في ديسمبر ٢٠٢٠، تم الإبلاغ عن نوع جديد من فيروس كورونا المستجد والمتسبب في وباء كوفيد ١٩ في وسائل الإعلام. ومنذ ذلك الحين، تم تحديد عدة متغيرات أخرى. تثير المتغيرات الجديدة أسئلة عديدة، ومنها: هل فيروس كورونا أكثر عدوى الآن؟ هل ستظل اللقاحات تعمل؟ هل هناك أشياء جديدة أو مختلفة يجب علينا فعلها الآن للحفاظ على أمان أكثر؟. وفي هذا المقال سوف أجيب على بعض الأسئلة والمخاوف التي قد تكون لدينا.
لماذا يتغير فيروس كورونا؟
تحدث متغيرات الفيروسات عندما يكون هناك تغيير (طفرة) في جينات الفيروس، حيث إن طبيعة فيروسات الحمض النووي الريبي مثل فيروس كورونا تتطور وتتغير تدريجياً، كما أنه يميل الفصل الجغرافي إلى إحداث متغيرات متميزة وراثيًا.
والطفرات في الفيروسات - بما في ذلك فيروس كورونا المسبب لوباء كوفيد ١٩ - ليست جديدة ولا غير متوقعة فكل فيروسات الرنا تتطور بمرور الوقت لكن بعضها يكون أكثر من البعض الآخر. على سبيل المثال، تتغير فيروسات الإنفلونزا كثيرًا، ولهذا يوصي الأطباء بالحصول على لقاح جديد ضد الإنفلونزا كل عام.
إننا نشهد أنواعًا متعددة من فيروس كورونا المسبب لوباء كوفيد ١٩ تختلف عن الإصدار الذي تم اكتشافه لأول مرة في الصين، حيث تم اكتشاف نسخة متحولة من فيروس كورونا في جنوب شرق إنجلترا في سبتمبر ٢٠٢٠ وسرعان ما أصبح هذا البديل، المعروف الآن باسم (B.1.1.7)، هو الإصدار الأكثر شيوعًا من فيروس كورونا في المملكة المتحدة، كما ظهرت متغيرات أخرى في جنوب إفريقيا والبرازيل وكاليفورنيا ومناطق أخرى.
كيف تختلف متغيرات كوفيد ١٩؟
بعض الأدلة الأولية تشير إلى أن هذه الطفرات تجعل الفيروس معدي بدرجة أكبر، حيث لاحظ العلماء زيادة في الحالات في المناطق التي ظهرت فيها السلالة الجديدة. وبعض هذه الطفرات في نسخة (B.1.1.7) تؤثر على بروتين النتوءات الشوكية لفيروس كورونا، والذي يغطي الغلاف الخارجي له ويعطي الفيروس مظهره الشوكي المميز. تساعد هذه البروتينات الفيروس على الارتباط بالخلايا البشرية في الأنف والرئتين ومناطق أخرى من الجسم، مما يتسبب في مرض كوفيد ١٩. إن هذه النتوءات الشوكية تجعل الفيروس أكثر ارتباطًا بخلايانا ويبدو أن هذا يجعل بعض هذه السلالات الجديدة أكثر ثباتًا بسبب التغيرات في بروتين هذه النتوءات الشوكية.
هل هناك نوع جديد من فيروس كورونا أكثر خطورة؟
إن الأخبار مطمئنة إلى حد ما حتى الآن. على الرغم من أن الطفرات قد تمكن فيروس كورونا من الانتشار بشكل أسرع من شخص لآخر، ويمكن أن يؤدي المزيد من العدوى إلى إصابة المزيد من الأشخاص بمرض كوفيد ١٩، إلا أنه بشكل عام، لا يوجد دليل واضح حتى الآن على أن أيًا من هذه المتغيرات من المرجح أن تسبب مرضًا شديدًا أو الوفاة، ولا يوجد أي مؤشر واضح حتى الآن على أن الطفرات الجديدة أكثر ضراوة أو خطورة من حيث التسبب في مرض كوفيد ١٩ أكثر حدة.
وقد يكون من الأفضل أن يتطور فيروس الجهاز التنفسي بحيث ينتشر بسهولة أكبر. فإن الطفرات التي تجعل الفيروس أكثر فتكًا قد لا تمنح الفيروس فرصة للانتشار بكفاءة. فإذا مرضنا بشدة أو متنا بسرعة من فيروس معين، فإن الفيروس لديه فرصة أقل لإصابة الآخرين. ومع ذلك، فإن المزيد من الإصابات من نوع سريع الانتشار سيؤدي إلى المزيد من الوفيات.
أحد الشواغل الرئيسية هو ما إذا كان أي من الطفرات يمكن أن يؤثر على العلاج والوقاية. قد تسمح الطفرات للفيروسات التاجية بالهروب من الأجسام المضادة في العلاجات المتاحة حاليًا وتلك التي تسببها اللقاحات. هناك حاجة إلى مزيد من البيانات للتحقيق في هذا الاحتمال.
