حوار الفصائل الفلسطينية في القاهرة وفرصة ربما تكون الأخيرة!

الرئيسية » بصائر الفكر » حوار الفصائل الفلسطينية في القاهرة وفرصة ربما تكون الأخيرة!
QXfQf

ليس مِن قبيل المبالغةِ القول بأنَّ حوارات الفصائل الفلسطينية الأخيرة في القاهرة، هي فرصةٌ ربَّما تكونُ الأخيرة أمام قادة والسلطة والفصائل على حَدٍ سواء، لإنقاذ ما تبقى من القضية الفلسطينية، والحفاظ عليها حيًّةً أمام العالم.

وهذا حرفيًّا بالفعل ما قاله وزير المخابرات العامة المصري، اللواء عباس كامل للحضور الفصائلي الفلسطيني، بحسب ما نقلته صحيفة "الأخبار" اللبنانية عن بعض المصادر حول الاجتماعات التي تمت.

يعود ذلك إلى أكثر من عاملٍ. العامل الأول، طول فترة الانقسام، والتي تصل الآن إلى ما يقرب من 15 عامًا، وبينما القضية الفلسطينية مُعطَّلة بالفعل في طرح نفسها بالقوَّةِ اللازمة كقضية أرض وشعب، بمختلف جوانبها؛ الإنسانية والقانونية والسياسية والدينية؛ فإنَّ الخصوم؛ المشروع الصهيوني وأنصاره، يتحرَّكون بنجاحٍ محققين مكاسب على الأرض، وصلت إلى مستوى – في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب – أنَّه حتى حلَّ الدولتَيْن على أساس حدود الـ67 أو حتى حدود "أوسلو" وفق مبدأ تبادل الأراضي، ولا تشمل القدس؛ بات غير متاحٍ، بل غير مطروحٍ.

وفي ظل ما جرى في السنوات القليلة الماضية من تطورات في مختلف الاتجاهات والمحاور المرتبطة بشكل مباشرٍ أو غير مباشرٍ بالصراع العربي الصهيوني والقضية الفلسطينية في صُلبِه؛ فإنَّ تعهدات الإدارة الأمريكية الجديدة، بقيادة جوزيف بايدن، بالعودة إلى حَلِّ الدولتَيْن؛ لن تكون قابلة للتطبيق.

فعلى سبيل المثال، اعترفت إدارة بايدن بنقل السفارة الأمريكية لدى الكيان الصهيوني، من تل أبيب إلى القدس، وأعلنت اعترافها بما يُعرَف "اتفاقيات أبراهام" التي أطلقتها إدارة ترامب للتطبيع بين الدول العربية وبين الكيان الصهيوني، ونفَّذت فيها الولايات المتحدة بالفعل سلسلة تعهدات لأربع دول حتي الآن في قضايا عديدة تخص هذه الدول، وهي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، لحملها على التطبيع.

وحتى عندما أوقفت إدارة بايدن صفقات أسلحة متطورة كانت إدارة ترامب قد تعهدت بها للإمارات نظير التطبيع، وتشمل مقاتلات "إف. 35" المتطورة، فإنَّ الإيقاف كان عبارة عن تعليق مؤقت، ومرتبط بالحرب في اليمن، بينما تم الإبقاء على كل ما تم التعهُّد به وتم بالفعل مع باقي الدول، مثل التأكيد على تبعية إقليم الصحراء للمغرب، ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

و"اتفاقيات أبراهام" هذه لا تأتي بحالٍ من الأحوال على أيِّ شيءٍ يخص القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين، وإنما على أساس مبدأ "السلام مقابل السلام"، كما يقول رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو وأركان حكومته، حتى من خارج أحزاب اليمين المتطرِّف، مثل حزب " أزرق أبيض"، ولا يوجد فيها أي شيءٍ يتعلق بالحد الأدنى حتى الذي تفاوض عليه الفلسطينيون في مطلع التسعينيات الماضية، وهو حدود الـ67.

إذًا، هو اعترافٌ رسمي عربي بالأمر الواقع، ولا يمكن تغيير الأمر الواقع إلا بواقعٍ آخر، والطرف الوحيد الذي لديه المشروعية والإمكانية لإحداث هذا التغيير، هو الفلسطينيون، وبالتحديد الفصائل الفلسطينية.

وبالرغم من أنَّ مخرجات حوار القاهرة الأخير كانت غير مُرضِيَةٍ؛ إلا أنَّها على الأقل كانت في الحَدِّ الأدنى المطلوب لإعادة إحياء القضية الفلسطينية على المستوى الإقليمي والدولي، كما قال أحمد أبو الغيط، الأمين العام للجامعة العربية، وكانت هذه الحوارات فرصةً مهمةً على الأقل لتصدير صورةٍ مغايرةٍ للواقع السياسي الفلسطيني الذي تحول إلى واقعٍ مجتمعيٍّ بعد طول أمدِ الانقسام.

ومما يدلل على جدِّيَّة الأطراف العربية التي دعت إلى هذه الحوارات، وتشمل مصر والأردن والمملكة العربية السعودية التي – وإنْ اختلف الكثيرون مع سياسات الرياض – لا تزال إلى الآن تنأى بنفسها عن قطار التطبيع الرسمي؛ وجود وزراء خارجية دول أوروبية في الصورة، وإدخال جامعة الدول العربية في المسألة، وفتح مصر معبر رفح بشمل دائمٍ مجدَّدًا بعد فترة توقُّف خلال عام الكورونا.

