أهمية وكيفية صياغة اهتمامات الأطفال والمراهقين وتدعيم هواياتهم

الرئيسية » بصائر تربوية » أهمية وكيفية صياغة اهتمامات الأطفال والمراهقين وتدعيم هواياتهم
dad-son29

لا تقف عملية التربية والتنشئة عند الحدود القريبة التي تنظرُ بها غالبية الأُسَر في مجتمعاتنا العربية والمسلمة؛ حيث إنها عملية تتسَّم بالتعقيد وكذلك بالتنوُّعِ والتعدد في مساراتها ومستهدفاتها، ولاسيما في ظل التعقيد الذي طرأ على حياة الإنسان، وخصوصًا في سوق العمل ومتطلباته.

وهنا لابد لنا من الوقوف عند مستهدَف عظيم الأهمية لعملية التربية والتنشئة بشكل عام، ولكنه لا يبدو حاضرًا عند شرائح عريضة من أولياء الأمور في مجتمعاتنا، وهو تهيئة الطفل والمراهق لخوض غِمَار الحياة العملية، وتأهيله للقيام بأدوار مهنية واجتماعية متعددة.

وهذا للغريب، هدفٌ حاضرٌ عند الشرائح الأدنى في التراتبية الاجتماعية منه لدى فئات المُتعلمين؛ حيث إنَّ أولي الأمر في الأُسَر الأكثر فقرًا والأقل حظًّا من التعليم، تهتم فيما يبدو بشكل أكبر بنقطة تهيئة الطفل للحياة العملية مبكِّرًا.

ويكون ذلك في الغالب بالنسبة للأطفال الذُّكور، ذات المجال الذي يعمل فيه والده، والذي يكون في الغالب يعمل في مجالات الحِرَف اليدوية والتي تتطلَّب مهارات بدنية أكثر من أي شيءٍ آخر، بينما الأطفال الإناث تتم تنشئتهنَّ على أداء أدوارهن الأنثوية التقليدية؛ في مجال رعاية البيت وتربية الأبناء.

هذه الرؤية التي فرضت الظروف الاقتصادية والمعيشية على هذه الطبقة أنْ تكون واعيةً بها، لا تكون واضحةً بالقدر الكافي عند الطبقة المُتَعَلِّمة التي تلقَّت تعليمها هذا في منظومات تعليمية غير مُؤهَّلة بالشكل الكافي لمواكبة متطلبات العصر وتطوراته.

فحتى قضية تهيئة تلاميذ وطلبة المدارس والجامعات لسوق العمل؛ أمرٌ غائبٌ عن منظوماتنا التعليمية في الأصل، وحتى سنواتٍ قليلةٍ مضت، لم هناك أيُّ رابطٍ بين هذا وذاك، حتى انتبهت بعض البلدان العربية لذلك، مثل مصر والسعودية، وبدأت في تحسين منظومة العملية التعليمية والأسس التي تقوم عليها لملائمة اعتبارات سوق العمل، ولاسيما فيما يتعلق بالاهتمام بالتعليم الفنِّي.

وفي حقيقة الأمر؛ فإنَّ أول هذه القصة يبدأ من المنزل، وهو بات من الأمور البديهية في الأُسَر والمجتمعات التي أحرزَت قدرًا من التقدُّم في المجال الحضاري في عصرنا الراهن؛ حيث تبدأ عملية التأهيل منذ فترة الطفولة المبكرة.

وتُعَرَّف الهواية "Hobby" بأكثر من معنىً، منها أنَّها نشاطٌ منتظمٌ أو اهتمامٌ يُمَارَس في الغالب خلال أوقات الفراغ بقصد المتعة أو الراحة، وتشمل مجالات عديدة، منها ما هو يتعلق بجمع الأشياء أو التعارُف أو المجالات العلمية، أو الكتابة والفنون المختلفة.