هل يمكن لطفرات كورونا الجديدة أن تؤثر على الأطفال بشكل متكرر أكثر من السلالات السابقة؟
إنه على الرغم من أن الخبراء في المناطق التي تظهر فيها السلالة الجديدة قد وجدوا عددًا متزايدًا من الحالات لدى الأطفال، إلا أنه لا يوجد دليل مقنع على أن أيًا من الطفرات الجديدة لها ميل خاص لإصابة الأطفال أو تسببهم في المرض. نحن بحاجة إلى أن نكون يقظين في مراقبة مثل هذه التحولات.
هل سيكون هناك المزيد من المتغيرات الجديدة لفيروس كورونا؟
نعم طالما أن الفيروس التاجي ينتشر بين السكان، ستستمر الطفرات في الحدوث وعلينا تتبع واكتشاف أنواع جديدة من فيروس كورونا المسبب لوباء كوفيد ١٩. الجدير بالذكر أن طفرات مماثلة في بروتين النتوءات الشوكية تنشأ بشكل مستقل في قارات متعددة. المثير للقلق لو تفشت هذه النسخ الجديدة في مجتمعات لا تتوفر فيها سبل رصد الطفرات أو تتبع الخارطة الجينية للفيروس.
هل هناك احتياطات إضافية لطفرات فيروس كورونا الجديدة؟
لا يدعو أي من الطفرات الجديدة لفيروس كورونا إلى أي استراتيجيات وقائية جديدة. نحن بحاجة إلى الاستمرار في فعل ما نقوم به، فلا يوجد دليل حتى الآن على أن هذه الطفرات مختلفة بيولوجيًا بحيث تتطلب أي تغيير في التوصيات الحالية التي تهدف إلى الحد من انتشار. ومع ذلك، يجب أن نستمر في توخي اليقظة لمثل هذه الظواهر.
إن السلوك البشري مهم، فكلما زاد عدد الأشخاص المصابين، زادت فرصة حدوث طفرة، كما أن الحد من انتشار الفيروس من خلال الحفاظ على الإجراءات الإحترازية لكوفيد ١٩ (ارتداء الأقنعة، والتباعد الجسدي، وممارسة نظافة اليدين) يمنح الفيروس فرصًا أقل للتغيير. كما أنه يقلل من انتشار المزيد من الطفرات المعدية، إذا حدثت.
لذا نحن بحاجة إلى إعادة التأكيد على تدابير الصحة العامة الأساسية، بما في ذلك ارتداء الأقنعة، والتباعد الجسدي، والتهوية الجيدة في الداخل، والحد من تجمعات الناس على مقربة شديدة من سوء التهوية، فنحن نمنح الفيروس ميزة للتطور عندما نتجمع في أماكن أكثر ضيقًا.
هل ستعمل لقاحات كوفيد-19 على السلالات الجديدة؟
هناك دليل جديد من الدراسات المختبرية على أن بعض الاستجابات المناعية التي تحركها اللقاحات الحالية قد تكون أقل فعالية ضد بعض السلالات الجديدة.
أما عما إذا كان هذا يعني أن الأشخاص الذين حصلوا على لقاحات كوفيد ١٩ يمكن أن يصابوا بالطفرات الجديدة أم لا، فإن الاستجابة المناعية تتضمن العديد من المكونات، ولا يعني الانخفاض في أحدها أن اللقاحات لن توفر الحماية.
يجب على الأشخاص الذين تلقوا اللقاحات، مواصلة احتياطات السلامة من فيروس كورونا للحد من مخاطر العدوى، مثل ارتداء الأقنعة والتباعد الجسدي ونظافة اليدين.
وكما نتعامل مع الطفرات سنويًا لفيروس الإنفلونزا، علينا أيضاً أن نراقب هذا الفيروس التاجي ونتعقبه، وإذا حدثت طفرة كبيرة في أي وقت يمكن لعملية تطوير اللقاح أن تستوعب الطفرات إذا لزم الأمر، لكننا لم نصل بعد إلى النقطة التي نحتاج فيها إلى التفكير في ذلك.
فيما يتعلق بطفرات فيروس كورونا، ما مدى قلقنا؟
لا يجب المبالغة في رد الفعل تجاه طفرات فيروس كورونا المسبب لوباء كوفيد ١٩، ولكن كما هو الحال مع أي فيروس فإن الطفرات شيء يجب مراقبته للتأكد من أن الاختبارات والعلاج واللقاحات لا تزال فعالة وسيواصل العلماء فحص الإصدارات الجديدة من التسلسل الجيني لفيروس كورونا أثناء تطوره. في غضون ذلك، نحن بحاجة إلى مواصلة جميع جهودنا لمنع انتقال الفيروس وتطعيم أكبر عدد ممكن من الناس، وفي أسرع وقت ممكن.
_______________________________________
دكتوراة الفلسفة في علم الميكروبيولوجي والمناعة
شعبة البحوث الطبية – المركز القومي للبحوث