5"منذ عقلت الإسلام ودعوت إليه : لم أفرّق بين حقيقة الإيمان وكرامة الإنسان" بهذه الكلمات ابتدأ الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله تعالى - كتابه "معركة المصحف في العالم الإسلامي" والذي كتبه بعيد مشاركته في المؤتمر الوطني للقوى الشعبية (كممثل للتيار الإسلامي) في بداية ستينيات القرن الماضي لإقرار مسودة دستور مصر عقب ما يسمى" ثورة يوليو"، ثم عضوية الاتحاد الاشتراكي والذي أسسه عبدالناصر في فترة حكمه.
جاء الكتاب الذي أعادت طباعته دار القلم في دمشق في 256 صفحة من القطع المتوسط، وهو متوفر مطبوعا في المكتبات الإسلامية، وتتميز هذه الطبعة بلون أوراقها المائل إلى الصفرة، والتي تعود بك لتلك العهود من المعارك الثقافية والفكرية التي كان يقودها الدعاة للمحافظة على الهوية القيمية للأمة.
لن أتحدث كثيرا عن سحر عبارات الشيخ الغزالي -رحمه الله تعالى- وسبك ألفاظه بطريقة مميزة، ومع أن الموضوع -بالنسبة لي واضح- إلا أن جمال عباراته ورصانتها يأخذك إلى عالم بديع من الاستشهادات والتراكيب البلاغية المحفزة نحو الإبداع.
مع الكتاب
قسم الشيخ الغزالي - رحمه الله تعالى - كتابه إلى خمسة فصول..
الأول... تحدث فيه عن معركة المصحف الشريف في النفس البشرية لاستعادتها من الشيطان وشركه نحو الله وعبادته، وأثر ذلك في المجتمعات التي تأثرت في الدعاوى الشيوعية والصهيونية.
أما الثاني فتحدث فيه عن مسير الإسلام - تاريخيا - في المجتمع والدولة، وكيف استطاع أن يعدل مسار البشرية بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين، ثم عرّج عن الانحراف في منهجية اختيار الحاكم وابتداع سنة التوريث وأثرها على مبدأ الشورى، وكيف استطاع المجتمع المسلم -من خلال راية القرآن الكريم- أن يعدل الكثير من مسارات الحكم وثغراته.
أما الفصل الثالث فتحدث به عن دور الجهود الإصلاحية والحركات التجديدية لروح الأمة الإسلامية أثناء الحكم العثماني وبعيده، والمساعي الكبيرة التي بذلها العلماء والمصلحون لاستعادة الأمة من المحتل الغاصب أولا ومن عملائه وورثته من أبناء الأمة ثانيا.
في الفصل الرابع تحدث فيها الغزالي - رحمه الله تعالى – عن الإصلاحات السياسية المطلوبة من الأمة بعيد استعادتها حريتها من المحتلين، مع التفريق بين فساد الحكم العثمانيين في أواخر حكمهم والدمار الذي خلفه المحتل الإنجليزي الصليبي، فالأول كان حكما جامعا للأمة وأدى دورا إيجابيا في السابق ثم انتحى نحو الفساد بسبب سذاجة أهله داخليا المؤامرات خارجيا، بينما الثاني فإن مسعاه من البداية كان تدمير هوية الأمة حتى لا تقوم لها قائمة، وتحدث أيضا باستفاضة عن الحركة الإسلامية في مصر، و الأدوار التي لعبتها في المحافظة على هوية المجتمع والمطالبة باستعادة مفهوم الدولة الإسلامية.
أما الفصل الاخير فتحدث فيه عن دوره هو - رحمه الله تعالى - إبان ما يسمى بثورة يوليو - والتي اعتقد هو وغيره من جماهير مصر بأنها ثورة على النظام الملكي الظالم والخائن للأمة، وأن البديل هو الحكم الإسلامي الذي لم يحصل -، ومدى مشاركته في المؤتمر الوطني وبعدها في الاتحاد الاشتراكي لينافح عن ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية، ثم كيف كانت معركته الثقافية الشرسة ضد الاستبداد وعناصره الكثيرة من علماء وصحفيين أصحاب الأقلام المرتزقة - على حد تعبيره -، وكيف اكتشف بعد ذلك عدم مصداقية أهل الحكم في تطبيق شرع الله مما جعله يعود - وبقوة - للدور الدعوي الذي بدأ به.
مع المؤلف:
شيخنا الغزالي - رحمه الله تعالى - من مواليد مصر عام 1917م، وحفظ القرآن الكريم قبل العاشرة مما أثر في بلاغته ونداوة حواراته وقدرته على الجمع ببن الخطاب العقلي والعاطفي، وحينما اشتد عوده في العلم الشرعي والنشاط الدعوي سمي "أديب الدعوة"، وكان ممن انخرطوا في مدرسة الإخوان المسلمين وتتلمذ وتأثر بأطروحات الإمام حسن البنا رحمه الله مبكرا، وأتحف المكتبة الإسلامية بالنفيس من الكتب والمقاولات التي كانت غذاء للروح والفكر لدى الشباب، وأكرمه الله بوفاة عطرة لدعوة كان يدعوها كثيرا "اللهم أمتني وأنا أتصبب عرقًا في سبيلك"، إذ مات أثناء إلقائه آخر محاضرة له عن الإسلام وفهمه في إحدى جامعات الرياض عام 1996م، ودفن في البقيع بالمدينة المنورة.
رحم الله الشيخ محمد الغزالي وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا.
معلومات الكتاب:
اسم الكتاب: معركة المصحف في العالم الإسلامي
اسم المؤلف: الشيخ محمد الغزالي
بلد النشر: دمشق- سوريا
عدد الصفحات: 256