آيات الله…. في سورة الجاثية

الرئيسية » بأقلامكم » آيات الله…. في سورة الجاثية
reading quran

الآيات نوعان، تلك الآيات المقروءة في كتاب الله، وتلك الآيات المبثوثة في خلق الله، وقد دعا القرآن الكريم إلى التدبر والتأمل في هذه الآيات، سواء المقروءة في كتاب الله المسطور أم المشاهدة في كتاب الله المنظور.

ومن يقرأ في سورة الجاثية يجد السورة مزدحمة بألفاظ " آيات " – " آياتنا"- " آياتي" – " آياته " وكأنها تبعث برسالة لك... أن توقف؟ لتتأمل هذه الآيات.. كي لا تخسر كالذين سقطوا في اختبار التأمل من قبلك... ولكي تنجح فتكون لك حسن العاقبة في الدنيا والآخرة.

وكما هو المشهد يتكرر دائما في القرآن... وكما هي الحياة دوماً... هناك طرفان نقيضان... فهناك من يتعظ بالآيات فيكون من الفائزين... وهناك من يعرض عنها فيكون من الخاسرين.

تأتي الآيات تباعاً في السورة لتخبرك أنه سيكون هناك من يستكبر.. ويمر على الآيات وكأنه لا يسمع ولا يبصر... ويصر على موقفه هذا:" يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ".

وهناك من يقابل هذه الآيات بالسخرية والاستهزاء... لأن النور الذي جاءت به لا يتفق مع ما في عقله وقلبه من الظلمات... ولأنه يعجز أن يجاريها بما فيها من الحق والحكمة... فلا يجد أمامه من حيلة إلا أن يسخرمنها ومن أصحابها: "وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ" ويوم القيامة حين لا ينفع ندم ولا عتاب... سيحاسبون على فعلهم هذا: "ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ".

ومثل هؤلاء تمرّ عليهم الأحداث والأيام دون أن يتعظوا بها... أو يكون لهم فيها درس أو عبرة وقد وصفتهم الآيات بأنهم:" لا يرجون أيام الله ".

وليس لهم حجة في كل ذلك إلا اتباع الهوى... حتى صار هواهم إلهاً يعبدونه... يطيعونه إذا أمر...ويحكّمونه في مواقفهم وردود أفعالهم... وقد عابت عليهم الآيات ذلك: "أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ".

وأنّى لهؤلاء أن يهتدوا... بل سيبقون في غفلتهم... يعيشون في هذه الدنيا بلا هدف ولا غاية... وإذا انتهت الدنيا فلا حساب ولا عقاب... هكذا يظنون... وهكذا يأملون....

" وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ".

فيأتي الردّ عليهم ليسفّه رأيهم... ويكذّب ظنّهم:" قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ".

لقد كانت الآيات أمامكم هدىً ونوراً... فكفرتم وكذبتم... فليس لكم اليوم إلا العذاب الأليم: "هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ ".

ثم تعرض السورة موقفك أيها المؤمن من هؤلاء.. فتطلب منك أن تعتز بهذه الآيات من ربك لأنها الحق:" تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ".

فما ثباتك على الحق إلا انعكاس لثبات الايمان في قلبك... ويقينك بربك..

وترسّخ السورة هذا اليقين فتذكرّك بأنك تركن إلى خالق السماوات والأرض... وخالق كل دابة ومالك أمرها... والمتصرف في هذا الكون.. يقلب الليل والنهار.. ويحيى الأرض بعد موتها..ويصرف الرياح... وهو القادر أن يسخر كل ما في الكون لنصرتك وتأييدك...

" اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ".
فإذا تمكن هذا اليقين في قلبك... فاتبع الحق واثبت عليه... ولا تتبع أهواء الذين غابت عنهم حقائق اليقين الذي استنار به قلبك... واطمأنت به نفسك...

" ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ".

وتأتي خاتمة السورة.... لتعرض مشهدا عظيما من الخضوع والاستسلام لله في ذلك اليوم الآخر.... حين يُجمع الناس ليحاسبوا على ما عملوا...:" وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إلى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ".

فليس لأحد في هذا اليوم كبرياء ولا عظمة، بل الكبرياء كله لله:" فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ".

فمن أبى ولم يخضع في هذه الدنيا... ها هو اليوم يجثو ويخضع لينتظر الجزاء الذي يستحقه.

فأما من آمن بالآيات فله الرحمات والجنات:" فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ".

وأما من كذّب بالآيات ونسيها فالجزاء من جنس العمل:" وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ".

اللهم اجعلنا من المؤمنين الفائزين...ولا تجعلنا من المعرضين الخاسرين... اللهم آمين

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

بين عقيدة الإسلام و”عقيدة الواقعية

للإسلام تفسيرٌ للواقع وتعاملٌ معه بناءً على علم الله به ومشيئته فيه، كما يثبتهما الوحي. …