تحدثنا في الجزء الأول من هذا الموضوع بفضل الله تعالى عن مجموعة نقاط، وهي:-
أولاً: نظرة بلاد الغرب والطوائف الغير إسلامية للزيادة السكانية.
ثانياً: نظرة الدول العربية والإسلامية للزيادة السكانية.
ثالثاً: المخطط الغربي للحد من الإنجاب في الدول العربية والإسلامية.
رابعاً: طرق تحقيق التوظيف الأمثل للزيادة السكانية في الدول العربية والإسلامية.
وفي الجزء الثاني والأخير من الموضوع سنكمل حديثنا بفضل الله تعالى حول ما تبقى من نقاط.
خامساً: ثقافة تشجيع الإنجاب في بعض دول العالم
من العجب العُجاب أن تجد الدول التي تُصدِّر ثقافة الحد من الإنجاب ووسائل منع الحمل وقلة الإخصاب وغيرها من الوسائل للبلاد الإسلامية هي نفسها التي تحث مواطنيها على كثرةَ الإنجاب، وتشجِّع عليه..
للحد الذي جعل بعض الدول تصدر قوانين بهذا الشأن، وترصد مكافآت مُغرية وامتيازات خاصة لكل أسرة تنجب طفلاً جديداً.
وللحد الذي جعل بعض الدول تفتح بلادها لاستقبال ملايين المهاجرين واللاجئين من بلاد العرب والمسلمين وباقي دول العالم.
وللحد الذي يجعل هذه الدول الغربية تمنح جنسيتها للأفراد من جنسيات أخرى لزيادة عدد السكان بها.
1- ففي الدنمارك تقوم القنوات التليفزيونية بتحفيز المواطنين على كثرة الإنجاب بشعارات مثل "افعلها من أجل الدنمارك"، و "افعلها من أجل أمك" أي لتحقق رغبة أمك في أن يكون لها حفيد.
* وفي الدنمارك أيضاً، قامت الشركات السياحية هناك بتقديم رحلات مخفضة للأزواج تحت عنوان "عطلة لممارسة الجنس"، ولمزيد من الإغراء قامت الشركات بإهداء عربة أطفال وحفاضات على مدى ثلاثة أعوام في حالة حدوث حمل أثناء هذه العطلة.
2- وفي سنغافورة قامت الحكومة بمضاعفة المنحة التي تقدمها للآباء والامهات على كل طفل حيث وصلت إلى 50 ألف دولار سنغافوري، أي ما يزيد عن (35 دولار أميركي)، بالإضافة إلى حصول الآباء والأمهات على مبلغ 4 آلاف دولار سنغافوري، أي ما يقرب من (3 آلاف دولار أميركي) في شكل إعفاءات ضريبية.
3- وفي روسيا اعتبروا يوم 12 سبتمبر من كل عام هو (اليوم الوطني للحمل) والمرأة التي تنجب بعد تسعة أشهر من هذا اليوم تحصل على مكافأة.
* وفي روسيا أيضاً، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال رسالته السنوية للجمعية الفدرالية، عن دعم كبير للأسر الروسية، تضمن تقديم مخصصات مالية لتشجيع الإنجاب.
وقال بوتين، إنه اعتباراً من بداية عام 2020م، ستحصل الأسرة الروسية عند ولادة الطفل الأول على 466617 روبل (نحو 7600 دولار)، وعند ولادة الطفل الثاني ستحصل الأسرة على 150 ألف روبل أخرى (2400 دولار).
وذلك حسب ما ورد في (موقعRT وموقع عرب روسيا بتاريخ 15 يناير 2020م).
4- وفي إيطاليا تم اتخاذ إجراء حكومي تم إدراجه في مشروع ميزانية عام 2019 ينص على التنازل عن قطعة أرض من الملك العام للدولة لمدة 20 عاماً لصالح العائلات التي تتوسع في الإنجاب بين 2019 و2021.
هذا بجانب قيام الحكومة الإيطالية بإبرام اتفاق مع البنوك لتقديم قروض تصل إلى عشرة آلاف يورو عند الولادة، لتشجيع المواطنين على الإنجاب.