وبالتالي، هي ممارسة لفعلٍ معيَّنٍ تُحبه النفس مع الحرص على إتقانه والتفنُّن فيه، تحركها نوازع ذاتية، وبشكل عفويٍّ، والمهم أن نعرفه عنها أنَّها قد تكون إمَّا عادةً فطرية لدى الإنسان، مولود بها، أو مكتسبة من خلال البيئة المحيطة أو تعلُّمِها.

وأهمية اكتشاف الميول والمواهب لدى الأطفال في سنٍّ مبكِّرةً له الكثير مِن الفوائد، منها تفريغ الطاقات بشكل سويٍّ وسليم، وصقل هذه المواهب، وتنمية مهاراته "Skills"، وبالتالي بناء الشخصية ومساعدة الطفل على الاكتشاف، والتشجيع على وضع أهداف مستقبلية بالنسبة له.

ويبدأ ذلك كله مع الأطفال بعملية هي أصل البحث العلمي السليم، وهي الملاحظة؛ حيث تبدأ التجربة العلمية بها، ثم تتطوَّر إلى التجريب، قبل أنْ يتم التوصُّل إلى الفرض الصحيح وتطبيقه.

وبإسقاط هذا المنطق على دور الأبِ والأمِّ في مرحلة الطفولة المبكِّرة ثم المتأخِّرة للأبناء؛ ذكورًا وإناثًا؛ فإنَّه من الضروري العمل على مراقبة الطفل وملاحظة ما هو أكثر ميلاً له من الأشياء ومجالات الاهتمام.

وهذا لن يتأتَّى من دون ثلاثة أمورٍ. الأول، توفير الحَدِّ الأدنى مِن الوسائل التعليمية وأدوات تنمية المهارات المختلفة، على أنْ تكون مُتَنوِّعة مِن أجل توفير الحد الأدنى من الفهم لميول واهتمامات الطفل من خلال هذا التنويع الذي يغطِّي الاحتمالات المختلفة لهذه الاهتمامات؛ مهارات ذهنية/ يدوية.. إلخ.

الأمر الثاني، الانغماس أكثر في عالم الطفل أو الطفلة، مِن خلال منحهم الوقت والاهتمام الكافيَيْن، بحيث تتوافر المعرفة الضرورية بطبائع الأبناء، وماذا يحبون وماذا لا يميلون إليه، وهكذا.

الأمر الثالث، هو ضرورة أنْ يتعمد الأبُ والأُمُّ إلى تثقيف أنفسهم بقواعد التربية السليمة، وكيفية فهم الأطفال واكتشاف ميولهم ورعايتهم.

وهو أمرٌ قد يتطلَّب الحصول على بعض الدورات السريعة، وشراء بعض الكتب والموسوعات العلمية ذات اللغة البسيطة السهلة، أو الاطلاع على بعض الدراسات والمقاييس المُستَخدَمة في ذلك من خلال شبكة الإنترنت.

بعد مرحلة اكتساب هذه المعارف، ودراسة الأطفال مزاجيًّا ومهاريًّا، وميولهم، ينبغي بعد ذلك البدء في تعضيد ما تم اكتشافه من ميولٍ لدى الأطفال، وما يمكن أنْ يكون لديهم من مواهب وما يحبونه من هوايات.

وفي السنوات الأخيرة، وفي ظل انفتاح الأسواق وحركة التجارة الدولية، انتشرت في بلادنا بعض الأدوات التي يمكن أنْ تساعدَ في هذا الصدد، مثل المعامل الكيميائية وأدوات الفيزياء المسلِّية والنماذج الرياضية والهندسية المختلفة.

وهنا تختلف الأمور بالنسبة للأطفال الذكور عن الإناث في المجال التطبيقي، أي في الاختيارات، وإنْ كان مبدأ التعامُل واحد.

فالألعاب والنماذج الخاصة بالهندسة التطبيقية، أكثر ملائمة للأطفال الذكور، بينما المجالات ذات الطابع المجتمعي، مثل التربية والطبابة، أكثر ملائمة للأطفال الإناث، وهكذا.

