الشيخ جرَّاح.. اختزال معركة المشروع الصهيوني على رقعة أرض!

الرئيسية » بصائر الفكر » الشيخ جرَّاح.. اختزال معركة المشروع الصهيوني على رقعة أرض!
أنقذوا-حي-الشيخ-جراح-عائلات-فلسطينية-تواجه-خطر-التهجير-مجدداً-780x470

الردع الجماهيري.. هكذا عبَّر العديد من الناشطين عن الموقف الراهن في حي الشيخ جرَّاح المقدسي، وما يجري على الأرض فيه، وليس بعيدًا عنه في الحرم القدسي الشريف، وتتردد أصداؤه في غزة، وفي أنحاء كثيرةٍ من العالم العربي والإسلامي.

وفي حقيقة الأمر؛ فإنَّ هذه العبارة مُوفَّقة في التعبير عن الموقف الراهن في الشيخ جرَّاح، والذي يتزامن تزامنًا موضوعيًّا وزمنيًّا مع التصعيد الكبير للمستوطنين اليهود في عمليات اقتحام الحرم القدسي، ومتطلبات التعامل معه.

فالمشهد الراهن، هو مِن أهم ما يمكن، لأنَّه من أوضح ما يمكن فيما يختزله في طياته، من أبعاد المشروع الصهيوني الاستيطاني الحلولي، باعتبار أنَّه في النهاية عبارة عن عملية إحلال مجموعات من الناس الغرباء محلِّ شعبٍ آخر في بيوته وعلى أراضيه.

المشهد الراهن، هو مِن أهم ما يمكن، لأنَّه من أوضح ما يمكن فيما يختزله في طياته، من أبعاد المشروع الصهيوني الاستيطاني الحلولي، باعتبار أنَّه في النهاية عبارة عن عملية إحلال مجموعات من الناس الغرباء محلِّ شعبٍ آخر في بيوته وعلى أراضيه

فمهما كانت الصورة الظاهرة للصراع العربي الصهيوني والقضية الفلسطينية؛ سياسةً وحروب وغير ذلك؛ فإنَّ جوهر الأمر في النهاية، يبقى أنَّه هذا الجانب؛ الجماهيري.

وبعيدًا عن السياقات الميدانية للموقف، وتطورات الأزمة أمام ساحات المحاكم الصهيونية، واعتداءات قوات الاحتلال على أهالي حي الشيخ جرَّاح، وجموع المُصَلِّين المرابطين في ساحات الأقصى؛ حيث تحفل بها وسائل الإعلام؛ فإنَّنا ينبغي أنْ نقفَ أمام ملمحَيْن أساسيَّيْن في تطورات الحَدَث.

الملمح الأول، أنَّ الذي يتصدَّر الصورة الآن ليس الحكومة الصهيونية بشكلٍ مباشرٍ؛ حيث إنَّ المعلنَ أنَّ حكومة الاحتلال منعت المستوطنين من دخول الحرم القدسي الشريف بدءًا من العشر الأواخر من شهر رمضان.

وحتى تصريحات رئيس الحكومة الصهيونية المنتهية ولايته، بنيامين نتنياهو، كانت تنحو إلى التهدئة تحت وطأة المواجهات التي وقعت قبل أيامٍ في القدس ومناطق أخرى من الضفة الغربية المحتلة، مع إطلاق عشرات الصواريخ من قطاع غزة على مستوطنات الغلاف الحدودي مع القطاع.

فالذي يتصدَّر الصورة الآن، هو الجمعيات الاستيطانية والجمعيات الدينية اليهودية المتطرفة، مثل منظمة أمناء جبل الهيكل، واتحاد منظمات المعبد.

والملمح الثاني، ويتصل بذلك، أنَّ الأمر في حي الشيخ جرَّاح، بالرغم من أنَّ الإجراءات التي أشعلت الموقف، كانت من جانب سلطات الاحتلال؛ إلا أنَّه في الأصل يعود جذر الموضوع إلى بيوت تطالب بها الجمعيات الاستيطانية، وقام أحد قادة هذه الجمعيات بالفعل، بوضع مكتبه أمام أحد هذه البيوت التي تطالب بها الجمعيات الاستيطانية.

وهنا لابد مِن العودة بالتاريخ إلى الوراء بعض الشيء لفهم هذا الذي يجري. أنشأت الأردن في حي الشيخ جرَّاح عددًا مِن المنازل لإيواء بعض الفلسطينيين المُهجَّرين في حرب النكبة عام 1948م.

ثم، وفي العام 1972م، زعمت جمعيتان استيطانيتان، وهما "لجنة اليهود السفارديم"، و"لجنة كنيست إسرائيل" (لجنة اليهود الأشكناز)، أنهما كانتا تمتلكان الأرض التي أقيمت عليها هذه المنازل في العام 1885م، أي في بداية الاستيطان اليهودي في فلسطين.

