله لما رأوه من الخطر الداهم على البشرية جميعها. أمّا إن كان بغير تصنيعهم المباشر، فسيعود بعد ذلك في أشكال أخرى رغما عنهم، وستكون أشد فتكا وأكثر انتشارا.
سلّم يا رب سلّم!