لنعوم تشومسكي كلمة رائعة؛ يقول فيها: "المثقف هو من يحمل الحقيقة في وجه القوة."
وهذه القوة، ليست مجرّد سلطة عسكرية أو قانونية، وليست مجرد قوة السلاح أو القسر أو الإجبار. لكنّ مفهوم القوة يتسع لأكثر من ذلك. فهناك قوة الأعراف، وقوة التقاليد، وقوة ما يحبه الأصحاب والمقرّبون، وقوة ما تحبه النفس وتركن إليه. وهناك قوة عدم الرغبة في الاختلاف، وقوة الرغبة في التوافق مع كل الناس، والحصول على أكبر قدر من الثناء من كل الناس، وهناك قوة ما يطلبه المستمعون، حتى قال أحدهم: "لو حزت رضا الناس جميعا، فعليك أن تشكّ في إخلاصك!" وصنوف القوة أبعد من أن تُحصى!
وربما قصد تشومسكي بالمثقف: "صاحب الرسالة". فالثقافة ليست ولا ينبغى أن تكون هدفا، أو رغبة مجرّدة في حد ذاتها. فكم من مثقف، منحرف العقيدة أو السلوك! وكم من مثقف، يعبد الأصنام والفئران! وكم من مثقف، يستغلّ ثقافته في الترويج للباطل وإضلال غيره. وكم من مثقف، لم تنفعه ثقافته في أمر بمعروف أو نهي عن منكر! وكم من مثقف، آثر رضا الناس على رضا ربه أو عقيدته.
ولا يلزم أن يكون صاحب الرسالة مثقفاً. فكم من أناس بسطاء، كانوا أصحاب رسالة أسمى من مثقفين! وكم من صاحب رسالة، لم يتجاوز نصيبه من الثقافة، ما يتحلى به من فطرة! وكما روى الإمام مسلم: "رُبّ أشعثَ أغبرَ ذي طِمْرين، مدفوعٍ بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرّه!"
ولذلك، لم يكن رضا الله تعالى موعودا للمثقف، أو العالم، أو صاحب الشهادات، أو شاغل المناصب، بل كان موعودا لصاحب الرسالة، صاحب القلب السليم.
إلا من أتى الله بقلب سليم!