ووفق قانون أملاك الغائبين الجائر الذي تبنته دولة الاحتلال عام 1950م؛ فإنَّه لا يُسمح للفلسطينيين الذين فقدوا ممتلكاتهم نتيجة حرب النكبة، باستعادتها، كما أنَّه يسمح بنقل أصولهم إلى ملكية دولة الاحتلال.

وفي السنوات الأخيرة، وضمن هذا الملف، بدأت الجمعيات الصهيونية في عمليات شراء محمومة لأراضٍ وبيوتٍ مقدسية، وكثيرٌ منها تم تسريبه بواسطة بعض الأوساط المتعاونة مع الاحتلال، وهناك تقارير عن أنَّ الحكومة الإماراتية ساعدت فيها بالتمويل أو من خلال التواصل مع أوساط فلسطينية رسمية وكنسية.

ومن هنا نجد الرابط الموضوعي بين ما يجري في محيط المسجد الأقصى وبين ما يجري في حي الشيخ جرَّاح؛ حيث إنَّ ذات الجمعيات والشخوص الصهيونية التي تحرِّك الموقف في الشيخ جرَّاح، هي نفسها التي تسعى إلى تدنيس الحرم القدسي، وتصطدم مع كذلك ذات الأوساط الفلسطينية في كلا المكانَيْن.

وتوسيعًا للرؤية؛ طرحت الكثير من التقارير الإعلامية في الآونة الأخيرة توصيفًا مهمًّا للموقف، وهو أنَّ كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة "حماس"، بدأت معادلة جديدة وُصِفت بـ"محور غزة/ القدس"، بمعنى أنَّ الكتائب قد بدأت في توظيف قدراتها الصاروخية تبعًا لتطورات الحدث في القدس المحتلة، وليس بناءً على تطورات الموقف الميداني في قطاع غزة فحسب.

وهذا أمرٌ على أكبر جانبٍ من الأهمية، ويشكِّل بالفعل استثناءً مهمًّا لحالة الجمود والانفصال التي قادت إليها سياسات الاحتلال والتنسيق الأمني بين الموقف في قطاع غزة والموقف في الضفة الغربية المحتلة، وبالذات في القدس التي تُشكِّل في مشروعات الاستيطان الصهيوني في الضفة، ما نسبته حوالي عشرين بالمائة من مساحة الضفة المحتلة، ضمن مشروع القدس الكبرى.

وهنا لابد من التنبيه إلى أنَّه مِن الخِطإ ربط هذه التطورات بالعشر الأواخر مِن شهر رمضان، أو بـ"يوم القدس"؛ حيث إنَّ ما يجري، هو – كما تقدَّم – له جذور زمنية بعيدة، وجزء استراتيجي من المشروع الصهيوني.

وتستغل الجمعيات الصهيونية الموقف السياسي الداخلي في دولة الاحتلال، وتوظيفه لمصلحتها؛ حيث إنَّ أزمة تشكيل الحكومة التي تحوَّلت إلى مشكلةٍ مزمنة، تضع الكيان الصهيوني على شَفَا خامس انتخابات عامة في غضون عامَيْن فحسب؛ هذه الأزمة جعلت لأحزاب اليمين الصهيوني أهميةً كُبرى كبيضةِ القبَّان لأي حزبٍ أو تكتُّلٍ كبير يسعى إلى نيل الأغلبية في "الكنيست".

إنَّ الصورة السابقة، تُعتَبر معلمًا مهمًّا ضمن معالم طريق أحد أهم الحلول وأكثرها فاعلية لمشكلة الجمود الذي سيطر على الحالة الفلسطينية، وقضية القدس، داخليًّا وخارجيًّا، منذ سنوات طويلة، وهو المقاومة الشعبية؛ حيث بات من الواضح أنَّ أي رهانٍ على مواقف رسمية من السلطة أو الفصائل؛ هو رهانٌ خاسرٌ.

كما أنَّ الظروف الحالية كشفت بالفعل عن أنَّ التصعيد في الشارع، والتصعيد العفوي الواسع النطاق بالتحديد، هو الأداة الوحيدة التي يمكنها أنْ تُجبرَ الأطراف الرسمية المعنية، مثل السلطة الفلسطينية والحكومة الأردنية، على أنْ تتخذَ ردَّ فعلٍ، على الأقل لحفظ ماء الوجه أمام مواطنيها.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
"باحث مصري في شئون التنمية السياسية والاجتماعية، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة القاهرة عام 1997م، كاتب في موقع "بصائر"، عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "القدس" الشهرية، التي كانت تصدر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير دورية "حصاد الفكر" المُحَكَّمة، له العديد من الإصدارات، من بينها كتب: "أمتنا بين مرحلتين"، و"دولة على المنحدر"، و"الدولة في العمران في الإسلام"، وإيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط"، وأخيرًا صدر له كتاب "أسس الحضارة والعمران في القرآن الكريم"، وله تحت الطبع كتاب بعنوان "الدولة في العالم العربي.. أزمات الداخل وعواصف الخارج".

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …