ذكرى ميلاد “الفارس” أحمد شقير .. رحمه الله

الرئيسية » بأقلامكم » ذكرى ميلاد “الفارس” أحمد شقير .. رحمه الله
142132039_2540441782928259_5359074443079733610_n

ولي مع شروق كل شمس حلم عظيم يتجدد وينمو ويكبر.
اللهم اجعل أحلامنا خالصة لوجهك!
أحمد شقير

إن الموت يحصد رقاب العباد بعِلَّة وبدون عِلَّة، يحصد الجنين في بطن أمه كما يحصد من بلغ من العمر عِتياً، ويحصد الطفل الصغير كما يحصد الشاب في عنفوان شبابه، وهذه هي سنة الله تعالى في خلقه "وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلً"، "وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا".

إن من يموتون منهم من يُنسى فور موته، ومنهم من يتذكره الناس ردحاً من الزمان ثم ينسونهم، ومنهم من يستعصي على النسيان، لما قدَّمه من أثر طيب وذكرى عطرة، ولما تركه من زاد تتزود به الأجيال، وينهلون من مَعينه، ويشمون من عبقه فيزدادوا قوة على قوتهم وإيماناً على إيمانهم. يقول عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه: ".. وإن كنتم لا بدَّ مقتدينَ فاقتدوا بالميتِ فإن الحيَّ لا يؤمنُ عليه الفتنةُ" (مجمع الزوائد).

بين أيدينا في هذا الموضوع أحد الشباب الذين قضوا نحبهم في مُقتبل العمر وريعان الشباب، إلا أنه ترك ميراثاً وتراثاً يمكن البناء عليه لتربية جيل يصلح لحمل المسئولية تجاه دينه ووطنه بكل أمانة واقتدار، إنه المهندس والأديب والنابغة الفذ أحمد محمد عوض شقير، الشهير بـ "الفارس"... الذي نحسبه كذلك ولا نزكِّي على الله أحداً.

أولاً: المولد والنشأة

- ولد المهندس أحمد شقير يوم الخميس 5 شعبان 1413هـ الموافق 28 يناير 1993م، وذلك بمنطقة "جديلة" بمدينة المنصورة بدلتا مصر، لأبوين من رموز الأطباء وهما: الدكتور محمد شقير "استشاري طب الأطفال"، والدكتورة عبير الخولي "أستاذة الجلدية بجامعة المنصورة".

- كان المهندس أحمد شقير الأخ الأكبر بين أربعة أشقاء من البنين.

ثانياً: مشواره التعليمي

- عرف عن أحمد شقير منذ نعومة أظفاره التفوق والنبوغ والأدب الجمّ، وساعده في ذلك المحيط الأسري والاجتماعي والدعوي الذي نشأ فيه.

- تلقى أحمد شقير تعليمه بمدرسة الهدى والنور الخاصة بالمنصورة، والتحق بحلقات القرآن الكريم ودروس العلم بمسجد الدعوة بـ "توريل" بالمنصورة، وأتمّ حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة.

- كان أحمد شقير شغوفاً بالالتحاق بمسابقات القرآن الكريم وغيرهاً، كما كان شغوفاً بالرحلات والمعسكرات والأنشطة الجماعية.

- حصل أحمد شقير على الثانوية العامة بمجموع 99.4%، كما حصل على المركز الأول في اختبارات المنحة للجامعة الأمريكية؛ لكنه بعد ذلك قرَّر الالتحاق بكلية الهندسة جامعة المنصورة.

- طوال فترة دراسته الجامعية كان أحمد شقير مثالاً يُحتذى للشاب الطموح المهموم بقضايا دينه وأمته، والمهموم كذلك بهموم وطنه ومشكلات زملائه، ومكَّنه من القيام بكل ذلك كونه رئيساً لإتحاد كلية الهندسة جامعة المنصورة، فكانت له علاقاته واتصالاته برموز وصفوة المجتمع داخل الجامعة وخارجها.

- تخرج المهندس أحمد شقير في كلية الهندسة جامعة المنصورة "قسم حاسبات وتحكم" عام 2014م بتقدير "امتياز مع مرتبة الشرف".

