تزكية النفس

الرئيسية » بأقلامكم » تزكية النفس
muslim12

لقد أقسم الله في كتابه الكريم في سورة الشمس أحد عشر قسما على فلاح من زكي نفسه و خسران من أهمل تزكية النفس قال تعالى {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي وأبو زرعة قالا حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا أبو مالك – يعني عمرو بن هشام – عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول في قول الله: (قد أفلح من زكاها) قال النبي – صلى الله عليه وسلم - “ أفلحت نفس زكاها الله “

وقال الطبراني: حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح، حدثنا أبي، حدثنا ابن لهيعة، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا مر بهذه الآية: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) وقف، ثم قال:” اللهم آت نفسي تقواها، أنت وليها ومولاها، وخير من زكاها “.

قال ابن جرير الطبري قد أفلح من زكَّى الله نفسه، فكثَّر تطهيرها من الكفر والمعاصي، وأصلحها بالصالحات من الأعمال.

وقد خاب في طِلبته، فلم يُدرك ما طلب والتمس لنفسه مِن الصلاح مَنْ دساها يعني: من دَسَّس الله نفسه فأَخْمَلها، ووضع منها، بخُذلانه إياها عن الهدى حتى ركب المعاصِيَ، وترك طاعة الله.

و لما كانت التزكية تعتبر من مقاصد القران الأساسية، فإن الله تعالى جعل الفلاح مطلب العالمين، و قد رتبه الله تعالى على تزكية النفس و تربيتها و تطهيرها فقال عز وجل (قد أفلح من تزكى) و قال (قد افلح من زكاها و قد خاب من دساها)

لأجل هذا فقد بعث الله تعالى رسوله معلما و مربيا و مزكيا و مهذبا لنفوس الناس، حيث قال الله تعالى في بيان مهمته (هُوَالَّذِيبَعَثَفِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).

فكان صلى الله عليه و سلم يتعاهد نفوس أصحابه بالتربية و التزكية.

و لقد كانت رسالات الأنبياء جميعا صلوات الله عليهم دعوة إلى التزكية حيث دعا موسى فرعون لتزكية نفسه (فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ)

و رتب الله عز و جل الجزاء على من ذلك فقال (جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ)

و قال (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى)

يقول الشيخ سعيد حوى رحمه الله في تعريف التزكية: (زكاة النفس تطهيرها من أمراض و آفات و تحققها بمقامات و تخلقها بأسماء و صفات، فالتزكية في النهاية:تطهير و تحقق و تخلق).

فتزكية النفس من أهم الفرائض العينية و أوجب الاوامر الإلهية، قال السيوطي رحمه الله (و أما علم القلب و معرفه أمراضه من الحسد و العجب و الرياء و نحوها فقال الغزالي رحمه الله: أنها فرض عين).

قال ابن القيم رحمه الله: (وقد اتفق السالكون على اختلاف طرقهم وتباين سلوكهم على أن النفس قاطعة بين القلب وبين الوصول إلى الرب، وأنه لا يدخل عليه سبحانه ولا يوصل إليه إلا بعد إماتتها والظفر بها).

وقال سيد قطب رحمه الله: (إن هذا الكائن مخلوق مزدوج الطبيعة، مزدوج الاستعداد مزدوج الاتجاه، بمعنى أنه في طبيعة تكوينه: من طين الأرض، ومن نفخة الله فيه من روحه، وهو لذلك مزود باستعدادات متساوية للخير والشر، والهدى والضلال، فهو قادر على التمييز بين ما هو خير وما هو شر، كما أنه قادر على توجيه نفسه إلى أيهما أراد، وهذه قدرة كامنة في كيانه يعبر عنها القرآن بالإلهام تارة “ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها...” ويعبر عنها بالهداية تارة “وهديناه النجدين” وإلى جانب هذه الاستعدادات الفطرية الكامنة قوة واعية مدركة موجهة في ذات الإنسان هي التي تناط بها التبعة، فمن استخدم هذه القوة في تزكية نفسه وتطهيرها وتنمية استعدادات الخير فيها وتغليبها على استعدادات الشر فقد أفلح، ومن أظلم هذه القوة وخبأها وأضعفها فقد خاب “قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها”.

تنقسم تزكية النفس إلى قسمين رئيسين هما: التحلية، والتخلية، فالتخلية: يقصد بها تطهير النفس من أمراضها وأخلاقها الرذيلة. وأما التحلية: فهي ملؤها بالأخلاق الفاضلة كالتوحيد والإخلاص والصبر، والتوكل والإنابة، والتوبة، والشكر، والخوف والرجاء، وحسن الخلق وإحلالها محل الأخلاق الرذيلة بعد أن خليت منها.

من الوسائل المعينة على تطهير النفس و تزكيتها:

  • التوبة، فهي أول مقامات منازل العبودية عند السالكين، قال الله عز وجل منوها بشأنها: “وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون” وقال سبحانه: “يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم...”.
  • لزوم الاستغفار والذكر عموماً، لقول الله عز وجل: “ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين...”. وقوله سبحانه: “والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم...” وقال تعالى: “ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيما” وقال تعالى: “والمستغفرين بالأسحار” “وبالأسحار هم يستغفرون” “فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا”.
  • العمل على تطهير النفس من أخلاقها الرذيلة كالرياء والعجب والشح والبخل، والحرص والطمع، والأمن من مكر الله.
  • تحليتها بالأخلاق الحميدة الفاضلة بعد أن أصبحت جاهزة لها بتخليها على الأخلاق الدنيئة، وهذه الأخلاق هي مثل: الإخلاص، والإنابة، والخوف من الله، والشكر، والتواضع.…
  • المحافظة على الفرائض، لأنها أفضل طاعة يتقرب بها العبد إلى مولاه "وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه".
  • الإكثار من النوافل لقول الله عز وجل: "...ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه..." وأعظمها تأثيراً في تزكية النفوس هو ما كان منها أكثر مذلة وخضوعاً لله عز وجل.
  • تدبر القرآن، فهو جلاء القلوب وإذا صفى القلب زكت النفس، ففي الحديث: ((إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد قيل وما جلاؤها قال: تلاوة القرآن وذكر الموت)) وقد قال الله عز وجل: " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته" وقال سبحانه "أفلا يتدبرون القرآن...".
  • الاكثار من ذكر الموت عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«أكثروا ذكر الموت فإنه يمحص الذنوب ويزهد في الدنيا، فإن ذكرتموه عند الغنى هدمه، وإن ذكرتموه عند الفقر أرضاكم بعيشكم» (ذكره المنذري في “الترغيب” "4/236" وقال: رواه البزار بإسناد حسن)

و أخيرا نختم بهذه الوصية الغالية التي ذكرها الغزالي في إحياء علوم الدين:

ويحك يا نفس لا ينبغي أن تغرك الحياة الدنيا ولا يغرك بالله الغرور، فانظري لنفسك فما أمرك بمهم لغيرك فاغتنمي الصحة قبل السقم، والفراغ قبل الشغل، والغنى قبل الفقر، والشباب قبل الهرم، والحياة قبل الموت، واستعدي للآخرة على قدر بقائك فيها، يا نفس أما تستعدين للشتاء بقدر طول مدته، فتجمعين له القوت والكسوة والحطب وجميع الأسباب، ولا تتكلين في ذلك على فضل الله وكرمه حتى يدفع عنك البرد من غير جبة ولبد وحطب. وهو القادر على ذلك، أفتظنين أيتها النفس أن زمهرير جهنم أخف برداً وأقصر مدة من زمهرير الشتاء، أم تظنين أن ذلك دون هذا، أم تظنين أن العبد ينجو منها من غير سعى ؟ هيهات !! فكما لا يندفع برد الشتاء إلا بالجبة والنار وسائر الأسباب فلا يندفع حر النار وبردها إلا بحصن التوحيد وخندق الطاعات. فإذا كنت يا نفس لا تتركين الدنيا رغبة في الآخرة لجهلك وعمى بصيرتك فما لك لا تتركينها ترفعاً عن خسة شركائها، وتنزهاً عن كثرة عنائها، وتوقياً من سرعة فنائها، أم مالك لا تزهدين في قليلها بعد أن زهد فيك كثيرها، فيا حسرة عليك إذ خسرت الدنيا والدين، فبادري ويحك يا نفس فقد أشرفت على الهلاك، واقترب الموت وجاء النذير، ويحك يا نفس مالك إلا أيام معدودة هي بضاعتك إن اتجرت فيها، وقد أضعت أكثرها، أما تعلمين يا نفس أن الموت موعدك، والقبر بيتك والتراب فراشك، والدود أنيسك، والفزع الأكبر بين يديك، ويحك يا نفس أما تستحين تزينين ظاهرك للخلق، وتبارزين الله في السر بالعظائم، أفتستحين من الخلق، ولا تستحين من الخالق، ويحك أجعلته أهون الناظرين إليك، أتأمرين الناس بالخير وأنت متلطخة بالرذائل، تُدْعَيْن إلى الله وأنت عنه فارة، وتذكرين بالله وأنت لـه ناسية، ويحك يا نفس لو عرفت نفسك حق المعرفة لظننت أن الناس لا يصيبهم بلاء إلا بشؤمك.

اللهم آت نفوسنا تقواها، و زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها و صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد و على آله و صحبه وسلم .

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

بين عقيدة الإسلام و”عقيدة الواقعية

للإسلام تفسيرٌ للواقع وتعاملٌ معه بناءً على علم الله به ومشيئته فيه، كما يثبتهما الوحي. …