5- وفي هولندا تم وضع خطة لزيادة الإنجاب أطلقت عليها "منحة المولود"، التي تمنح بموجبها لكل مواطن قرض قيمته 10 آلاف يورو عن كل مولود جديد، على أن يُقسَّط المبلغ على 10 سنوات.
كما قامت الحكومة الهولندية بالعمل على تذليل العقبات التي تدفع الأزواج إلى الحد من الإنجاب، وقامت الحكومة الهولندية بمنح الآباء مبالغ مالية ثابتة تصل إلى 300 يورو كل 3 أشهر للمساعدة في رعاية الأطفال.
6- وفي ألمانيا قامت الحكومة بتحفيز المواطنين على زيادة الإنجاب بسن قانون يسمح للوالدين بالحصول على إجازة من العمل بأجر يصل إلى 67% من أجرهم لرعاية أطفالهم.
كما سعت الحكومة إلى إجراء توسع ضخم في أماكن مدارس الحضانة التي تسمح للنساء بتربية الأطفال مع الاستمرار في العمل.
وأسندت المستشارة الألمانية ميركل مهمة وزارة شؤون الأسرة المعنية بتشجيع زيادة النسل لوزيرة "أم لسبعة أبناء" وهي "أرسولا فون دير لاين".
7- وفي فرنسا قام عمدة بلدة "مونتيرو" في شمال فرنسا، بإصدار قرارًا رسميًا بتوزيع حبات الفياجرا على الأزواج بين 16 و 40 عامًا لتشجيعهم على الإنجاب بعد أن لاحظ قلة عدد التلاميذ في المدارس.
بالإضافة إلى قيام فرنسا بتقديم المزيد من المزايا والإعفاءات الضريبية للأسرة التي تزيد فيها نسبة الإنجاب.
ومن بين هذه المزايا زيادة حصة المساعدات بازدياد عدد الأطفال في العائلة، وتقديم الدعم المالي للعناية بالأطفال تحت سن الثالثة، والأمن الوظيفي لأرباب الأسر، وإلحاق الأطفال في سن الثالثة بالمراكز التعليمية مع تكفل الحكومة بدفع رواتب للمربيات.
8- وفي تركيا حدد الرئيس التركي "أردوغان" رؤيته حول تشجيع زيادة الإنجاب بقوله:
"يحدثوننا عن منع الحمل والتخطيط الأسري، لكن لا يمكن لأي أسرة مسلمة أن تفكر على هذا النحو. وقام بمطالبة الأسر بوقف استخدام وسائل منع الحمل، بعد أن اعتبرها نوعاً من "الخيانة".
كما عملت الحكومة التركية على تقديم تسهيلات ومنح مادية للشباب من أجل الزواج وتشجيع الإنجاب.
وكذلك قررت الحكومة منح الأمهات تسهيلات بخصوص القيام بأجازة رعاية الطفل بعد انتهاء الأجازة الرسمية، بالإضافة إلى قرارات تتعلق بدعم حضانات الأطفال، ومراكز العناية بهم.
9- وفي تايلاند لجأت الحكومة إلى المِنح النقدية والحوافز لزيادة معدل المواليد لكنها في يوم (عيد الحب) تبنت نهجاً جديداً، حيث تقوم بتقديم أقراص فيتامينات ومكملات غذائية تساعد في حدوث الحمل.
وقامت بعض الشركات في تايلاند بتقديم شهادة من ذهب تبلغ قيمتها ما يعادل (636 دولار أمريكي) لمن يوثقون زواجهم يوم عيد الحب.
10- وفي الصين ذكرت صحيفة "تشاينا ديلي الصينية"، أن الصين تدرس حالياً منح مزايا وحوافز مالية لسكانها، لتشجيعهم على الإنجاب بعد أن منعتهم القيود الاقتصادية قبل ذلك من زيادة عدد أفراد الأسرة.
* وفي الصين أيضاً، يتم دراسة آراء واقتراحات تقضي بجعل الأسر التي لديها طفلا واحدا أو ليس لديها أطفال أن تساهم مادياً في "صندوق الأمومة" الذي من شأنه دعم وتعويض العائلات الراغبة في الإنجاب، بهدف التخفيف من حدة مشكلة شيخوخة المواطنين التي بدأت الصين تعاني منها.