- بنى المهندس أحمد شقير خطته على أن يواصل مشواره العلمي في اليابان أو في ألمانيا بعد التخرج، ولكن مثله مثل آلاف غيره من الرموز الطلابية والدعوية، تم تلفيق عدة قضايا له من قِبل سلطات الانقلاب بمصر لكونه رئيساً لاتحاد الطلاب ورمزاً من رموز العمل الطلابي والدعوي، مما غيَّر بوصلة طموحه وحرمه من السفر لإتمام مسيرته العلمية .

ثالثاً: أسرار وأقوال عن أحمد شقير رحمه الله

تحكي الدكتورة عبير الخولي والدة المهندس أحمد شقير، فتقول:
عندما كنت أدخل الغرف للاطمئنان على الأولاد وخصوصاً فى الشتاء، كنت أجد أحمد فى أحيان كثيرة ينام على السجادة على الأرض! ومعه غطاؤه فسألته عدة مرات عن السبب فكان يقول أن ظهره يؤلمه من النوم على المرتبة فصدقته فى أول الأمر، ثم بعد ذلك ضغطت عليه لأعرف سبب قيامه بذلك فأخبرني أن النوم على المرتبة مريح لدرجة أنه قد لا يستطيع القيام للصلاة قبل الفجر أو أحياناً الفجر لذلك فإنه يفضل النوم على الأرض حتى يستطيع القيام بسهولة.

كما تقول والدته أيضاً:
عقل راجح، وقلب خاشع، وصفات قيادية كلها اجتمعت فيك... سمعت عنك بعد وفاتك أكثر من الذي كنت أعرفه عنك وأنت معنا... رأيت إخلاصك وحبك لدينك وبلدك ولكن لم أكن أعرف سرَّك الكبير.

وتقول كذلك:
"وجدتُ هذه الورقة في مقتنيات أحمد بعد وفاته، وهي خطّته الذاتية لنفسه، ومتابعة ذاته في جوانب عدّة تجعل منه فكرةً متحرّكة لا تنطفئ، رَسَمَ الخطوط بين قلبه وعقله وجسده، وبين نفسه ومجتمعه وأهله، حتى لا يتّكئ على مهمةٍ دون أخرى، كان أحمد يجد لذة في الربط بين الحلم والتخطيط لهذا الحلم والتطبيق من أجل الوصول إلى الإخلاص ونضوج السِّر.

أما عن خطيبة أحمد التي خطبها قبل وفاته بفترة وجيزة فتقول:
"منذ دخل بيتنا وأنا أتعجب، كان الفتي نقياً تقياً، لا مكان له هنا؛ بل فوق! اللهم اربط علي قلبي وقلب أمه لنكون من المؤمنين".

رابعاً: مقتطفات من كتاب "خواطر فتى لم يرحل".

بعد وفاة المهندس أحمد شقير رحمه الله قام محبيه بجمع كتاباته وخواطره في كتاب بعنوان #خواطر_فتى_لم_يرحل ، ومما جاء في هذا الكتاب:-

1- قد نصل الى الإشباع المعرفي، قد نصل إلى الإشباع العاطفي، قد نصل إلى الإشباع الجسدي... إننا عند لحظة تشبع شهواتنا أو تمل أو تسأم لكننا أبداً فى حياتنا كلها لم نستشعر الإشباع الروحى... إن مراتب السلوك إلى الله لا انتهاء لها وكلما ارتقيت مرتبة كلما ازداد احتياجك وازداد شوقك.

2- على المؤمن أن يكون قوياً إذا فكَّر، قوياً إذا تكلم، قوياً إذا تحرَّك، يترك بصمة واضحة فى كل مكان يَحل فيه، وذكرى لا تُنسى فى عقول من حوله، فينقسم الناس حوله ثلاثة:
- منهم من يُجبرهم على أن يُحبوا مشروعه العظيم دون أن يتكلم.
- ومنهم من يحترموه ويقدروه وإن اختلفوا معه.
- ومنهم من يتسرب إليهم ذلك الإيمان وتلك العزيمة الغير مسبوقة، فيسرع بالاتحاق به... اللهم اجعلني مؤمناً حقاً.

