المعركة القائمة الآن معركة فاصلة حقا، غير كل المعارك السابقة، وسيكون لها ما بعدها بإذن الله.
فلأول مرة في تاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني تبادر المقاومة في غزة بإطلاق الصواريخ على الأراضي المحتلة، وقد كانت من قبل ترد فقط على مبادرة قوات الاحتلال بالقصف.
منذ أن خرجت قوات الاحتلال من غزة عام 2005م، تحت وطأة المقاومة الفلسطينية الإسلامية، واللعبة تغيرت، فبدلا من أن تكون المقاومة هي المبادِرة قنصا وقتلا لجنود الاحتلال في شوارع غزة وضواحيها، أحكمت قوات الاحتلال حصارها على غزة برا وبحرا وجوا، وفكت ارتباطها المباشر بالمقاومة في شوارعها ومدنها وقراها، وأصبحت تقصف غزة بين الحين والحين، فلا تستطيع المقاومة إلا أن تكون ردة فعل، فيكون القصف بالقصف.
فإذا ما غامرت قوات الاحتلال ودخلت بقواتها البرية، تكون حينها الملحمة الكبرى، ويعود القنص والتفجير والأسر.
كنا نحس بالغصة لأن المقاومة في غزة باتت في كل حروبها مع "إسرائيل" ردة فعل، و"إسرائيل" دائما هي المبادرة، فهي التي تبدأ الحرب، وهي التي تنهيها عندما تقبل بوقف إطلاق النار تحت وطأة ردة فعل المقاومة بعدما تكون قد فجرت وقتلت ودمرت.
المقاومة الفلسطينية في غزة، وخصوصا الإسلامية منها، وأكثر خصوصية كتائب القسام فيها، عملت طوال هذه السنوات على تطوير أدواتها بما تستطيعه، فانتقلت من مربع إلى مربع إلى مربع، فلك الله والعز والفخر أيتها المقاومة الباسلة.
طورت المقاومة نفسها، من العمل بالحجارة والسكين، إلى البندقية، إلى العمليات الاستشهادية، إلى الصواريخ ومضادات الدروع.
نذكر جيدا، عندما كانت العمليات الاستشهادية هي سلاح المقاومة الأكبر، والذي أذهل العالم كله، لأولئك الذين يفجرون أنفسهم من أجل أن ينكئوا عدوهم، لتطيب أنفسهم بالموت في سبيل الله، وفي سبيل مقدساتهم وبلادهم وأهلهم.
ولن تجد أحدا يقدم على ذلك، إلا أن يكون إقدامه عن عقيدة دينية سماوية، تبشره بجنات الله، إن هو ضحى بنفسه في سبيل بانيها ومجهزها ومعدها لكل المضحين بأموالهم وأنفسهم في سبيله.
يقولون إن الجنود اليابانيين كانوا يقدمون على عمليات أشبه بالعمليات الاستشهادية في الحرب العالمية الثانية، وهم لا دينينون.
من الممكن أن يقدم بعض الناس على التضحية بأنفسهم من أجل مجدٍ أو طنٍ أو عرق، لكن ذلك استثناء بالغ الندرة، ولا ينفي القاعدة التي تقول: لن يقدم على التضحية بنفسه إلا من يضحي بها وهو يعلم أن له حياة أخرى عند ربه، فيها خلود ونعيم مقيم.
أقول: نذكر جيدا في ذروة العمليات الاستشهادية، عندما كان يتحدث بعض قادة المقاومة ويقولون: العمليات الاستشهادية هي سلاح اليوم، والصواريخ هي سلاح الغد، وهي التي ستكسر العدو، وتعجل بهزائمه وزواله.....وقد كان.
ونذكر من قبل هذا وذاك حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم، والذي يقول فيه (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي.
أقوى القوة الرمي، وفي الحروب المعاصرة تنتصر الجيوش بالقصف من طائراتها وبوارجها ودباباتها وصواريخها.
ولا تملك المقاومة إلا تلك الصواريخ بدائية الصنع التي تصنعها بأيديها، والتي تطورت هي الأخرى.
فبعد أن كانت صواريخَ تثير التهكم والسخرية من صهاينة العرب، الذين كانوا يقولون: تضرب المقاومة بألعاب أطفال لتدكهم قوات الاحتلال دكا.
أصبحت الصواريخ بعد ذلك مرعبة، تبث الرعب في صفوف الإسرائيلين بأصواتها وكثافتها، تبث الرعب فيهم أكثر مما تقتلهم، وحينها كان قادة المقاومة يقولون: لقد دخلنا مرحلة توازن الرعب بيننا وبين عدونا.
ولا ننسى في ذلك أن عدونا من بني يهود، هم أجبن خلق الله وأكثرهم رعبا وفزعا، ذلك لأنهم أحرص الناس على حياة كما قال الله تعالى، وذلك ما نراه بأعيننا على الشاشات، فالجنود الإسرائيليون يبدون فزعين خائفين فارين من أمام الشباب الفلسطيني الذي يرميهم بالحجارة، مع ما في أيديهم من أسلحة هي أكثر أسلحة القتل والقنص تطورا في العالم.
