لا يملك مَن يسمع "المفكر الثائر" إلا أن يلمس الإخلاص في نبرات صوته، كما في مفردات لغته؛ فقد كانت كلماته نورا تشرق به القلوب، وتضيء به العقول.
لم تكن كتابات ذلك العلّامة الأديب - مرهف الحسّ، عميق النظر، سهل الدمعة، مشرق القلب، حيّ الوجدان- مجرد كلمات باردة، أو فكرا خاملا، بل كانت روحا وثابة، ونفسا كبيرة، وقلبا مفعما بحلاوة الإيمان، يشعر ويكتب بروح القرآن، ويقبس من مشكاة النبوة، فتهيأت لها أسباب القبول والنفاذ إلى القلوب والعقول.
لقد وهب حياته لدينه ورسالته، وسار على درب العظماء من العلماء العاملين للإسلام، فلقي عنت الظلم والسجن والتعذيب وهجر الديار!
كان ينفخ روح الحياة في تراث يعلوه التراب، ويعكف على تصحيح مفاهيم عوجاء، وعلاج أمّة شلّاء، مزقها أعداؤها، وفتك بها الجهل والاستبداد، فكان مجددا للإسلام، ومعلّما للأجيال.
لقد حارب الاستبداد ودعا إلى "دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين"، وأرشدنا إلى "الطريق من هنا"، وعلّمنا "كيف نفهم الإسلام"، و"كيف نتعامل مع القرآن"، وعالج "مشكلات في طريق الحياة الإسلامية"، وحذّرنا من "ظلام من الغرب" و"حصاد الغرور" و"الغزو الثقافي يمتد في فراغنا"، وكشف "سرّ تأخر العرب والمسلمين"، ودعا إلى علاج "قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة"، ووصف العلاج في "علل وأدوية"، سائرا "مع الله"، و"في موكب الدعوة"، حاملاً "هموم داعية".
كما نافح عن الإسلام في وجه التقاليد البالية، والتدين المغشوش، والدعاة المزيفين، وزيف الإعلام، وواجه الإلحاد، والعلمانية، والصليبية، والشيوعية، فكان فارس القلم الذي يُبيد ظلامات الجهل، ويُفني دجى الشبهات.
كما جدد النظر في السيرة النبوية واستشرف بها آفاق الحاضر والمستقبل، ونقل أصول الفقه والتفسير والحديث من ثنايا الكتب إلى دنيا الناس، وبعث التاريخ من سكن القبور إلى دبيب الحياة، واستخلص السنن الربانية التي غفل عنها المسلمون!
تُوفى مجاهدا في إحدى محاضراته، ودُفن بالبقيع كما تمنى.