3- والإخلاص ينمو وينضج تماماً كالطفل الصغير، فإما أن تتعهده دائماً بالعناية والاهتمام والمتابعة، فيشب صحيحاً قوياً لا تنال منه الوساوس والفتن، وإما أنا تهمله وتنساه فيشب مُشوهاً ناقصاً معوجاً.

4- يافتى، أنا لا أريد في الغد أن تضع صورتي وتبكي عليَّ أو تحكي عني.
- يا فتى، أتريد أن تخلص لحبي وودادي! تألم في صمت ثم اعمل أضعاف ما تتألم تحررني.

5- الذي يريد أن يصنع تغييراً فارقاً ويجدد القديم، يصنعه في نفسه أولاً، ولا يتكلفه مع من حوله ليقولوا أنه مُغيّر أو مُجدد. التكلف خدعة، يخدع بها نفسه ومن حوله، والمُجدد الصادق يُجدد بروحه. هو بسيط بين الناس، منهم ومعهم وفيهم وبهم، لكنهم يرونه غريباً فى روحه وابتسامته، فى حضوره وغيبته، فى بكائه وفرحته، إنه لا يبذل جهداً فى تغيير نظرة الناس عنه، بقدر ما يبذل جهداً فى تغيير نفسه هو، يترك فى الناس أثراً بلا تكلف أو تصنّع. إنه يصنع أُمة... يبني فكرة... يقود الناس وهو منهم دون أن يشعروا!.

فمن يعيش مع الناس أنيساً... مع نفسه غريباً، ومن يعيش مع الناس بسيطاً.. مع نفسه قوياً! ومن يتصل قلبُه بالمدد الأعلى وهو يسمع ويأكل ويضحك مع بني البشر!

6- النفس البشرية واحدة، ومداخلها واحدة، ونقاط ضعفها متشابهة، إنما تختلف بين الناس باختلاف نظرتهم لها، وتعاملهم معها ما بين إفراط وتفريط، فبينما أقوام تساهلوا ففرطوا فانحرفت نفوسهم زيغاً، فهناك آخرون تشددوا فأفرطوا، فانحرفت نفوسهم بدعاً.
والأمر بين هذا وذاك موازنة وتقدير، وتجاذب وتنافر، وتساهل وتشدد، وتنازع وتراخي، فالنفس كما الطفل النشء، تحتاج إلى التعليم والتدريب، والقسوة والحنان، وتكرار الخطأ تحت عين الملاحظة بالمشاهدة والتوجيه.

7- اسمع يا فتى، لا تسر في طريق لا تعرف منتهاه، ولا يسرُّك منتهاه قبل أن تعرف عقبات الوصول، فكلما كان المنتهى عظيما كانت العقبات أليمة.
وكلما تملك المنتهى العظيم من وجدانك، كان استعدادك لتحطيم العقبات قوياً أو الموت دونها أقوى.
لا تخدع نفسك وتسِر في الطريق بقرار عاطفي أو بتزيين خفي، إن المعادلة واضحة مبينة، هدف عظيم أي ألم عظيم! ومن أراد عظيماً فليخاطر بعظيمته!

8- ربي نفسك كما تشاء، ثقف نفسك كما تريد، اقرأ ملايين الكتب، وخض آلاف التجارب، إن كل ذلك لن يقربك خطوة واحدة، بل قد يفتنك ويضلك عن سواء السبيل، كل ذلك لا معنى له، مالم يخترك الله ويرعاك، وكم من علماء أضلهم علمهم، وكم من مخضرم فتنته تجاربه.... كل ذلك لا قيمة إذا لم تكن أنت اختيار الله، إذا لم تكن أنت صناعته!