وأهمية مثل هذه النوعية من الأدوات، أنها تساعد على تحسين مفاهيم الأطفال وتدعيم مواهبهم وميولهم، ولكن من دون اللجوء إلى الأساليب المدرسية التقليدية التي غالبًا ما تكون مكروهة أو ثقيلة الظل بالنسبة للأطفال، بل تكون أقرب إلى الألعاب المسلية التي تجتذب الأطفال.

وهنا يمكن أنْ يلجأ الآباء إلى ترتيب أكثر مِن مسار بالنسبة للطفل وفق نتائج الملاحظة من خلال التعامل معهم، فيمكن تدعيم ما يحبونه، وتحسين مهاراتهم وإسناد مواهبهم بالأدوات اللازمة، ويمكن كذلك خلق مجالات اهتمام أخرى تتناسب مع تصوُّر أولياء الأمور لمستقبل أطفالهم، وفق ما تتطلَّبه قواعد الرشادة؛ حيث يتم بناء ذلك – خلق مجالات اهتمامٍ وميولٍ جديدة – من خلال رؤية أوسع لطبيعة سوق العمل، والمجالات الواعدة، ومتطلبات التنمية المجتمعية وما ترتبط به مِن مهنٍ.

ولكن ثَمَّة ملاحظة مهمة يجب مراعاتها في هذا الصدد، وهي ضرورة عدم إجبار الطفل على شيء لا يحبه، وإكراهه عليه كمسارٍ تعليميٍّ ثم مهنيٍّ فيما بعد؛ لأنَّ ذلك مِن شأنه الفشل المُحقَّق.

خصوصًا وأنَّنا نحيا الآن في عصرٍ الأمور فيه باتت أكثر انفتاحًا، ولم تعُد السلطة الأبوية أو سلطة الأسرة في ذات قوة الماضي، وبالتالي، قد يقود إكراه الطفل أو المراهِق على أمرٍ ما لا يحبه أو لا يجيده، إلى التمرُّد والانفصال عن الأسرة في الأصل، أو تعمُّد الرسوب في الدراسة إذا ما ارتبط ذلك بإكراهه على الدراسة في مجالٍ مُعَيَّنٍ لا يحبه ولا يجيده.

وبطبيعة الحال؛ قد تعترض ذلك بعض المُعيقات، ولعل أبرزها في عصرنا الحالي، كثرة الانغماس في مواقع التواصل الاجتماعي، وإهدار الكثير من الوقت أمام الهواتف الذكية و"التابلت" ومثل هذه الأشياء بشكل غير نافعٍ أو مفيدٍ. فالمشكلة ليست فيها في حدِّ ذاتها، وإنَّما في إهدار الوقت معها فيما لا يفيد.

بل على العكس؛ فإنَّه مِن الضروري توظيف أدوات التقنية الحديثة في هذا الأمر، أي استغلالها فيما يفيد، مثل تحصيل المعلومات المفيدة والتثقيف الذاتي؛ لا اعتزالها بشكل كاملٍ.

وإنْ كان من المهم هنا التأكيد في المقابِل، على ضرورة الاهتمام بتنمية الهوايات والمواهب من خلال الأدوات التي تنمِّي مختلف حواس ومهارات الإنسان، ولاسيما اليدوية منها، وتلك التي تعمل على تحسين التنسيق بين حواس الإنسان وقدراته الذهنية وأعضاء جسده المختلفة.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
"باحث مصري في شئون التنمية السياسية والاجتماعية، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة القاهرة عام 1997م، كاتب في موقع "بصائر"، عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "القدس" الشهرية، التي كانت تصدر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير دورية "حصاد الفكر" المُحَكَّمة، له العديد من الإصدارات، من بينها كتب: "أمتنا بين مرحلتين"، و"دولة على المنحدر"، و"الدولة في العمران في الإسلام"، وإيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط"، وأخيرًا صدر له كتاب "أسس الحضارة والعمران في القرآن الكريم"، وله تحت الطبع كتاب بعنوان "الدولة في العالم العربي.. أزمات الداخل وعواصف الخارج".

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …