مصطلح “نظرية الدومينو” سلاح ذو حدين

الرئيسية » بصائر الفكر » مصطلح “نظرية الدومينو” سلاح ذو حدين
tbl_articles_article_14899_948fac3d6b3-e23a-4466-9600-3b1dc3be1475

تعتبر "نظرية الدومينو" من أبرز النظريات السياسية التي ظهرت في القرن العشرين، وقد لعب ظهور هذه النظرية دوراً كبيراً في تحديد شكل الصراعات السياسية، وفي إعادة تشكيل بؤر نفوذ الدول العظمى حول العالم.

أولاً: تعريف مصطلح "نظرية الدومينو" ونشأته

تأثير " نظرية الدومينو" يحدث عندما يتسبب تغيير صغير في مكان ما، في تغيير مماثل في المكان الذي يليه، والذي بدوره يحدث نفس التغيير في تسلسل خطي ممتد إلى ما لا نهاية.

أما عن نشأة المصطلح

ففي شهر أبريل عام 1954، وخلال الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي، عقد الرئيس الأمريكي "أيزنهاور" مؤتمراً صحفياً مُحذراً فيه من المد الشيوعي في العالم، ولكي يوضح سبب تحذيره ومخاوفه قال:
"انظر لأحجار الدومينو واطرق واحداً منها، وانظر ماذا سيحدث لآخر حجر دومينو بالتأكيد سيسقط بسرعة أكبر، ومن هنا يمكن أن يتفكك النفوذ الشيوعي في الهند الصينية إذا أنقذنا فيتنام الجنوبية من الغزو الشيوعي، وإلا فإن تركنا فيتنام للسيطرة الشيوعية فإن ذلك سيؤدي إلى انتصارات شيوعية مماثلة في الدول المجاورة في جنوب شرق آسيا (بما في ذلك لاووس وكمبوديا وتايلاند) وغيرها كـ (الهند، اليابان، الفليبين، إندونيسيا، وحتى أستراليا ونيوزيلندا)، فالعواقب المحتملة لفقدان الهند الصينية لا تحصى بالنسبة للعالم الحر".

إن ما جعل لكلام الرئيس الأمريكي "أيزنهاور" وجاهته لدى مستمعيه هو انتصار القوى الثورية بقيادة "ماوتسي تونغ" في الحرب الأهلية الصينية، وتخوف السلطات الأميركية في ذلك الوقت من أن يكون سقوط الصين في يد "ستالين" هو بداية لسقوط آسيا بأكملها، مما يُهدد أطماع الولايات المتحدة الأمريكية التوسعية.

كانت الخطوة العملية من ناحية السلطات الأمريكية هي تشكيل حلف جنوب وشرق آسيا لضمان حماية المصالح الغربية، ومحاصرة المد الشيوعي في المنطقة.

كما واصلت الولايات المتحدة الأمريكية التدخل في الحرب الفيتنامية في عهد "جون كنيدي" للحفاظ على الفيتناميين الجنوبيين من السقوط تحت سيطرة الشيوعية باعتبار أن سقوط فيتنام الجنوبية سيؤدي إلى سقوط دولاً أخرى تحت القبضة الشيوعية.

وبعد اغتيال "جون كينيدي"، قامت السلطات الأمريكية بتعزيز وجودها العسكري في فيتنام حتى وصل عدد جنودها هناك لأكثر من نصف مليون جندي.

إن الضربات المتلاحقة التي وُجِّهت للمد الشيوعي ساهمت في انحساره في هذه المنطقة، مما جعل مستشار الرئيس الأمريكي "ماك جورج بوندي" يقول: "إن احتمالات تأثير الدومينو، على الرغم من ارتفاعها في عقد الخمسينات من القرن العشرين، إلا أنَّها تراجعت في عام 1965 عندما تم تدمير الحزب الشيوعي الإندونيسي عبر فرق الموت المدعومة من وكالة المخابرات المركزية".

إن ما صرَّح به الرئيس الأمريكي "أيزنهاور" عام 1954 قد سبقه به الرئيس الأمريكي "هاري ترومان" حيث قام "ترومان" بتقديم مساعدات لليونان خلال الحرب الأهلية اليونانية، التي قامت في الفترة من عام 1946 وحتى عام 1949م بين جيش الحكومة اليونانية المدعومة من قبل بريطانيا والولايات والمتحدة الأمريكية وبين الجيش الديمقراطي اليوناني الذي كان يمثل حينها الجناح العسكري للحزب الشيوعي اليوناني. وكانت النتيجة هزيمة الحزب الشيوعي.

كما أصدر الكونجرس الأمريكي، بموجب بنود "مبدأ ترومان"، قراره بمساعدة تركيا لاحتواء التوسع السوفيتي.

ثانياً: تأثير "نظرية الدومينو" على منطقة الشرق الأوسط

كانت إيران ترزخ تحت هيمنة النظام الملكي بقيادة الشاه "محمد رضا بهلوي" الذي كان مدعوماً من الولايات المتحدة الأمريكية وموالياً لها، حتى قامت الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 وحوَّلت إيران من نظام ملكي إلى نظام جمهوري بقيادة "آية الله الخميني" بدعم من طوائف الشعب الإيراني المختلفة.

1- خشيت الولايات المتحدة الأمريكية من احتمال تمدد الثورة الإسلامية في إيران فعمدت إلى إثارة الفتنة بين إيران والعراق مما ترتب على ذلك الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت من سبتمبر 1980 حتى أغسطس 1988م.

2- وفي 2 أغسطس 1990 بدأ الغزو العراقي للكويت وانتهى بعد يومين باستيلاء القوات العراقية على كامل الأراضي الكويتية، وتم تشكيل حكومة صورية تحت مُسمى جمهورية الكويت، ثم أعلنت الحكومة العراقية يوم 9 أغسطس 1990، ضم الكويت للعراق وإلغاء جميع السفارات الدولية في الكويت.

3- بعد قيام العراق بهذا الإجراء ضد الكويت حدثت حرب الخليج الثانية في 7 أغسطس 1990، التي أطلق عليها عملية "عاصفة الصحراء" أو "حرب تحرير الكويت" حيث شنت قوات التحالف المكونة من 34 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية حرب إبادة ضد العراق استمرت حتى 28 فبراير 1991م وانتهت بفرض عقوبات اقتصادية ضد العراق، وطالب مجلس الأمن القوات العراقية بالانسحاب من الأراضي الكويتية دون قيد أو شرط.

لقد كانت الثورة الإسلامية في إيران، وحروب الخليج المتتالية بمثابة الفزاعة لباقي الدول العربية والإسلامية، وإشارة إلى قادة هذه الدول لإحكام قبضتهم وسيطرتهم على شعوبهم وإلا سيحدث في بلادهم ما حدث في إيران والعراق والكويت، وكلنا يرى رأي العين ما يحدث من كبت للحريات، وتكميم للأفواه، ومصادرة للآراء، ووأد للثورات، في (فلسطين، وسوريا، واليمن، والسعودية، ومصر، وليبيا، وتونس، والجزائر، والسودان، ولبنان، وغيرهم من الدول العربية والإسلامية)، منذ هذه الأثناء إلى يومنا هذا!

إن الواجب على كل شعوب المنطقة العربية والإسلامية هو مواصلة النضال من أجل الخروج من تحت قبضة الهيمنة والوصاية، وحماية البقية الباقية من الدول من ذلك، لأن كل ذلك سيُفشل مخطط التدمير الذي يُحاك للمنطقة، بل وسيبعث الروح والأمل في الدول التي وقعت ضحية هذا المخطط، حينها سيعود اليمن السعيد، ومصر الحضارة، ولبنان الجمال، والعراق العريق، وليبيا النضال، وجزائر المليون شهيد، وتونس الخضراء، وغصن الزيتون الفلسطيني يتهادى فوق كل هذه الدول ويظللها جميعاً.

إن الواجب على كل شعوب المنطقة العربية والإسلامية هو مواصلة النضال من أجل الخروج من تحت قبضة الهيمنة والوصاية، وحماية البقية الباقية من الدول من ذلك، لأن كل ذلك سيُفشل مخطط التدمير الذي يُحاك للمنطقة

ثالثاً: أمثلة لتأثير "نظرية الدومينو" في المجالات المختلفة

لم يقتصر استخدام مصطلح "نظرية الدومينو" على المجال السياسي أو العسكري فحسب بل يُستخدَم المصطلح في وصف أي أحداث متتالية مرتبطة فيما بينها مهما كان موضوعها أو مجالها، ومن أهم الأمثلة على تأثير "نظرية الدومينو" في المجالات المختلفة:-

1- تأثير "نظرية الدومينو" في مجال الاقتصاد
عندما تحدث زيادةٌ في سعر سلعة مُعيّنة يترتب على ذلك زيادة مُماثلة في سلع أخرى ذات صلة. فعلى سبيل المثال، عندما يرتفع سعر المحروقات يتم ارتفاع الأسعار في وسائل النقل والمواصلات، وكل السلع التي تعتمد في إنتاجها على استخدام المحروقات، ويترتب على ذلك أن يقوم المهنيون والحرفيون بزيادة سعر الخدمات التي يقدمونها للمجتمع ليتمكنوا من تغطية الزيادة في الأسعار.