9- إنك حين تعيش للآخرين لأنفسهم فقط، دون أن تعيش لهم من أجل فكرة، من أجل حلم، من أجل أن تجعلهم كـ (صلاح) أو (قطز) أو فاتحا من الفاتحين....تخسر كثيرا، تخسر نفسك وتخسر ذلك الذي عشت من أجله....حتي لو كان ولدك!
إن عاطفة الحب مهلكة... وعاطفة الأبوة مهلكة، كل العواطف مهلكة إن لم نفطن إلي حقيقتها والسر الكامن فى وجودها داخلنا، ونغلفها بغاية أكبر من أنها مجرد عاطفة!
ما أفعل بأن أرضي عنّي من أحب... بأن أبحث له عن ما يرضيه لا ما يصلحه!
ثم هو بعد أن يرضي يسخط علي! فلا هو رضي ولا أنا استرحت!
ذلك أن القيم أرفع من الأموال وأهم، أن تغرس فى ولدك أو صديقك أو أخيك قيمة على مضض، خير من أن تعطيه أموال الدنيا كلها على سعادة وقتية مزيفة! وفي كلٍ إن جمعتهما خير!
صديقي الذي نصحته لله وتأفف مني فى داخله لا زال يذكرني ويتودد إلي ويدعو لي بالخير أكثر من ذلك الذي أهديته هدايا الدنيا وأكرمته فى بيتي ألف مرة!!
إن الأموال تفنى... والقيم لا تفنى!

10- قد نموت قبل أن نحقق أحلامنا، وهذا ماحدث لكل أصحاب الأحلام العظيمة ولكن الفارق هو النجاح فى غرس هذا الحلم فى صدور الناس... فيمتد بامتداد الأزمان، ولربما يتحقق بعد رحيلك بعام أو اثنين... أو ربما ألف عام وأحسب هذا من دلائل الإخلاص... الإخلاص للحلم، فليس مُهما أن أحققه أنا، لكن المهم أن يتحقق.

11- أعظم نعمة منَّ الله بها عليَّ على الإطلاق، أن كتب لنا تولي هذه المسئوليات في هذا الزمان، الحمد لله حقاً.

12- غداً سيصبح كل هذا مجرد ذكريات، سواء في الدنيا أو في الآخرة. غداً نردد: سبحان من جعل السنين ثواني. فعلام القلق!

خامساً: بعض الأدعية التي كان يحرص على ترديدها.

* اللهم اقبضني إليك حين تنتهي مهمتي التي خلقتني من أجلها.

* أسأل الله أن يرزقني الإخلاص وأن يكتب لى الشهادة حين تكون خيراً لي، ويكتب لى الحياة حين تكون خيراً لديني.

* الحمد لله الذي اختار لنا حياة مختلفة فى سبيله. اللهم ارزقنا مثلها... موتاً مختلفاً في سبيلك أيضاً.

سادساً: وفاته

ظل المهندس أحمد شقير مُطارداً بعيداً عن أسرته عدة شهور قبل وفاته، وفي يوم وفاته تواعد مع أسرته أن يتناولوا الإفطار سوياً في أحد المطاعم بمدينة المنصورة، لأنه كان من الصعب أن يجازف ويدخل البيت في هذه الفترة.

التقت الأسرة في المكان المحدد وبعد الإفطار فارقهم أحمد عائداً إلى القاهرة.

شاء الله تعالى أن يكون هذا اللقاء هو لقاء الوداع حيث لقي أحمد شقير ربه في حادث مروري أثناء عودته إلى القاهرة، وكان ذلك في يوم السبت 19 يوليو 2014 م الموافق 22 رمضان 1435هـ.

دفن الفقيد رحمه الله يوم الأحد 20 يوليو 2014م الموافق 23 رمضان 1435هـ، وكانت جنازته من الجنازات المهيبة التي قلما شهدت مدينة المنصورة مثلها.

وأخيرأ:
نختم بمقولة قالها عن الموت، حيث قال رحمه الله:
"الموت ليس مجرد حدث، الموت قيمة، الموت معني، الموت حياةٌ أخرى".

اللهم اغفر له وارحمه وتقبله في الصالحين واجعله في عليين، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله.

معلومات الموضوع

الوسوم

  • خواطر
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
    خبير تربوي وكاتب في بعض المواقع المصرية والعربية المهتمة بالشأن التربوي والسياسي، قام بتأليف مجموعة من الكتب من بينها (منظومة التكافل في الإسلام– أخلاق الجاهلية كما صورها القرآن الكريم– خير أمة).

    شاهد أيضاً

    بين عقيدة الإسلام و”عقيدة الواقعية

    للإسلام تفسيرٌ للواقع وتعاملٌ معه بناءً على علم الله به ومشيئته فيه، كما يثبتهما الوحي. …