جلسات إيمانية في رمضان (8)

الرئيسية » بأقلامكم » جلسات إيمانية في رمضان (8)
8

جلسة إيمانية يوم 22 رمضان

احفظ الله يحفظك

احفظ الله بإتيان ما أمر به واجتناب ما نهى عنه، يحفظك مما تخاف وتحذر ومن كل ما يسوؤك.

إن المسلم عليه إذا دعا الله تعالى أن يحفظه ألا يشترط على ربه كيفية الحفظ ولا مكانه وزمانه ولا أي شيء من ذلك، وإلا كان معتدياً في الدعاء، وهذا مما نهى عنه الشرع حيث قال تعالى: " ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ {55}" (الأعراف: 55).

إن المسلم عليه أن يُوقِن بأن الخير كل الخير هو فيما اختاره الله، وفيما قدَّره الله، وفيما شاء الله.

إن الله تعالى حفظ نبيه إبراهيم عليه السلام في مكان لا يتصوره ولا يتخيله عقل وهو النار.

وحفظ نبيه يوسف عليه السلام في الجب كما حفظه في السجن.

وحفظ نبيه موسى عليه السلام في بيت عدوه فرعون.

وحفظ نبيه يونس عليه السلام في بطن الحوت.

وحفظ نبيه أيوب عليه السلام في فراش المرض.

وحفظ نبيه محمد عليه السلام في الغار.

ويحفظ أولياءه أينما شاء وكيفما شاء لحكمته وبحكمته ولوقت يعلمه لا يتقدم ولا يتأخر.

ومن كل ما سبق نعلم أنه على المسلم أن يفوض أمره كله لله وأن يوقن أنه سبحانه لا يُضيِّع أولياءه ولا يخذلهم بل يبتليهم ليحط عنهم أوزارهم وليصطفيهم وليجعلهم أئمة يهدون بأمر ربهم، قال تعالى: " وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ {24}" (السجدة: 24).

وعلى المسلم أن يعلم أن لله في خلقه سننًا لا تتبدل، وأن لكل شيء أجلاً مُسمى، وأن الله لا يعجل بعجلة أحدنا، وأن لكل ثمرة أوانًا تنضج فيه.

ويعلم أن الله تعالى لو تعجل بعجلة الأم الحامل التي تريد أن ترى وليدها بعد سنوات من العقم، ما استمتعت بوليدها قط.

ويعلم أن الإنسان خلق هلوعاً، وخلق جذوعاً، وخلق عجولاً، فلنكثر من الابتهال إلى الله تعالى أن يربط على قلوبنا وقلوب أحبتنا وأن يجعلنا جميعاً من الراضين بحكمه، الشاكرين لفضله، المستسلمين لقضائه، ومشيئته، الصابرين على ابتلائه.

اللهم اجعلنا من الصابرين علي البلاء الشاكرين عند العطاء الراضين بالقضاء.

********************************************

جلسة إيمانية يوم 23 رمضان

سلوى و وصية لكل مبتلى في الله

ثق بأن مصيبتك مهما بلغت فإنها ليست أعظم المصائب ولا أقصاها ولا أقساها .

إن المصائب منها ما يرفع صاحبها إلى أعلى عليين ومنها ما يلقي بصاحبها إلى أسفل سافلين.

إن الموت قد سماه الله تعالى في القرآن الكريم مصيبة وبالرغم من ذلك فصاحب الميتة الشريفة يقول "قدموني قدموني" لما ينتظره من النعيم، بل ويظل أهله فخورين بميتته بين الخلائق إلى أن يشاء الله، وصاحب الميتة السوء يقول: "يا وَيلي أينَ تذهبونَ بي" لما ينتظره من العذاب، وتظل ميتته السوء وصمة في جبين أهله إلى أن يشاء الله.

* إن المصيبة الأساسية التي يخشاها المسلم هي مصيبة الدين.

إن المسلم تجده يُكثِر من الدعاء المأثور عن النبي ﷺ:" اللهم... ولا تجعَل مُصيبتَنا في دينِنا".

وكان النبي ﷺ يتعوذ من:"الحَورِ بعد الكَور"، أي: من نقصان الدين بعد اكتماله، أو نقضه بعد إتمامه. والرجوع من الإيمان إلى الكفر، ومن الطاعة إلى المعصية.

** إن كل مصيبة لا تبلغ مصيبة الدين هي هيِّنة يُمكن اجتيازها بالإيمان بمن قدَّرها، وباستحضار ثوابها، وباليقين من زوالها، وبمعرفة أن الدنيا ما هي إلا قنطرة للآخرة، وأنها "سِجْنُ المُؤْمِنِ، وجَنَّةُ الكافِرِ"، وأنه "لو كانتِ الدنيا تعدلُ عند اللهِ جناحَ بعوضةٍ ما سقى كافرًا منها شربةَ ماءٍ".

* إلى أصحاب المصائب أسرد بعض المصائب الأخلاقية التي نراها رأي العين والتي نسمع عنها كل يوم لكي تكون لنا سلوى ولنحمد الله تعالى على قدره بنا، ولنعلم أننا ما ظلمنا وابتلينا إلا من أجل تمسكنا بمنهج الله وسنثاب على ذلك بقدر إخلاصنا وثباتنا، وأن هناك من داروا في فلك الظالمين فابتلاهم الله بمصائب تشيب لها الولدان وسينقلبوا خاسرين إن لم تدركهم رحمة الله.

* امرأة تقتل زوجها لتتمكن من الزواج من عشيقها.

* رجل يقتل زوجته بعد أن ضبطها مع عشيقها في فراش الزوجية.

* القبض على ابنة فلان / أو زوجة فلان المشهور ضمن شبكة دعارة.

* أستاذة جامعية تكتشف أن خادم الفيلا التي يقيمون فيها يعاشر ابنتها معاشرة الأزواج منذ سنوات.

* مجموعة من الشباب يختطفون فتاة ويتناوبون على اغتصابها ثم يقومون بقتلها وتشويه جثتها حتى لا يتم التعرف على الجريمة.

وغير ذلك من الفواحش والفضائح التي امتلأ بها مستنقع القاذورات الذي يزكم الأنوف والذي وصلت قذارته إلى حد القيء والغثيان.

** أخي المُبتلى في الله

إن معالم الطريق واضحة للمؤمنين منذ بداية التكليف وسبقهم على الدرب الأنبياء والمرسلين والكل قد عاهد الله على الثبات على الطريق مهما واجه من عقبات.

لذا أوصيك وأوصي نفسي ...

1-عِش مُتفائلاً مرفوع الرأس مُبتسماً ولا تجعل اليأس يعرف إلى روحك سبيلاً " وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {87}" (يوسف: من الآية 87).

2- خُذ من حطام نفسك لبنات تُقيم بها جدار روحك إذا انقضَّ فلا يراك أحد إلا عزيزاً مرفوع الرأس شامخاً، واجعل شعارك "لن يضيِّعنا الله".

3- ثِق أن الله تعالى لم يبتليك ليفجعك، فحاشاه سبحانه أن يفعل ذلك، بل يبتليك ليأجرك وليقويك وليربيك لما أنت له أهل وهو أن تكون خليفة الله في أرضه حاملاً ميراث النبوة، به عاملاً وإليه داعياً.

4- انظر لمن حولك ولما ابتلاهم الله تعالى به فهذا قد ابتلي في دينه، وذاك قد ابتلي في خلقه أو في عِرضه، وآخر قد ابتلي في صحته أو في زوجته وأولاده، وأنت قد عافاك الله تعالى من كل ذلك بل جعلك بين كل هؤلاء شامة يُشار إليك ببنان الثقة والعفة والطهارة والأمانة.

5- افتخر بكونِك إلى الله داعياً وله مُطيعاً مُلبياً وفي حطام الدنيا زاهداً.

6- افتخر بدعوتك وأنت ترى الناس على كل الموائد يأكلون وحول كل ظالم يلتفون وباسمه يهتفون، وأنت لم تدر في فلكهم ولم تنخدع بصنيعهم ولم تغير قبلتك ولم تحد عن غايتك.

7- توجه إلى ربك بالشكر بأن جعلك لم تُداهن ولم تتملق ولم تكن لظالم مُؤيداً ولا مُناصراً بل تصدح بالحق في وجه كل جائر فترتعد فرائصه دون أن تلين لك قناة ولا يخور لك عزم.

8- كن واثقاً بأن ذكرك وذكراك لن ينتهيا بموتك فما ستتركه من أثر طيب سيكون لمن خلفك زاداً يقويهم ومِصباحاً يُضيء دربهم فتصلك الدعوات وتنهال عليك الرحمات.

اللهم لا تجعلْ مصيبَتنا في دينِنا، ولا تجعلِ الدنيا أكبرَ همِّنا، ولا مبلغَ علمِنا، ولا تسلطْ علينا منْ لا يخافك ولا يرحمُنا.

********************************************

جلسة إيمانية يوم 24 رمضان

غداً نلقى الأحبة

مع قدوم مناسبات لم الشمل والتقاء الأهل يتجدد الحنين للغائبين الأحياء منهم والأموات.

بالنسبة للأحياء فهم بين مغترب أو معتقل وخلافة:
- إن هؤلاء الذين غابوا أو غيِّبُوا قهراً وقسراً فالله تعالى يتولاهم وهو وحده "يتولى الصالحين"، يدبر أمورهم ويربيهم على عينه ليكونوا أقوى إيماناً، وأغزر علماً، وأعمق فهماً، والسنوات بالنسبة لهم ما هي إلا أرقام تعوضها الباقيات الصالحات.

- إن هؤلاء الذين غابوا أو غيِّبُوا قهراً وقسراً إن كانوا في ضيق من المكان فإنهم في فسحة من الزمان، يبارك الله تعالى في أعمارهم وفي أوقاتهم فينجز أحدهم في يوم ما ينجزه غيره في أسبوع، وينجز أحدهم في أسبوع ما ينجزه غيره في شهر، بفضل الله ومشيئته... وهكذا.

- أما بالنسبة للذين توفاهم الله تعالى :
فهؤلاء حقهم علينا الدعاء لهم بالمغفرة والرحمة وأن نموت على ما ماتوا عليه من الإخلاص والعمل الصالح حتى يجمعنا الله تعالى بهم في فسيح جناته حيث لا تعب ولا نصب وحيث النعيم المقيم.

إلى كل من غاب أو غُيب عنهم أحبيته

- اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.

- لا تنسوهم من صالح دعائكم هم وكل من على شاكلتهم.

- إياكم أن تملّوا من الصبر فتخسروا ثواب الصابرين وتبوؤوا بإثم القانطين!!

- وإياكم ثم إياكم أن تملّوا الدعاء فإن الله لا يعجل بعجلة أحدنا، وتعجل الإجابة من أسباب عدم الإجابة!

وأخيراً أقول

- سيمُر كل مُر... وسيكون مُجرد ذكريات نتذكرها فنبتسم ونعلم مدى قدرة الله تعالى على منحنا القدرة والصبر والتحمل.

- سيمُر كل مُر... وسيُرينا الله تعالى في كل من تسبب في هذا المُر ما يُشفي صُدورنا وما يزيدنا يقيناً بوعد ربنا أنه سبحانه يُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته.

- سيمُر كل مُر... بعد أن يُعرِّي الله تعالى الباطل وأهله ويفضحهم فينقلبوا خزايا مدحورين.

- سيمُر كل مُر... بعد أن يكتوي كل من أعان ظالماً بناره وبعد أن يُذيقه الله تعالى وَبَال أمره حسرة وندامة على ما اقترف في حق نفسه وفي حق عباد الله.

- سيمُر كل مُر... وسيعوضنا الله تعالى عن كل دقيقة احتسبناها لله وكل غصَّة وكل مرارة أعواماً من البركة في الصحة والعمر والذرية.

- سيمُر كل مُر... وستنجلي كل الأحزان، وستُشفى الجراح، وستعود البسمة، وسيجتمع الشمل، وستشرق الشمس من جديد.

- سيمُر كل مُر... لأنها سُنة الله تعالى في كونه، ولأن الله تعالى لا يُخلف عباده ما وعدهم به من النصر والتمكين.

ثبتكم الله .. حفظكم الله .. أيَّدكم الله .. جمع الله شملكم بأحبتكم عاجلاً غير آجل غير مُبدلين ولا مُقصرين .. إنه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
خبير تربوي وكاتب في بعض المواقع المصرية والعربية المهتمة بالشأن التربوي والسياسي، قام بتأليف مجموعة من الكتب من بينها (منظومة التكافل في الإسلام– أخلاق الجاهلية كما صورها القرآن الكريم– خير أمة).

شاهد أيضاً

بين عقيدة الإسلام و”عقيدة الواقعية

للإسلام تفسيرٌ للواقع وتعاملٌ معه بناءً على علم الله به ومشيئته فيه، كما يثبتهما الوحي. …