ثم أصبحت الصواريخ مدمرة وحارقة وقاتلة، لننتقل من مرحلة توازن الرعب إلى توازن القتل وتوازن التدمير.
ولو أن المقاومة الفلسطينية امتلكت شيئا ولو يسيرا من أسلحة العالم اليوم، فإن اليقين أنه لن تبقى لـ"إسرائيل" باقية، وكل العالم يعرف ذلك، ولذلك فإن حصار غزة والفلسطينيين سيستمر بلا ريب، بل وسيزداد عاما بعد عام، وستشارك فيه أطراف عربية كما يحدث اليوم من النظام المصري القائم.
"إسرائيل" وهمٌ كاذب، وهي أضعف وهمٍ وأكذبه، ولولا تواطؤ العالم لإبقائها، ولولا مساعدة صهاينة العرب لها، لكانت قد انتهت منذ زمن، ونهايتها قادمة لا محالة، بوعد الله القادر، وما هي إلا أعوام قليلة، وإن غدا لناظره قريب.
"إسرائيل" وهمٌ كاذب، وهي أضعف وهمٍ وأكذبه، ولولا تواطؤ العالم لإبقائها، ولولا مساعدة صهاينة العرب لها، لكانت قد انتهت منذ زمن، ونهايتها قادمة لا محالة، بوعد الله القادر، وما هي إلا أعوام قليلة، وإن غدا لناظره قريب
تطور عظيم في المقاومة، فهي التي تبادر اليوم بالقصف، وصواريخها تفجر وتقتل، وتصل صواريخها للقدس المحتلة، ولتل أبيب كذلك.
المدارس في مستوطنات غلاف غزة توقفت، وحركة الطيران في مطارات تل أبيب توقفت، وإن ذلك لتطور مذهل، وإن "إسرائيل" والعالم كله من بعده سينظرون للمقاومة نظرةً مختلفة، وإن أخوف الخوف أن يدبروا في القادم خططهم لإنهاء المقاومة بالكلية بكل ما أوتوا من قوة ومن تآمر، فلم تعد المقاومة بالنسبة لهم تُطاق أو يُتعايش معها.
المقاومة بادرت بقصف المدن المحتلة ردا على اقتحام الأقصى، وعلى مأساة التهجير في الشيخ جراح، لتتأكد وتترسخ وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة مصيره بين غزة في أقصى الغرب والضفة في أقصى الشرق.
ومقاومة المحتل الغاصب لا تقتصر على غزة فقط، بل تمتد إلى الضفة الغربية وإلى الداخل الفلسطيني.
وقد ثار أبناء الداخل، الذين يعيشون داخل الخط الأخضر بين المحتلين في قراهم ومدنهم.
ثاروا ثورة غير مسبوقة، إلى حد أن أعلنت قوات الاحتلال حالة الطوارئ في مدينة اللد، ولم تكن قد أعلنتها من قبل منذ عام 1966م.
مقاومةٌ في كل مكان، غزة والضفة والداخل الفلسطيني..........
أذكر جيدا يوم أن قال أحد القادة أن دور فلسطينيي الخط الأخضر ما زال لم يأت بعد، وأنهم سيكون عليهم أكبر الدور في معركة التحرير الكبرى، وإنهاء الاحتلال الصهيوني إلى الأبد.
الفلسطينيون الذين يعيشون في قلب الأرض المحتلة داخل الخط الأخضر بين الصهاينة سيكونون الأكثر التحاما والأكثر نكاية وقتلا وتفجيرا وإيلاما للعدو حينَ يحينُ الحين.
ويبدو أن بوادر ذالك الحين قد بدأت تهل، وما زلنا في انتظار المعركة الكبرى التي يتحقق فيها وعد الله، وهي ليست ببعيدة.
ولنا أن نُذكّر هنا بأن الكثير من النبوءات من كثير من القادة الربانيين قد بَشّرت بنهاية "إسرائيل" في الثلاثين عاما الأولى من هذا القرن، وعلى رأس هؤلاء القادة الربانيين المتنبئين بذلك الشيخ المؤسس الشهيد أحمد ياسين، والقائد الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، والمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الأسبق الأستاذ مصطفى مشهور.
كما أن هناك بعض المفكرين الإسلاميين الذين يجزمون بنهاية "إسرائيل" في نفس الزمن تقريبا، وذلك بحسابات تاريخية ورياضية وقرآنية.
اليقين أن "إسرائيل" زائلة، وتحديد ميعاد الزوال هو موضع التخمين لا موضع اليقين
اليقين أن "إسرائيل" زائلة، وتحديد ميعاد الزوال هو موضع التخمين لا موضع اليقين.
واليقين كذلك أن المقاومة التي ستجعل هذا الزوال واقعا قريبا بإذن الله، هي مقاومة قوية أمينة، تتطور تطورا يُذهل العقول، إذا ما دققت هذه العقول في حجم التآمر على القضية الفلسطينية وعلى مقاومتها، وفي حجم الحصار وشدته على الفلسطينيين ومقاومتهم، وفي حجم الحاجة والعوز التي يعيشهما الفلسطينيون عموما والمقاومة خصوصا.