جلسات إيمانية في رمضان (1)

الرئيسية » بأقلامكم » جلسات إيمانية في رمضان (1)
Ramadan

أولاً: واجبات عملية في رمضان

بداية أسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لصيام الشهر الكريم ولحسن استغلال أوقاته فيما يرضيه سبحانه وتعالى عنا.

هذه بعض الواجبات العملية التي أوصي نفسي وإياكم بالقيام بها في رمضان عسى أن يكون في اتباعها والحرص عليها سبباً للقبول.

1- تصالحوا مع أنفسكم بالتوبة لتسهل قيادتها وتطويعها في الخير.

2- تصالحوا مع الله بالإخلاص في العمل عساه سبحانه أن يغفر الزلات ويُقيل العثرات ويقبل الطاعات.

3- أكثروا من الدعاء لأنفسكم ولأبنائكم ولأهليكم بالهداية والصلاح.

4- أكثروا من الدعاء لأحبابكم ولكل من له فضل عليكم بظاهر الغيب.

5- أكثروا من الدعاء للوطن أن يحفظه الله تعالى وأن يكتب له أمر رشد وأن يجنبه الفتن ما ظهر منها وما بطن.

6- أكثروا من الدعاء على الظالمين أن يخلص الله تعالى منهم البلاد والعباد.

7- تكافلوا فيما بينكم حتى لا يكون بينكم مُحتاج لعونكم المادي ولا المعنوي.

8- العبثية والعشوائية لا تقضي حاجة ولا تحقق هدفاً فاجعلوا لأنفسكم خطة طموحة وبرنامجاً يركز على التخلية والتحلية واستغلال الفرص.

9- أحيوا رمضان بطقوسه وشعائره وعاداته الصحيحة التي تزيدنا قرباً من الله تعالى.

10- اهجروا وتجنبوا كل ما يُغضب الله تعالى، وكل ما يضيع أجر طاعتنا.

تلك عشرة كاملة اجعلوها أساساً للبناء عليها واجتهدوا في غيرها بما يفتحه الله لكم.

تقبل الله منا ومنكم

الجلسة الإيمانية ليوم 1 رمضان

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].

إن المتتبع لآيات القرآن الكريم يجد أنه ما من آية ذكر فيها كلمة (كُتِبَ) بضم الكاف وكسر التاء، إلا وتبعها تكليف شاق على النفس، يحتاج إلى صبر وجهد ومجاهدة، مثل الآية التي نحن بصددها ومثل:-

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: من الآية 178].

وقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} [البقرة: من الآية 216].

وقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [الحج:4].

من المؤكد أن كل عمل شاق على النفس له أجر أكبر وأعظم من غيره من الأعمال..

- فأي عمل له جزاء مثل الصيام الذي قال الله تعالى في شأنه ( فإنَّه لي وأنا أجْزِي به)!

- وأي عمل له جزاء مثل الجهاد في سبيل الله! ... الخ.

والمتتبع لآيات القرآن أيضاً يجد أنه ما من آية ذكر فيها كلمة (كَتَبَ) بفتح الكاف والتاء والباء، إلا وتبعها تكليف سهل يسير على النفس أو شيء يحبه الله تعالى ويحبه العباد، مثل:-

- قوله تعالى: {قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: من الآية 12].

وقوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 12].

وقوله تعالى: {أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ} [المجادلة: من الآية 22].

* ومن اللطائف القرآنية التي ربما لا ننتبه إليها هي
قوله تعالى: "قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {51}" (التوبة: 51).

إن هذه الآية ندرك أن ما كتبه الله تعالى وقدَّره لعباده هو الخير المَحض حتى ولو كان على غير هواهم أو كان في ظاهره صعوبة ومشقة.

ومن الأمور التي في ظاهرها المشقة وفي حقيقتها اللطف والرحمة:-
1- أمر فتية الكهف
قال تعالى: "إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً {10}" (الكهف: 10).

* فكان الرد
"فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً".

- لولا أن ضرب الله تعالى على آذانهم هذه السنين كلها ثم بعثهم، لربما ماتوا مكانهم وما خُلِّدت ذكراهم.. فالفتية طلبوا الرحمة والرشد فجاءت الإجابة على غير مراد الدعاء، فالله تعالى أراد أن يُخلد ذكرهم، وأن ينزل فيهم قرآنا يتلى ويتعبد بتلاوته فاستجاب لهم بما يُصلحهم ... وأي رحمة أكبر من ذلك.

ومن الأمور التي في ظاهرها المشقة وفي حقيقتها اللطف والرحمة (خرق السفينة - قتل الغلام)، وكلنا علمنا الحكمة من خرق السفينة، وكذلك الحكمة من قتل الغلام.

توصية
لابد علينا أن نوقن أن رب الخير لا يُقدر إلا الخير، وأنه سبحانه وتعالى إن ابتلانا فإنه يبتلينا ليهذبنا وليس ليعذبنا، وليمنحنا وليس ليمنعنا، وليرفع من قدرنا وليس ليحط من قدرنا.

ونوقن أن في تدبير الله ما يغني عن الحِيَل، وفي كرمه ما هو فوق الأمل، وفي حلمه ما يسد الخلل، وفي عفوه ما يمحو الزلل.

اللهم دبر لنا فإنا لا نُحسن التدبير، ويسر لنا كل عسير فإن تيسير العسير عليك يسير، إنك ياربنا لطيف خبير.

الجلسة الإيمانية ليوم 2 رمضان

الإنصات لتلاوة القرآن الكريم

قال تعالى: "وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {204}" (الأعراف: 204).

جملة شرطية قصيرة ولكنها تحمل في طياتها الخير الكثير، تحمل في طياتها الرحمة التي يتمناها ويعمل لها كل عبد من عباد الله تعالى المخلصين، منذ أن يُكلَّف العبد إلى أن تقبض روحه.

- إنه ليس مجرد (سماع) بل (استماع)، وكما هو معروف لغوياً أن (زيادة المبنى من زيادة المعنى).

- إن الاستماع الذي يصحبه إنصات وتفكر وتدبر هو الجالب والمحقق للرحمة التي ذكرت في الآية.

* عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: " قالَ لي رسولُ اللهِ ﷺ اقرأ عليَّ فقلتُ يا رسولَ اللهِ أقرأُ عليكَ وعليكَ أنزلَ قالَ إنِّي أحبُّ أن أسمعَه من غيري فقرأتُ سورةَ النِّساءِ حتَّى إذا بلغتُ "وجئنا بِكَ علَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا" قالَ فرأيتُ عينيِ النَّبيِّ ﷺ تَهملان" (صحيح الترمذي).
* تهملان: أي (تدمعان وتفيضان).

- لو استشعر المُنصت للقرآن الكريم أنه يتلقاه من ربه أو أن ربه يناجيه، لتبدل حاله ولسكن قلبه ولخشعت جوارحه ولنزلت عليه السكينة ولتغمده الله برحمته.

- قال الحسن البصري رحمه الله: "من أراد أن يكلمه الله فعليه بالقرآن ومن أراد أن يكلم الله فعليه بالصلاة".

- عن وهب بن منبه أنه قال: "من أدب الاستماع سكون الجوارح وغض البصر، والإصغاء بالسمع، وحضور العقل، والعزم على العمل، وذلك هو الاستماع كما يحب الله تعالى، وهو أن يكف العبد جوارحه، ولا يشغلها".

- قال سفيان بن عُيينة: "أول العلم الاستماع، ثم الفهم، ثم الحفظ، ثم العمل ثم النشر، فإذا استمع العبد إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام بنية صادقة على ما يحب الله أفهمه كما يحب، وجعل له في قلبه نوراً".

- إن هذه الكيفية كفيلة -بإذن الله تعالى- أن تجعل العبد المسلم يعيش مع الآيات، وتجعله كذلك وقافاً عند أوامر القرآن الكريم ونواهيه، متعظاً بمواعظه، مستبشراً بوعده، خائفاً من وعيده، مُستخرجاً لأسراره التي لا تنفد وعجائبه التي لا تنتهي، فهل هناك مصدر للرحمة وجالب لها أكثر من ذلك.

نصيحة : إن لم تكونوا ممن "يَتلونَه حقَّ تلاوتِه"، فكونوا ممن "فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ"، فإن فاتكم هذا وذاك فلا تكونوا أقل من "فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ" ولا تتخذوه مهجوراً.

اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك

الجلسة الإيمانية ليوم 3 رمضان

أولويات النفقة "ابدأوا بما بدأ به ربكم"

قال تعالى: " لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ {273}" (البقرة: 273).

* أمعن النظر والتفكير والتدبر في هذه الآية ستجد فيها ما لم تدركه من قبل، ستجد أننا في النفقة نركز على شطرها الثاني ولا نلتفت للشطر الأول منها (وكلاهما مهم طبعاً).

- إننا نركز على من هم بيننا ممن (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً) ولا نركز على ما قصدتهم الآية في المقام الأول وهم (الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ)، بالرغم من أن الله تعالى قد ذكرهم في صدر الآية.

* إن البحث عن هذا الصنف الناس واجب على كل مسلم حتى ولو كان سيشركه معه في رغيف.

* إن (الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ) أكثر الناس حياء وتعففاً وتورعاً عن الطلب.

إن الذي طورد وأحصِر في سبيل الله (لا يستطيع ضرباً في الأرض) أي لا يستطيع أحدهم أن يجد عملاً مُستقراً يقتات منه، لذلك فهو أولى من كثيرين غيره بالرعاية.

إن الذي طورد وأحصر في سبيل الله قد ترك خلفه زوجة ما تعوَّدت على الإدارة الكاملة لبيتها، وما تعودت على الطلب من غيرها، وما تعودت على الشكوى من ضيق الحال، فإن لم تجد من يتفقد أحوال بيتها -بالضوابط التي أقرها الشرع- لافتتنت في طريق الحق الذي أتعبها وأرهق كاهلها ولكانت عبئا على زوجها الذي لا يملك من أمر نفسه شيئاً.

إن الذي طورد وأحصر في سبيل الله قد ترك خلفه صغاراً إن لم يجدوا ما يلبي احتياجاتهم كأمثالهم وأقرانهم ربما انحرفوا فكانوا عبئا على أبيهم الذي لا يملك من أمر نفسه شيئاً.

إن الرعاية الكاملة لـ (الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ) وتفقد أحوالهم وأحوال ذويهم لا تقل ثواباً عن ثواب من خلف غازياً في سبيل الله.

عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "مَن جهَّز غازِيًا فقد غَزا. ومَن خلَف غازِيًا في أهلِه فقد غَزا" (صحيح مسلم).

- إن الصدقة ثوابها عظيم فما بالنا بمن يتحرى لصدقته ويجتهد جيداً ألا تقع إلا في يد مستحقيها، الأولى فالأولى!

- إن الصدقات ليست بالعبء الذي يلقيه صاحبه عن كتفه فيفوِّض من يخرجها عنه إلا إذا كان هذا المفوَّض أمين حق أمين، وكل حالة تقدر بقدرها.

- إن المتصدق لو حرص على أن يذهب لمستحق صدقته بنفسه لاستشعر أنه بذلك يغبِّر قدميه في سبيل الله، وأنه يعب في الرحمات والبركات عبَّاً.

- إن المتصدق حين يستشعر أن صدقته تقع في يد الله تعالى قبل أن تقع في يد الفقير لن يفوِّض لهذه المهمة غيره، وإن فوَّض غيره سيرافقه كتف بكتف وخطوة بخطوة لينهل من خير صدقته.

- إن المتصدق حين ترى عيناه فرحة الفقير وابتسامة أبنائه سينشرح صدره وستدخل الرحمة قلبه ولن يقصِّر في إخراج صدقته ولن يحرم نفسه من ثوابها.

* إن هذه الآية حُجة على المسلمين أن يجتهدوا في أن يضعوا صدقاتهم وزكواتهم في مكانها الصحيح والمناسب، دون شح ولا بخل، وبدقة لا يخالطها عشوائية ولا ارتجال.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
خبير تربوي وكاتب في بعض المواقع المصرية والعربية المهتمة بالشأن التربوي والسياسي، قام بتأليف مجموعة من الكتب من بينها (منظومة التكافل في الإسلام– أخلاق الجاهلية كما صورها القرآن الكريم– خير أمة).

شاهد أيضاً

بين عقيدة الإسلام و”عقيدة الواقعية

للإسلام تفسيرٌ للواقع وتعاملٌ معه بناءً على علم الله به ومشيئته فيه، كما يثبتهما الوحي. …