11- وفي بولندا تشجع الحكومة المواطنين على الإنجاب من خلال إغراءات عديدة وتتبنى حملة بعنوان (تكاثروا مثل الأرانب).
كما قامت الحكومة البولندية ببث مقطع فيديو لا تتجاوز مدته 30 ثانية ويظهر فيه أرنب وهو يكشف أسرار تكوين عائلة كبيرة، فيتحدث عن الغذاء الصحي المناسب والرياضة وتجنب التوتر، قبل أن يقول: "إذا أردت أن تكون أباً، فخذ الأرانب مثالاً. أعرف جيداً عما أتحدث، فوالدنا لديه 63 طفلاً!"، كما يتضمن الفيديو لقطات لزوجين في الطبيعة في مشهد رومانسي.
12- وفي إيران وضعت الحكومة خطة سكانية تستهدف الوصول بعدد سكان إيران إلى 150 مليون نسمة بحلول العام 2050.
وخصصت الحكومة الإيرانية ميزانية خاصة لتشجيع الإيرانيين على زيادة الإنجاب، والدفع باتجاه تشريعات تمنح المرأة العاملة وقتاً كافياً للإنجاب، والاعتناء بالأطفال، مع بقائها عاملة أيضاً.
13- وفي الكيان الصهيوني يتم تشجيع السكان على الإنجاب بدرجة مثيرة للاشمئزاز، فقد طالب رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي الأسبق " مناحم بيجن " الإسرائيليات أن ينجبن سواء كان ذلك بطريق شرعي أو غير شرعي، حسب ما نشر في موقع (إسلام أون لاين بتاريخ 30 أكتوبر 2017).
* وفي الكيان الصهيوني أيضاً نجد أن "طائفة الحريديم" اليهودية المعروفة بأصوليتها تحرص على كثرة الإنجاب حيث أن متوسط الزيادة السكانية لدى "طائفة الحريديم" هو الأعلى في إسرائيل، وهو ما نتج عنه زيادة سنوية لأعداد هذه الطائفة وصلت إلى حوالي 7% عام 2002، وهي نسب مرتفعة حيث ينجب كل زوج منهم ما بين 7 : 9 أطفال.
سادساً: بعض النتائج التي توصلت إليها الدراسات والأبحاث حول العالم فيما يخص الحمل والإنجاب والرضاعة الطبيعية.
* جاء في بحث بعنوان: الاتفاقيات الدولية المعنية بالطفل والشريعة الإسلامية (دراسة تحليلية)، جاء فيه:
"وكما يقول د. سنانوي: "أن على المرأة من الناحية البيولوجية أن تبدأ الحمل من خلال سنوات قليلة بعد سن البلوغ، فقد تبين أن إنجاب المرأة لأول طفل من أطفالها في سن مبكرة تحت العشرين هو أهم وسائل الوقاية من سرطان الثدي" أهـ.
وأثبتت الدراسات والأبحاث الحديثة أن
1- كثرة الإنجاب تقلل نسبة إصابة المرأة بسرطان الرحم.
2- الرضاعة الطبيعية تقوم بخفض نسبة هرمون الاستروجين في الجسم، وهو الهرمون المسئول عن تنشيط الخلايا السرطانية في الثدي، وهو الأمر الذي يؤدي إلى خفض خطر الإصابة بهذا المرض.
3- حليب الأم يقوم بإفراز بعض المركبات الخاصة التي تعمل على حماية خلايا الثدي من إصابته بالورم السرطاني.
4- حبوب منع الحمل التي يتمُّ تناولها عبر الفم، تؤدي إلى خطر الإصابة بسرطان الثدي، وعنق الرحم والكبد، ولكنها تُخفِّض الإصابة بسرطانات المبيض وبطانة الرحم.
اقرأ أيضا: ثقافة الإنجاب بين ميزان الشرع وميزان الواقع
وفي نهاية المطاف يمكننا أن نقول
إن الإنسان مهما شَرَدَ يميناً وشمالاً وشرقاً وغرباً، ومهما جرَّب وتحايل، فلن يقوى على مواجهة نواميس الكون لأنها غلَّابة "أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {14}" (الملك: 14).