كل ذلك يعني وفق ما درسناه في العلوم السياسية، ووفق ما تخبرنا به الخبرة التاريخية؛ وجود إرادةٍ سياسيةٍ لدى الحكومات والأطراف التي دعت إلى حوار القاهرة الأخير.
لكن؛ ماذا وجدنا؟!.. بخلاف تقريبًا حركة "حماس" التي اتَّسقت في قراراتها ومواقفها في القاهرة مع ما تعلنه من بيانات سياسية رسمية؛ لم تلتزم الفصائل الفلسطينية بما طُرِح بشأن إنهاء الانقسام وإجراء الانتخابات، ولذلك خرج بيان القاهرة على غير تطلُّع الكثير من الدوائر الفلسطينية.

على المستوى المُعلَن؛ أعلنت حركة الجهاد رفضها المشاركة في الانتخابات، وتحفَّظت الجبهة الشعبية على البيان، بالرغم من أنَّ الجهود الدبلوماسية التي بذلتها مصر والجامعة العربية وأطراف أخرى لعقد اللقاء؛ كانت تتضمن إطلاع الفصائل على برنامج الحوار والنتائج المرجوة منه. ففيمَ كان حضوركم إذًا؟!.. لإفشال الحوارات بالإعلان عن مواقف سياسية مثبِّطة؟!..

الأسوأ من ذلك ليس ما هو مُعلَن رسميًّا، وإنَّما ما تناقلته التسريبات الإعلامية عن أجواء الاجتماعات؛ حيث ساد التوتر بشكل وصل إلى مستوى اقتراب النقاشات من الاشتباك بالأيدي بين بعض الحضور.

كيف يمكن – إذًا – أنْ نتصوَّر تحقيق جذر الغاية الرئيسية للاجتماعات الأخيرة، وهو توحيد الجبهة الفلسطينية توطئةً لإعادة إطلاق القضية الفلسطينية بشكل جديد.

في المقابل؛ نجد أنَّ الحكومات التي تنتقدها بعض الفصائل وإعلامها، أكثر حرصًا على ذلك وأكثر إدراكًا لخطورة المرحلة على القضية الفلسطينية (!!).

وهذا حقيقي، ولا يمكن لأيِّ طرفٍ إنكاره؛ المُدرَك الخاص بخطورة المرحلة، حتى لو كانت مصر والأردن – مثلاً – لا تتحرَّكان بدوافع قيمية تخص الحقوق الفلسطينية، وإنَّما بدوافع تتعلق بأمنهما القومي ومصالحهما الحيوية لأنَّ الترتيبات الأمريكية والصهيونية لما هو آتٍ قد يأتي على بعض هذه المصالح التي ترتبط بصُلب الأمن القومي لكليهما، مثل طرح الوطن البديل للاجئين الفلسطينيين، في الأردن أو في سيناء المصرية.

أيضًا، بالرغم من الأزمات السياسية القائمة بين الائتلاف الحاكم في الكيان الصهيوني؛ فإنَّهم جميعًا يقفون موقفًا واحدًا فيما يتعلق بمصالح الكيان الصهيوني وما حققه من إنجازاتٍ في الفترةٍ الماضية، فلم يعترض شركاء/ غرماء نتنياهو في الائتلاف الحاكم، ومنهم بيني جانتس الذي كان رئيس أركان جيش الاحتلال، على أيِّ تحرُّك لنتنياهو للحفاظ على مكتسبات مرحلة ترامب في السياسة الأمريكية فيما يخص المشروع الصهيوني.

......

وفي الأخير؛ بعد أقل من شهرين، يُقبِل الكيان الصهيوني على انتخاباتٍ جديدةٍ، وقد يخرج منها اليمين الصهيوني المتطرف فائزًا بأغلبية في الكنيست، تبعِدُه عن مناكفات الائتلاف مع اليسار أو يمين الوسط.

في ظل هكذا ظروف، وفي ظل هكذا موقف رسمي عربي مِن النادر أنْ نجده فعلاً، ولم يكن أحدٌ ليتصوَّر حدوثه بالذات في ظلال "اتفاقيات أبراهام" السوداء؛ فإنَّه ما لم يغتنم قادة الفصائل الفلسطينية الفرصة المتاحة؛ فإنَّ المزيد من الاختزال سوف يحدث للقضية الفلسطينية.. اختزال إعلامي.. اختزال سياسي.. والأهم؛ اختزال الأرض. الأرض التي تضم القدس والمسجد الأقصى!

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
"باحث مصري في شئون التنمية السياسية والاجتماعية، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة القاهرة عام 1997م، كاتب في موقع "بصائر"، عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "القدس" الشهرية، التي كانت تصدر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير دورية "حصاد الفكر" المُحَكَّمة، له العديد من الإصدارات، من بينها كتب: "أمتنا بين مرحلتين"، و"دولة على المنحدر"، و"الدولة في العمران في الإسلام"، وإيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط"، وأخيرًا صدر له كتاب "أسس الحضارة والعمران في القرآن الكريم"، وله تحت الطبع كتاب بعنوان "الدولة في العالم العربي.. أزمات الداخل وعواصف الخارج".

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …