إنّ للعلم مكانة عظيمة في دين الإسلام لا توجد في دين آخر غير دين الإسلام، فقد حث على العلم وعلى التعلم بطرق كثيرة، وجعل له أسسا وآدابا وأخلاقا راقية مما يدل على أهمية العلم وشرفه.
فشرف العلم عظيم لا يخفى على أحد من البشر، فالناس مشتركون في كثير من الخصال إلا العلم يختص به سبحانه من يشاء من عباده، وبه أظهر الله فضل آدم على الملائكة، وأمرهم بالسجود له كما قال تعالى: (وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ، قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم) (البقرة: 31-32).
فالعلم الشرعي هو علم ما أنزل الله على رسوله – صلى الله عليه وسلم – من البينات والهدى، كما صح من حديث معاوية – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين".
وثبت في سنن أبي داود من حديث أبي الدرداء – رضي الله عنه– أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم– قال: "إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكن ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر".
فالعلم حياة القلوب ونور البصائر وشفاء الصدور وهو الميزان الذي يوزن به الرجال، وتوزن به الأقوال والأعمال، وبه يتمكن العبد من تحقيق العبودية لله الواحد الديان.
فهو الكاشف عن الشبهات والمزيل للشهوات. مذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وطلبه قربة وبذله صدقة ومدارسته تعدل الصيام والقيام.
فالحاجة إلى العلم فوق كل حاجة فلا غنى للعبد عنه طرفة عين، قال الإمام أحمد رحمه الله: "الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب فالرجل يحتاج إلى الطعام والشراب مرة أو مرتين وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه"!
وكيف لا تكون هذه منزلة العلم؟ وهو الذي به يعرف العبد ربه أسماءه وصفاته وأفعاله وأمره ونهيه وبهذه المعارف يحصل العبدُ أكملَ السعادات وأشرفَ الغايات به يُخرج الله العباد من الظلمات إلى النور قال الله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا" (الأنعام: 122).
وفي كل يومٍ يُقبل تشتد حاجة الأمَّة إلى العالم الرباني الذي وصفه الله بقوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر:28)، ووصفه بقوله: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} (آل عمران: 79).
ذلك أنَّ العلماء ورثة الأنبياء يهدونهم إلى الحق ويُرشدونهم إليه، فهم منارات الهدى ومصابيح الدجى؛ فلولا العلماء لكان الناس كالأنعام لا يعرفون معروفاً ولا يُنكرونَ منكراً ففضل العلماء على الأمَّة عظيم: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (السجدة: 24)، والإمامة في الدين إنَّما تُنال بالصبر واليقين، ولكن هل كل من لبس العمامة والجبة عالمٌ؟!! وهل كل من أشير إليه بالبنان عالمٌ؟ كلا... فالعالم الذي يَخشى الله ويتقيه ويعمل بطاعته ويَحذر معصيته يطلب العلم لله؛ لا ليُماري به العلماء، أو ليجاري به السفهاء، أو ليصرف به وجوه النَّاس إليه، أو ليوسع له في المجالس، وتُغدق عليه الجوائز والصِّلات، ويُلقى عليه هالة من التقديس فيُمدح بما ليس فيه، ويُتشبع بما لم يعط فيغدو كلابس ثوبي زور!!
___________________
عضو رابطة علماء الأردن