2- تأثير "نظرية الدومينو" في مجال علم النفس
إن حدوث تغيير سلبي أو إيجابي في الحالة النفسية لأحد أفراد الأسرة ينتقل تلقائياً ليؤثر على باقي أفرادها، بل وقد يمتد إلى محيط الأهل والأصدقاء وزملاء العمل، حسب قوة هذا التغيير.

3- تأثير "نظرية الدومينو" في المجال الصحي
كلنا نلاحظ الأعراض التي يمر بها الجسم إذا أصيب بارتفاع في درجة الحرارة حيث نرى عدم الرغبة في الطعام، وعدم القدرة على الحركة، واعتلال في كل أعضاء الجسم" (إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى).

4- تأثير "نظرية الدومينو" على حياة الفرد اليومية
إن الحياة اليومية مليئة بالمشاكل والضغوط التي تستنزف العقل والبدن، والواجب على الفرد ألا يترك هذه المشكلات تتراكم، ولا يترك الضغوط حتى تتفاقم، لأن التقصير في هذا الجانب يجعلها تتراص في الذاكرة والوجدان مثل قطع الدومينو حتى تأتي اللحظة التي يترتب عليها انهيار كل هذه القطع، حينها يحدث انفجار لا يسلم أحد من المحيطين من شظاياه.

إن من الواجب علينا مواجهة مشكلات الحياة وضغوطها بزيادة الجانب الإيماني والروحي، وبممارسة الرياضة والأنشطة التي تفرغ الشحنة السالبة قبل أن تتمكن من العقل والوجدان، وقبل أن تأتي ببنيان الروح من قواعده.

إن من الواجب علينا مواجهة مشكلات الحياة وضغوطها بزيادة الجانب الإيماني والروحي، وبممارسة الرياضة والأنشطة التي تفرغ الشحنة السالبة قبل أن تتمكن من العقل والوجدان، وقبل أن تأتي ببنيان الروح من قواعده

رابعاً: التأثير الإيجابي لنظرية الدومينو

إن كل ما سبق وضَّح الجانب السلبي لتأثير "نظرية الدومينو"، ولكن لو نظرنا لنفس النظرية من زاوية أخرى لوجدنا أنه يمكننا استخدام نفس النظرية استخداماً إيجابياً يبعث على التفاؤل ويحقق الأمل والسعادة.

لو نظرنا إلى قطع الدومينو على أن كل واحدة منها تشكل تحدياً من التحديات التي تعوق الوصول إلى أهدافنا وتحقيق آمالنا لاختلف الحكم على "نظرية الدومينو" اختلافاً كبيراً، فترتيب الأهداف حسب أهميتها أولويتها سيجعل من تحقيق كل هدف دافعًا لتحقيق الهدف الذي يليه ، وكلما قرُب الوصول إلى الهدف الأكبر كلما ازداد الفرد همَّة ونشاطاً، وكلما زاد تفاؤله وازداد بريق أمله.

أخيراً أقول

لو نظرنا إلى تأثير "نظرية الدومينو" بمفهوم القانون الفيزيائي الذي ينص على أنه "لكل قوة فعل قوة رد فعل، مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه"، لتعودنا الصمود أمام الضربات المتتالية، فلا تفت من عضدنا، ولا تنال من عزيمتنا، ولا نستسلم أمامها أبداً، حتى تستسلم هي أو تنهار.

إن هذا المفهوم يزيد من حرصنا على أن نكون نحن الفعل ولا ننتظر لنكون رد الفعل، وأن نكون فاعلين وليس مفعول بنا.

هنا يمكننا أن نقول أن مصطلح "نظرية الدومينو" سلاح ذو حدين! فهو نعمة لمن يفكرون ويبادرون، ونقمة ووبال على الكسالى الخاملين .

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
خبير تربوي وكاتب في بعض المواقع المصرية والعربية المهتمة بالشأن التربوي والسياسي، قام بتأليف مجموعة من الكتب من بينها (منظومة التكافل في الإسلام– أخلاق الجاهلية كما صورها القرآن الكريم– خير أمة).

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …